عبد الجبار العتابي من بغداد: صدر للباحث العراقي حسن كريم عاتي، كتاب نقدي يحمل عنوان (اثر الزمن في خلق البنية الدلالية في رواية سابع ايام الخلق) عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، يقع الكتاب في 150 صفحة من القطع المتوسط، والغلاف من تصميم زهير ابو شايب، وقد تضمن الكتاب اربعة فصول وخاتمة، فالفصل الاول كان بعنوان (البناء الروائي في سابع ايام الخلق)، والفصل الثاني :الراوي المضاد – المغيب – الرواة، والثالث: اثر الزمن المفترض في خلق البنية الدلالية/السيرة المطلقية، والرابع : اثر الزمن التاريخي في خلق البنية الدلالية / المخطوط. وقد كتب المؤلف في الاهداء (الى الركابي عبد الخالق/ لنا ان نفخر بمزاميرنا التي تجيد العزف في الافراح والاتراح، فليس ابواق الصوت فيها الا ثقوبا في القلب). ورواية (سابع أيام الخلق).. صدرت الطبعة الأولى منها عن دار الشؤون الثقافية العامة بغداد عام 1994،وصدرت الطبعة الثانية عن دار بيسان /بيروت عام 2000/ وصدرت الطبعة الثالثة عن دار المدى /دمشق/2009 وصدرت الطبعة الرابعة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت/ 2011، فازت روايته (سابع أيام الخلق) بجائزة أفضل رواية عراقية عام 1995، كما أُختيرت الرواية نفسها من قبل الاتحاد العام للكتاب العرب في دمشق ضمن أفضل عشرين رواية عربية في القرن العشرين، وقد ترجمت إلى اللغة الصينية على أمل ترجمتها إلى الإنكليزية والفرنسية والروسية، وقد أقرت لطلبة الدكتوراه /قسم الآداب للعام 1995 من قبل جامعة بغداد/ كلية الآداب/ قسم الدراسات العليا. وقال المؤلف الباحث كريم حسن عاتي ل (ايلاف) : هو من بين كتاباتي التي تم الانتهاء منها وتدوينها قبل عام 2003، اذ لم تكن هناك فرصة في حينها سواء على مستوى ما متاح من نشر وعلى المستوى الفكري حتى، لنشر هذا الكتاب، تناول الكتاب تجربة مهمة من تجارب الرواية العراقية، تجربة الروائي عبد الخالق الركابي، وتعد من التجارب المميزة بكتابة الرواية العراقية والعربية ايضا، وقد تكون رواية (سابع ايام الخلق) على اقل تقدير بالنسبة لي هي اهم الاعمال التي قدمها الركابي، بل انه تحدث عن هذا الجانب بتميز هذه الرواية وكانت الرواية ليست بالسهلة على الاطلاق، كانت معقدة من ناحية البناء ومن حيث البنى الفكرية الموجودة فيها، لذاك أخذت وقتا كبيرا وأخذت جهدا كبيرا ايضا، لان عبد الخالق الركابي تحديدا في هذه الرواية اعتمد على تنوع الاساليب سواء المستل من التراث او على وفق الحداثة فيه. واضاف : من الصعب ان تختار رواية واحدة وان تختزل تجربة كاتب من خلالها، الا اذا كانت هذه الرواية هي بالفعل معبرة، هذه من حيث الاهمية تكون بالنسبة للروائي، ولكن التعامل النقدي معها هو : هل مثل هذا العمل الروائي يعد متميزا؟ وما هي وجوه التميز؟، النقد ليس مسؤولا فقد على تأكيد الجوانب السلبية الممكنة (الخلل) وهذا ما اعتقد كافيا، فتميز العمل الروائي وطبيعة الظرف الذي كتب به والثيمات الموجودة والاساليب الفنية، فالعمل الروائي بناء،والعمل الفني عموما بناء، لذلك كانت رواية (سابع ايام الخلق) بناء، وهو الجانب الاساسي، خصوصا ثيمة الزمن في الرواية التي كان يعمل عليها الركابي بطريقة متنوعة، لذاك هي التي فسحت لي مجال ان اتناول الزمن كدلالة. وتابع : لم استطع نشر الكتاب في سنوات ما قبل عام 2003 لاسباب منها اولا..ان فرص النشر كانت محدودة، ثم ان الذي اعتقده ان الثيمات الموجودة ايضا وطبيعة تناولها ما كانت تسمح بنشرها.. ثانيا، وان نشرت فصول في اماكن متباعدة، لكنه اكتمل كعمل ونشر عام 2012، وقد اعدت قراءته لكنني لم اضف اليه اي شيء وفي المقدمة يكتب المؤلف : يمتاز المنجز الابداعي للروائي عبد الخالق الركابي بميزتين أساسيتين، هما: التنوع والغزارة. فهو منذ صدور مجموعته الشعرية الاولى (موت بين البحر والصحراء)، تواصل في نتاجه الأدبي ورفد المكتبة العربية بالعديد من الاعمال الأدبية، بل زاد في ذلك من خلال انتقاله في مختبره الابداعي بين الأنماط الأدبية من قصة قصيرة ورواية ومسرحية. إضافة الى نصوص قصصية منفردة ولقاءات صحفية عبر فيها عن رؤياه الجمالية في منجزه و في غيره، غير ان ما يلفت النظر في ذلك المنجز على تنوعه. ان الركابي لم يكن به ميلاً الى تكرار الانتاج في نمط واحد يقدم فيه عملاً سوى الرواية. فقد اصدر مجموعة شعرية واحدة، آنفة الذكر، وهي البكر في إنتاجه الأدبي، ومجموعة قصصية واحدة هي (حائط البنادق). ومسرحية (البيزار) التي كرر في نمطها مسرحية (نهارات الليالي الالف) في حين اصدر روايات عدة هي على التوالي: (نافذة بسعة الحلم)، (من يفتح باب الطلسم)، (مكابدات عبد الله العاشق)، (الراووق)، (قبل ان يحلق الباشق)، (سابع أيام الخلق), التي تعد من بين اعماله الروائيه الاكثر تميزا، و (اطراس الكلام) واخيرا (سفر السرمدية) التي نشرت على حلقات في إحدى الصحف. مما يؤكد ميله الى استخدام الرواية اداة تعبير يحقق من خلالها قدرة القول ويفصح عن رؤياه الجمالية عبر تقنيات كتابتها،وقد استثمر في ذلك التنوع بين الانماط، تنوع آخر في أساليب كتابتها، بين المستل من عمق التراث، وبين المستحدث على وفق أخر التطورات التقنية في فن الكتابات السردية. واضاف : فالرواية على الرغم مما تشيعه من فوضى ظاهرية أشار إليها المؤلف في المتن الروائي، غير انها خضعت لبناء فني دقيق يكاد يضيع في تلك الفوضى الظاهرية على القارئ غير المتمرس، وجعل من إمكانية الوصول الى معرفة تلك الدقة يتطلب القراءة المتأنية لغرض الوصول الى معرفة ما تقوله وحاولت البوح به، وهو ما حاولنا القيام به،ان تفحص اثر الزمن في خلق البنية الدلالية في الرواية، لكي لا يكتفي بما يوفره التنظير من إمكانية خلق رؤيا قد تقترب من رؤيا الخطاب الفلسفي في موضوعة الزمن التي يشوبها التناقض والاضطراب فيه، جنح الى اختيار إنموذج روائي يحقق لنا إمكانية تتبع ذلك الأثر، فكان اختيارنا لرواية (سابع أيام الخلق) للروائي (عبد الخالق الركابي) لجملة أسباب من بينها: تنوع مستويات السرد فيها، بين سرد سابق عل تشكل المتن الحكائي، وسرد لاحق عليه، وسرد متزامن معه، كان لها الأثر الواضح في خلق قيم دلالية عبر تشكل البنى التي توختها، معبرة بذلك عن رؤية المؤلف للوصول الى غايات تم تحديدها في محلها من الدراسة، كذلك استثمارها جملة معارف تراثية موغلة في القدم، كانت تؤدي في الأصل الذي وجدت فيه وظائف معرفية مختلفة عن الوظائف التي أدتها في النمط الابداعي الذي استثمرت فيه. من بينها أساليب الاسناد التراثية، ونظرية وحدة الوجود الصوفية، كان استثمارها قد أدى بها الى خلق وظائف دلالية جديدة عبر البنى التي شكلها السرد بأزمانه المتعددة في الرواية،كذلك استثمار ما عرف بتاريخ التوثيق المعرفي العربي (بعلم الرجال) الذي تطلبته فترة توثيق السنة النبوية الشريفة، والذي عد التوثق من صدق الرواة يتطلب إخضاعهم الى ضوابط سلوكية دقيقة على ضوئها يمكن الاعتداد بروايتهم او اهمالها. وهو معيار حاولنا استثمار بعض من خواصه، من بين وسائل عدة، وإخضاع رواية السيرة المطلقية في الرواية اليه، للوصول الى قناعات بصحة المروي، او الكشف عن أهداف أُخر عبر اصطناع تلك الصحة، حاول الروائي الوصول إليها او إقناعنا بها، ان معاينة اثر الزمن المفترض في خلق البنية الدلالية في رواية (سابع أيام الخلق). وفي التمهيد للكتاب.. كتب الباحث : شكّل الزمن منذ بدء الوعي به إحدى المعاضل العصية على الحل، فهو لا يأبه بالافراد او بالمجتمعات، وسيره حثيث باتجاه مغاير لسلوك الاشياء، فكان تقسيمه الى زمن اللحظة المعاشة وزمن اللحظة التي غادرت لتوها وزمن لحظة اتية، فكانت (الان) نقطة تماس تلك اللحظات، وبتراكمها حين تنصرم تخلق تاريخ الأشياء الذي اتفق عليه عرفاً انه (الماضي)، والذي يمثل التيار المعاكس لخط سيرنا الذي يمخر عباب الزمن الآتي (المستقبل) مستفيدا من لحظة التماس بينهما وهو (الحاضر). وبذلك يتشكل وعينا بالزمن عبر تقسيمه وإيجاد وسائل اصطلاحية تساعدنا على فهمه ومن ثم إدراكه، ليخلق ذلك الفهم والإدراك الوعي به، غير ان ذلك الوعي، الذي يخلق الرؤية المتشكلة به وبالأشياء التي تتحرك فيه، أسير وعي جمعي في جانب منه خلقه التراكم الكمي والنوعي لاحتمال الصواب والخطأ في فهمه. واسير وعي فردي يخلقه التأمل فيه ثانيا. فكان تنوع الرؤى وتناقضها في فهمه غير قادرة على حرث أرضه، فتركت برغم المحاولات الكثيرة، من دون اطمئنان من إمكانية استنبات أفكارنا فيه لتثمر يقينا، يدفع بنا بعيدا عن شك احتمال الصواب والخطأ. فكان الزمن بذلك أرضا بكر يصلح دوما لادعاء إمكانية إعلان ابتكاراتنا فيه من دون ادعاء الريادة في ذلك. وهو ما دفع (بالقديس او غسطين) للقول : ((...... ان لم يسألني أحدا عنه، اعرفه. اما ان اشرحه فلا استطيع)) (1).فكانت سهولة النظر فيه مغرية لولوج عالم عصي على الإمساك، عل العود يكون احمد بما يشفي الغليل من ظمأ سكن الوعي الفردي والجمعي منذ بدء تشكيل ذلك الوعي. واضاف موضحا : فقد ذهب (ارسطو) الى تحديد معنى الزمن عبر تحديد أجزاؤه بقوله: ((ان الأجزاء التي يتألف منها الزمان : أحدها كان ولم يعد بعد موجدا، والثاني لم يأتي بعد. والثالث لا يمكن الامساك به، فأجزاؤه اعدام ثلاثة)، ينتهي الى ان الزمن يستحيل ان يشارك بالوجود لاتصافه بالعدم. غير ان اثره يرتبط جليا حين يرتبط بالحركة ويكون بالامكان معرفة ماهيته. ذلك التصور الذي يتفق مع فلسفة العلوم وان اختلف معها في طبيعة تلك الحركة، حيث ذهبت النظرية النسبية، التي شكلت الأثر الأكبر في خلق التصور الفكري عن الزمن في فلسفة العلوم الحديثة الى انه ((... لا مكان للقول بالزمان المطلق لان الزمان يختلف من نظام مرجعي الى آخر، تبعا لكون هذا النظام المرجعي يتحرك بسرعة دنيا او سرعة تصل او تقترب من السرعة القصوى التي هي سرعة الضوء)، فكان الزمن قد فقد ماهيته من دون ان يرتبط بحركة، غير ان فلسفة العلوم تؤكد ان الحركة بذاتها متغيرة وعلى ضوء تغيرها يتغير الزمن كذلك. وهو ما يناقض رؤيا (بروكسن) عنه حيث ذهب الى ((ان الواقع الحقيقي للزمن يكمن في الديمومة. اما اللحظة فليست الا تجريداً لا واقع له.. فاللحظة تقطيع خاطئ للزمن... فالديمومة تدرك في وحدتها التي لا تقبل الانقسام). واشار الى : ان الزمن في الرواية يشكل الاطار العام الذي تنمو فيه الآحداث المعبرة عن تعارض او اتفاق الآراء او المصالح بين الشخصيات، حاملة تلك المفاهيم والمعبرة عنها، والتي تحاول إيصالها من خلال المتن الروائي او ألاحالة الى خارجة، على وفق حيثيات توفرها الأحداث او المناخ الروائي العام. فتكون بذلك الرواية من خلال خوضها غمار تجربة إنسانية تبتغي التأثير في قناعاتنا بالتوكيد او المعارضة، وسيلتها في ذلك عناصر متعددة بتفاعلها يتأرجح المعنى وضوحاً او غموضاً، توقاً يجسده النص او إحباطاً يحاول ان يرتقي به حد التعاطف معه والمشاركة فيه.