رشا الأمين أبدى مسؤولون في بعض المحافظات امتعاضهم من إسناد الحكومة المركزية مهام الملف الأمني في المدن لقيادات العمليات العسكرية، واصفين إياها بخطوة لتجريدهم من صلاحياتهم في إدارتها، فيما رأى مسؤولون في محافظات أخرى أن قيادة العمليات العسكرية أسهمت في بسط الاستقرار والأمن في مناطقهم. ففي نينوى، رأى المحافظ أثيل النجيفي أن معالجة الوضع الأمني بطريقة عسكرية من خلال تشكيل قيادات العمليات أربكت عملية اتخاذ القرارات الأمنية في بعض المدن وهو ما قاد إلى استمرار التوتر فيها. وأضاف النجيفي إن تشكيل القيادات العسكرية لا يقتصر على كونه يمثل حالة عدم ثقة بالقيادات المحلية بل يتعداه ليشكل حالة عدم ثقة باستثناء شخص واحد فقط. وهذه محاولة "لجمع كل الأمور بيد جهة واحدة فقط وبمكتب واحد يتحكم بالملف الأمني العراقي كله وأنا باعتقادي هذه الطريقة لا تخدم". مسؤولون محليون في محافظات أخرى عدّوا قيادات العمليات بمثابة تهديد للحكومات المحلية في حال انتقادها لسياسات الحكومة في بغداد أو محاولتها إعلان الفيدرالية، بحسب نائب محافظ صلاح الدين أحمد الكريِّم. ورأى الكريِّم في تصريح ل"راديو سوا" أن هذا الإجراء محاولة لمصادرة صلاحيات وتقييد الحكومات المحلية مما يسبب أزمة في المحافظات التي فيها قيادات عمليات وذلك لتجاوز تلك القيادات الصلاحيات القانونية للمحافظين، الأمر الذي قال "إنه سيسبب إرباكا". وأعرب الكريِّم عن امتعاضه من إخضاع قضاء سامراء التابع لمحافظة صلاح الدين لسيطرة قيادة أمنية مستقلة عن الحكومة المحلية، فضلا عن تدخل الحكومة المركزية في عمل الأجهزة الأمنية من خلال إحالة العديد من الضباط على قانون المساءلة والعدالة. وكان رئيس الوزراء نوري المالكي قد عكف على تشكيل قيادات العمليات العسكرية على مراحل بالتزامن مع تكثيف القوات الأميركية جهودها لاحتواء آثار الحرب الطائفية التي تصاعدت حدتها بعد تفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء في فبراير/شباط عام 2006. وتتولى قيادة القوات البرية مهمة الإشراف على عمل قيادات العمليات العسكرية باستثناء قيادة عمليات بغداد التي ترتبط مباشرة بمكتب القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء نوري المالكي. ورفض قائد القوات البرية الفريق أول ركن علي غيدان تحميل قيادات العمليات مسؤولية تدهور الوضع الأمني، موضحا أن الهدف من تشكيلها هو "أن تكون السيطرة الأمنية مركزية بيد قائد واحد يدير الملف الأمني لوزارتي الداخلية والدفاع". وشدد غيدان على أن قيادات العمليات ستواصل أداء مهامها الأمنية رغم رفض بعض الحكومات المحلية لها كونها "لا يروق لها أن يتولى قائد ميداني لا يرتبط بجهة سياسية في المحافظة مسؤولية حماية الأمن، القيادات تفرض الأمن والسيطرة لا تمنحهم حرية العمل في المجال الأمني". وأبدى غيدان استغرابه من زج القادة السياسيين الملف الأمني في السجال الدائر بينهم، مشيرا إلى نية الحكومة نقل الصلاحيات الأمنية للشرطة المحلية في المدن التي تشهد استقرار أمنيا، كما قال. فيما قال اللواء رشيد فليح، قائد عمليات سامراء التي تتولى المهام الأمنية في قضاء سامراء والمناطق القريبة منها، إن قيادات العمليات لعبت دور مهم في دعم الأجهزة الأمنية، مضيفا أن "الفضل يعود لها في بسط الأمن في أعقاب هروب عدد كبير من نزلاء سجن التسفيرات في تكريت نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي". ورفض فليح الاتهامات التي أشارت إلى أن قيادات العمليات تشكل بداية لمرحلة فرض أحكام عرفية، وقال "لا يستطيع قائد العمليات اعتقال شخص بدون مذكرة قضائية، فأين هي نية فرض الأحكام العرفية؟" وفي معرض الرد على سؤال عما إذا كان عناصر القيادات العسكرية يخضعون للمحاسبة القانونية في حال ارتكابهم خروقات، قال قائد القوات البرية الفريق أول ركن غيدان "إن لا حصانة قانونية لعناصر القيادات سيحاسبون قضائيا في حال ارتكابهم خروقات". لكن عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية النائب عن العراقية حامد مطلك أقر بإخفاق اللجنة في تقديم المقصرين من عناصر تلك القيادات للقضاء، موضحا ذلك بقوله "هنا شكاوى من أهالي مناطق حول بغداد وكذلك ديالى ضد بعض قوات العمليات التي تقوم بمداهمات واعتقالات عشوائية وتعذب المعتقلين لتصل أحيانا لحد وفاة أحدهم ، حددنا أسماء عدد من الذين خرقوا القانون وحقوق الإنسان لكن كانت هناك حماية لهم من المحاسبة بالفعل هناك حماية". محافظات تؤيد تشكيل قيادات العمليات بخلاف الانتقادات التي يوجهها مسؤولون في نينوى وصلاح الدين لقيادات العمليات، لا يجد نظراؤهم في محافظات أخرى ضررا من إسناد المهام الأمنية لقيادات العمليات العسكرية طالما حرص قادتها على إشراك مسؤولي تلك المحافظات في آلية تطبيق الخطط الأمنية، حتى أن بعضهم نسب لقيادات العمليات الفضل في استتباب الأمن في تلك المناطق، والكلام هنا للمتحدث باسم حكومة الأنبار غرب العراق محمد فتحي الذي قال "هناك تنسيق عال بين قيادة عمليات الأنبار والحكومة المحلية، تنفيذ أوامر القبض الصادر من القضاء من قبل قيادة العمليات والشرطة تكون بعلم المحافظ". في محافظة ديالى شرق العاصمة بغداد، أكد رئيس اللجنة الأمنية في المحافظة مثنى التميمي أهمية الدور الذي لعبته قيادات العمليات في المحافظة من خلال إحباطها هجمات عدة لتنظيم القاعدة. أما محافظة المثنى الذي ارتأى رئيس مجلسها عبد اللطيف الحساني أن يصفها بالمستقرة أمنيا، فقد عزا الاستقرار الأمني فيها إلى جهود قطع الجيش التابعة للعمليات في حمايتها من هجمات الإرهابيين، كما قال. رغم الانتقادات التي توجه للمالكي من خصومه السياسيين بخرقه لبنود الدستور مرارا لإرساء دعائم حكمه، واتهامه بالسعي للاستحواذ على السلطة بيد عسكرية في إشارة إلى قيادات العمليات، إلا أن مقربين منه يقولون إنه يستند في تشكيلها على الفقرة الثانية من المادة 110 من الدستور التي تنص على أن صلاحيات الحكومة الاتحادية "تتمثل في وضع سياسة الأمن الوطني وتنفيذها، بما في ذلك إنشاء قوات مسلحة وإدارتها، لتأمين حماية وضمان أمن حدود العراق، والدفاع عنها". هل يمهد ذلك لفرض أحكام عرفية؟ ولكن لماذا رفض بعض السياسيين والمسؤولين فكرة تشكيل قيادات العمليات منذ البداية؟ في هذا الصدد، قال النائب المستقل حسن العلوي إنه يتفهم خوف البعض مما وصفه ب "السر المخفي" في مسألة قيادات العمليات، مضيفا "الذاكرة العراقية التي يأتيها ميراث الحكم في العراق والخوف من أن تكون هذه منظومات أمنية على غرار المنظومات التي كانت موجودة في حكم النظام السابق كالعلاقات والمخابرات، الناس تنظر لهذه المؤسسات بالشك وهذا حقهم". ولفت العلوي إلى أن السياسة التي تتبعها الحكومة الحالية بربط أجهزة الدولة بزعيم واحد متمثل برئيس الوزراء المالكي يثير المخاوف من المرحلة المقبلة، مشيرا الى أن الشكوك لها ما يعززها في سعي حزب الدعوة في العراق إلى تطبيق الشريعة الدينية وبرنامجه السياسي هم برنامج الحزب الواحد. وأعرب عن اعتقاده بأن الحكومة لا تتطلع إلى تطبيق ديموقراطية واسعة، بل أنها تحاول تجميد البرلمان. لكن المتحدث باسم ائتلاف دولة القانون النائب علي الشلاه رفض التلميح إلى وجود نية للمالكي للتأسيس لحكم دكتاتوري، قائلا "في ظل وجود إرهابيين مدعومين من جهات سياسية كتلك المدعومة من نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، فضلا عن المدعومين من دول خارجية. العراق يتعرض لهجمة طائفية خصوصا في ظل الأحداث في سورية وتشكيل القيادات ضرورة لإيقاف هذه الهجمة". الأمن وفرض حالة الطوارئ ورأى الخبير الأمني أمير جبار الساعدي أن الفراغ الأمني الذي نشأ بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق كان حافزا لرئيس الوزراء للمضي قدما في تشكيل قيادات العمليات للسيطرة على الحكومات المحلية، خصوصا تلك التي تهدد بإعلان الفدرالية بين حين وآخر. وأوضح الساعدي في حديث ل"راديو سوا" أن تولي المالكي لإدارة وزارة الداخلية بالوكالة وجهاز المخابرات، فضلا عن تدخله في قرارات وزارة الدفاع رغم وجود وزير لها "منحه الفرصة للاستحواذ على الملف الأمني لينطلق في تشكيل القيادات التي باتت ورقة سياسية يضغط بها على خصومه". ولم يستبعد الساعدي أن يتجه المالكي مستقبلا لاستخدام قيادات العمليات التي يدين قادتها بالولاء له في فرض أحكام عرفية، موضحا "يستطيع المالكي فرض الأحكام العرفية في العراق كون البلاد تعيش حالة طوارئ حيث أنها لم ترفع لحد الآن، المالكي يحتاج لموافقة البرلمان كي يفرض الأحكام العرفية لكن في ظل الأزمة السياسية الداخلية قد تلزمه بفرضها بعيدا عن موافقة مجلس النواب". وتتولى قيادات العمليات المهام الأمنية كافة في المحافظة من حملات دهم واعتقال ووضع خطط أمنية وغيرها ومنها قيادة عمليات بغداد والبصرة ونينوى والانبار وسامراء والرافدين التي تتولى ملف محافظات ميسان والمثنى وذي قار والفرات الأوسط التي تتولى ملف محافظات كربلاء والنجف والقادسية. وآخر تلك القيادات، قيادة عمليات دجلة التي تتولى الأمن في محافظتي كركوك وديالى، والتي أثارت جدلا بسبب رفض الأكراد إشراف قوات حكومية على الملف الأمني للمناطق المتنازع عليها ومنها كركوك، وهددوا مرارا باتخاذ إجراءات حادة لإيقاف عملها. وعلى الرغم من عدم حسم مسألة إخضاع محافظة صلاح الدين لسيطرة أي قيادة عمليات حتى الآن، إلا أن قائد القوات البرية الفريق أول ركن غيدان قال إن الحكومة ملتزمة بتطبيق خطة تتضمن إخضاع المحافظات كافة لسيطرة قيادات عمليات عسكرية وهو ما يمهد لتكون محافظة صلاح الدين تحت أمرة قيادة عمليات سامراء.