قد تشهد تقدما بعد الانتخابات الإسرائيلية هنا انتهي التصريح, لكن الذي لم يقله المسئول هو أن هذا الماراثون الانتخابي من المرجح أن يأتي ببنيامين نيتانياهو الرافض في المطلق تقديم أي اعتذار لتركيا. ولأن ما سبق جاء ضمن انفراجات حدثت بالفعل في العلاقات بين البلدين التي لم تتوقف أصلا كان طبيعيا أن تهب العواصف محتجة ومنتقدة بقسوة ما وصفته بالمساومات القذرة التي كانت وراء قيام أنقرة برفع الفيتو عن تعاون اسرائيل مع حلف الناتو, مقابل نشر بطاريات صواريخ باتريوت علي الاراضي التركية. وتقدمت صحيفة ميللي جازيته الإسلامية مسيرة التنديد متهمة العدالة والتنمية الحاكم بالازدواجية, مشيرة إلي الاتصالات السرية التي يقوم بها وزراء في حكومة الحزب مع دولة الاحتلال في الوقت الذي يشن رئيسها هجوما حادا عليها, وهو في الحقيقة مصطنع, وبما أن حكومة اردوغان رفعت الفيتو عن التعاون غير العسكري لحلف الناتو مع اسرائيل والذي كانت تعرقله منذ حادث الاعتداء علي سفينة مافي مرمرة للمساعدات الانسانية أمام سواحل غزة في نهاية مايو من عام2010, فهذا يؤكد أن نشر صواريخ باتريوت ليس فقط لصد اي هجمات سورية وإنما هو لحماية اسرائيل من الانظمة الدفاعية الجوية السورية والايرانية والأخيرة بشكل خاص. وليت الأمر اقتصر عند هذا الحد فحسب, بل أن حكومة العدالة والتنمية بصدد الاتفاق مع تل أبيب لشراكة تجارية رغم مجزرة سفينة مرمرة والتي راح ضحيتها9 من المواطنين الاتراك. وللتدليل علي صحة ما تقوله أوردت الصحيفة أرقاما صادرة من المكتب التجاري الاسرائيلي في اسطنبول والتي تؤكد زيادة حجم التبادل بين البلدين, فبعد أن كانت واردات تركيا من إسرائيل1.31 مليار دولار عام2010 صارت العام الماضي1.85 مليار دولار. هذا التناغم لا شك أنه اسعد واشنطن, بيد أنها سارعت ووضعت طلب تركيا بشأن تزويدها بأسلحة بلغت قيمتها140 مليون دولار, لتطوير انظمتها الدفاعية الجوية أمام الكونجرس مع مؤشرات تؤكد استجابته للصفقة. أدبيات أخري تنطلق من نفس الأيديولوجية الدينية بدت أكثر جرأة, حينما أكدت أن الحكومة استغلت حادث السفينة لتقديم نفسها علي انها الداعم الرئيسي للقضية الفلسطينية لكسب صوت الشارع العربي, لكن السؤال ماذا بعد رفع تركيا الفيتو عن اسرائيل هل سيظل الفلسطينيون والعرب عموما عند موقفهم حينما وصفوا اردوغان بالقائد الاسلامي؟ الأغرب كان هو تبرير وزارة الخارجية الذي بدا ساذجا, عندما قالت إنه لا يمكن ان يلتقي الجنود الاتراك والإسرائيليون وجها لوجه بالانشطة التابعة لحلف الناتو, وان القرار الذي اتخذ لا يعدو كونه مجرد تخفيف, جاء بعد ضغوط مستمرة وجهود مبذولة من قبل الامين العام لحلف الناتو راسموسن وعادت تكرر نفس الجمل وهي لا تغيير في الموقف التركي حيال إسرائيل والذي يتلخص في ضرورة الاعتذار ودفع تعويضات لعائلات الضحايا الذين لقوا حتفهم في هجوم البحرية الإسرائيلية علي سفينة مرمرة وأخيرا رفع الحصار عن غزة, وحتي تعطي لخطوتها التصالحية قدرا من المشروعية قالت ان القرار سيسهم في تطوير علاقات الحلف مع كل من مصر, تونس والاردن. الغضب الإسلامي هذا, توازي معه آخر ولكن من منطلقات قومية في شجبه لسياسات حكومة بلادهم التي لم تقم بها أشد الحكومات العلمانية, وهنا نبه الكاتب الصحفي محمد علي غوللر, إلي أن الأتراك واعون للشراكة بين أردوغان وإسرائيل في التآمر علي سورية, مؤكدا أن دعوة إسرائيل لتركيا علي لسان بنحاس افيفي المدير السياسي في وزارة الخارجية الإسرائيلية والسفير الإسرائيلي السابق لدي أنقرة, للتعاون فيما يتعلق بالأزمة في سورية, تظهر وقوف إسرائيل والحكومة التركية في صف واحد تجاه سورية. وقال غوللر في مقاله الذي نشرته صحيفة ايدينليك ان منظومة الدرع الصاروخية في منطقة كوراجيك بمدينة ملاطيا جنوب البلاد والسياسات المعادية لإيران وسورية, تجعل من حكومة حزب العدالة والتنمية شريكا سياسيا لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط. وشدد غوللر علي أن الولاياتالمتحدةالأمريكية استخدمت حكومة حزب العدالة والتنمية في الأحداث السورية كأداة لتنفيذ خططها ومازالت تستخدمها ولكن ليست رغما عنها بل مقابل وصول حزب العدالة والتنمية إلي الحكم ووفقا للاتفاقيات الثنائية الموقعة بين الطرفين, ولفت الكاتب إلي أن حكومة حزب العدالة والتنمية أصبحت الأداة في تحقيق هدف العدوان علي سوريا. أما حسن قانبولاط رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية في الشرق الأوسط فأشار إلي وجود لعبة داخل لعبة في سوريا, موضحا أن الأحداث السورية تم تصميمها علي أساس إضعاف جميع القوي الإقليمية, ثم ملخصا سياسات حكومة حزب العدالة والتنمية إزاء سوريا, بأنها محاولة للقضاء عليها لكونها إحدي القوي التي تشكل تهديدا لأمن إسرائيل. وكي يكتمل المشهد العبثي كشف رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان النقاب عن العثور علي جهاز تنصت في مكتبه بمنزله, ورغم أن اردوغان حمل المسئولية علي ما أسماهم فلول الدولة الخفية داخل مؤسسات الدولة إلا أن الحادث كان فرصة كي توجه أصابع الإتهام إلي الموساد الذي لا يروق له أن يري تركيا قويه في المنطقة والعالم!!