بغداد: على الرغم من مساحة الحرية الكبيرة الممنوحة له، الا أن الاديب العراقي ما زال يعاني من طبع ونشر وتوزيع مؤلفاته، حتى وصل الامر الى أن يصفها البعض بأنها (محنة)، فهو لا يجد دور النشر التي تفتح ذراعيها له وتستقبل ما يكتب من نتاجات في مجالات الادب والثقافة المختلفة، بعد أن زالت عنه الرقابة وتوفرت له أجواء الحرية وأصبح بامكانه ترجمة افكاره كما يحلو له. فما زالت هناك الدار الحكومية اليتيمة (دار الشؤون الثقافية) التي لا تستوعب النتاج الكبير للادباء والمثقفين، فيما بات النظر الى دور النشر الاهلية يتناسب طرديا مع ما في (جيب) الاديب من اموال، اذ ان الطبع هنا مكلف، فضلا عن وجود العديد من السلبيات في طباعة هذه الدور، وقلة عدد النسخ المطبوعة الذي لا يتجاوز الالف نسخة في اغلب الاحيان، فيما يضظر البعض الى طباعة عدد محدود من النسخ من اجل توزيعه فقط على زملائه من الادباء او اصدقائه، في محاولة منه ليرضي (غروره) او ليعبر عن مشاعر مكنونة في نفسه ويشعر بالزهو انه طبع كتابا، فيما النشر والتوزيع يقتصر على هذه الدور والاماكن التي تتواجد فيها او التي لها فروع فيها، وهذا ما يجده الادباء امرا غير مجد بالمرة لانه يريد ان تصل مؤلفاته الى نقاط بعيدة من العالم او الوطن العربي والعراق، مثلما يضع في اولويات تمياته ان يجد دارا للترجمة لكي يطّلع العالم على ما يكتب وما يبدع وان لا يظل يدور في فلك المحلية او تقتصر على اصدقائه. فقد ربط القاص والروائي نزار عبد الستار بين واقع الاديب والبلد بشكل عام، مشيرا الى ان محنة الاديب العراقي قائمة في كل الاحوال مادام بلده يعيش غيبة كاملة عن سوق الكتاب، وقال: اكبر ازمة يعاني منها الاديب العراقي هو ان بلده لا يملك طاقة نشرية ولا توجد فيه دور نشر متخصصة تعمل على نشر الكتاب وتسويقه في الدول الناطقة بالعربية وعليه فان الاديب العراقي يعتمد بشكل كبير جدا على دور نشر عربية في طباعة كتابه وفي العموم يقوم الاديب بدفع نفقات الطباعة للدار الناشرة الا في حالات نادرة تخص مجالات بعينها. اعتقد ان هذا الامر يشكل عائقا كبيرا امام الاديب العراقي فحتى لو تمكن من نشر كتاب ما فانه حتما سيتريث في الثاني ريثما يجمع ثمن الطبع وعليه فان معالجة هذا الخلل يتم في انشاء دور نشر بمواصفات عالية وتكون منفتحة على النشاطات العربية ومتواجدة في المعارض السنوية المهمة وهذا بالتأكيد سيدفع دور النشر العربية الى محاولة كسب الاديب العراقي ومنحه حقوقه كاملة. اعتقد ان محنة الاديب العراقي قائمة في كل الاحوال مادام بلده يعيش غيبة كاملة عن سوق الكتاب فيما اكد الروائي نصيف فلك على ان الايدولوجية ما زالت تحكم دار النشر الحكومية، موضحا ان المحنة تكمن في هذه الدار، وقال: بالتأكيد.. الاديب العراقي يعاني معاناة سرمدية في قضية الطبع، يعني الطبع ما زال ايدلوجيا، يعني ان المثقف العراقي او الكاتب بالاحرى يقع دائما تحت طائلة دار النشر الايودلوجية، بمعنى ان محنتنا هي دار الشؤون الثقافية، وأي حزب يمسك هذه الدار يجيرها له، بحيث يمنع طبع اي كتب خارج منهجيته ودائرته، فألى متى نبقى سجناء الاحزاب، وسجناء الايدولوجيات؟، الى حد الان لم نشم رائحة الحرية ما دامت هنالك احزاب وايدولوجيات هي التي تهيمن وتسيطر على المشهد الثقافي. اما القاصة سافرة جميل فقد اشارت الى سوء الطباعة في دور النشر الاهلية فضلا عن محنة التوزيع والنشر، وقالت: يعاني الاديب العراقي كثيرا جدا، ليس من محنة الطبع فحسب، بل من محنة الطبع والتوزيع والنشر، بالاضافة الى محنة الفلوس التي ليست لديه منها ما يكفيه لطباعة مؤلفاته في دور نشر جيدة، لان شركات ودور النشر والطبع تطالب بمبالغ كبيرة جدا، ثم ان هذه الدور لا تعطي المرلف النسخة الاولى لكي يصلحها فتأتي مشوهة، وانا قررت عدم نشر احدى رواياتي لانها جاءت مشوهة فطلبت من دار النشر عدم طبعها ونشرها، ثم ان هناك محنة اخرى وهي اننا نحن الذين نكتب ونحن الذين ننشر ومن ثم نحن الذين نوزع كتبنا بأيدينا، اي لا توجد وكالة للنشر، فضلا عن وجود محنة اخرى وهي عدم وجود ترجمة للمؤلفات العراقية من اجل ان يعرفنا الناس في الخارج. واضافت: الحل ان تساعد الدولة الاديب اولا في طبع كتبه، ثم ان تؤسس دارا للنشر تعتمد فيه طبع الكتب بمبالغ رمزية، ولا اعتقد ان دار الشؤون الثقافية لوحدها كافية، فهي تمثل يدا واحدة ولا يمكن لها ان تعتمد كتب الجميع، ولهذا يجب ان تساهم وزارة الثقافة وتضع ميزانية خاصة للطبع، وعلى الاقل تساعدهم في تحمل جزء من الطبع والاهم النشر، فضلا عن تأسيس دار للترجمة. علي لفتة سعيد: ليست المشكلة الان بطبع النتاج الذي لدى المؤلف الاديب بل في التوزيع، هناك الان فسحة كبيرة في نشر عشرات بل مئات الكتب التي صدرت من دور نشر عربية وخاصة من سوريا ومصر، ولكن المشكلة تكمن في غياب اساسيات عديدة، منها اثنان مهمان اولها غياب دور النشرالعراقية القادرة على نشر الكتاب وليس طبعه فقط وهو ما تعمل عليه دار الشوؤون الثقافية او بعض دور النشر الاهلية التي تتخذ من شارع المتنبي او في بعض المحافظات امكنة لها وخاصة دور نشر الكتب الدينية،وكذلك غياب التوزيع للكتاب الذي يصدر من دور النشر العريية التي هي اساسا تحصل على اموال من الكاتب العراقي لقاء طبعا مؤلفاته، لان المؤلف يعاني من عدم قدرة الكتاب على التوزيع في الدول العربية والعراقي الا من خلال بعض معارض الكتب. واضاف: هناك الان قدرة على الطبع ولكن هناك خيبة امل في التوزيع، وهذا يعني ان الكاتب يعاني من محنة الطبع والنشر والتوزيع، واذا ما فكر ان يطبع كتابه في دور النشر الاهلية، فهذه تاخذ المال وتعطيه 100 نسخة او 200 نسخة للمؤلف لقاء اموال تصل امن 500 الى 1000 دولار، ولا يعرف المؤلف اين تذهب النسخ الاخرى، مثلما لا يدري ان كانت له حقوق ام لا، وهذه معاناة من نوع جديد. الى ذلك اكد الاديب كاظم حسوني ان الطبع صار فعلا محنة مع انفتاح افاق الحرية، وقال:: بعد التغيير انفتحت افاق الحرية عموما وصار من السهولة ان اطبع كتبي على عكس ما كانت عليه في السابق التي كانت تقتصر على دار الشؤون الثقافية وموافقات الدولة، وهذه فيها صعوبات عدة، ومنافذ الطبع والنشر محصورة في الشؤون الثقافية حصرا، اما الان فقد توفرت مطابع كثيرة في العراق والعاصمة بغداد، وصرنا نشاهد دور نشر عدة وطباعة متقدمة وخاصة ان دور النشر هذه لا تخضع للرقابة، وهذا هو الجانب الذي وفر الحرية للكاتب، فالدولة سابقا تطبع لك بشروطها، وتنتظر سنوات لكي يرى كتابك النور، الان يمكن للمؤلف ان يوفر لنفسه 500 دولارا او 600، او ما يعادل مليون دينار عراقي ويطبع كتبه، والادباء يتفاوت دخلهم الشهري او السنوي، وبالتأكيد ان مبلغ المليون دينار كبير بالنسبة للاديب،وبالتالي قد تبدو المسألة بالنسبة له صعبة لاسيما للاديب الذي يريد طبع مؤلفاته، وبالتأكيد تمثل هذه محنة لدى البعض، محنة ماديا حصرا، والاديب الذي يريد ان يطلع كتابه عليه ان يحمل مليون دينار على الاقل لكي يطبع كتابه. واضاف : اعتقد ان حل هذه المشكلة هي ان تتبنى منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومة دعم المثقفين وتشجعهم وترعاهم، وبالتالي ان احدى اهم مزايا التشجيع والدعم هي طبع كتبهم بشكل جيد وبنسخ مناسبة كي تصل الى ابعد قاريء في العراق او خارج العراق.