شركاء جريمة اغتيال الحمدي كان لكل واحد منهم مبرراته الخاصة.. والناصريون مستعدون لإراقة دمه مرتين تخففوا قليلاً من التعامل مع السياسة كشأن شخصي.. والحديث عن رموزها باطلاق.. لا في الخير ولا في الشر.. نعم.. يجب ان نمنح السياسيين حق إنسانيتهم، ونحن ننقدهم.. فهم بشر مثلنا.. ومن الشروط الانسانية، أن نرى ما يمكن تسميتها العوامل الموضوعية، التي هي فوق طاقة السياسي، خاصة من صار في موقع الحكم.. تلك الشروط التي في استهدافنا لخصمنا وتمجيدنا لحليفنا.. نغفلها تماما.. نتعامل مع من يحكم وكأنه يصبح على كل ما يشاء قديرا.. فإن أحببناه قلنا إنه كان ظل الله في الأرض.. وان كرهناه قلنا إنه ايضا ظل لمشيئة مطلقة تفعل ما تريد.. كمثال، وما دامنا مررنا بذكرى اغتيال الشهيد الرئيس ابراهيم الحمدي.. فإن أغلبنا لا يزالون يحبون هذا الرئيس حتى ولو لم يعيشوا في عهده.. ولا عرفوه أصلا.. لكنه حصد حباً جارفاً لأنه كان رمز الناس لمقارعة دولة المشائخ.. هو جاء باسم المؤسسة العسكرية التي تولت منذ ثورة 26 سبتمبر، تمثيل الناس العاديين.. كان الحمدي أول من وضع حجر أساس لحديقة.. وزار مدرسة.. واهتم بمرتكزات بناء دولة حديثة.. وتحدث للناس، بعد عهد طويل لم ينته بموت الامام أحمد، كان فيه السياسيون لا يتحدثون إلا لبعضهم البعض. ولقصر عهده، وللشوق الجارف الذي كان مثله لدى الشعب، في حياة مختلفة.. ولحجم الخيانة التي تعرض لها نهاية عهده.. فقد خلدته الذاكرة الشعبية، رمزاً محبوباً، لكن لا ولاء له. وكل مشروع سياسي بحاجة للولاء وليس للحب عكس ما حدث للحمدي الذي منحه الناس المحبة وليس الولاء.. لقد والى الناس الذين يحبون الحمدي كل المشاريع التي تمثل نقيضاً له.. ومع أن الناصريين يرفعون صور الحمدي في الانتخابات، فلم يفز منهم إلا من كان الناس يحبونه هو.. 2 في سياق الصراع على السيطرة، والتي تستخدم كل الأفعال المتاحة بما فيها الاغتيالات والاعتقالات والخطف والاخفاء.. اختار الرئيس ابراهيم الحمدي، "أبا" أحمد الغشمي، نائباً له.. وهكذا كان الأول يسمي الثاني دائما. لا اعتقد أن الرئيس الحمدي اختار الغشمي لما يقال أنه يظنه غبياً.. بل لأنه كان مؤهلاً للقيام بأي مهام بدون النظر إلى سياقها واطارها واخلاقياتها.. يعني مثله مثل كل من نفذ "مهاماً" قذرة بدعوى خدمة المبادئ، مع الفارق أن الغشمي لم يكن بحاجة إلى وعاء أيديولوجي للقذارة. ومع أن في ملفات دولة الرئيس الحمدي الكثير من الشكاوى من الاشتراكيين، والبعثيين، ومن رجال المؤسسة المدنية للدولة مثل القاضي عبدالله الحجري، الذي اغتالته دولة الرئيس الحمدي، لكن لا أحد يقول لنا ما هي اسهامات الغشمي فيها.. لكننا نعرف تماماً أن أكبر المهام "قذارة" نفذها الغشمي، كانت اغتيال من عينه، وهو الرئيس ابراهيم الحمدي. ما يجب رؤيته أن شركاء جريمة اغتيال الرئيس الحمدي، كان لكل واحد منهم مبرراته الخاصة به.. محمد خميس وجهازه الأمني- مثلاً- مسكون بهاجس الصراع مع اليسار.. السعودية، اضافة لصراعها ذاته مع "عدن".. فثمة رئيس في الجوار، ينتمي لمؤسسة عسكرية، ويرفع رصيده الشعبي، ويصارع مشائخ النفوذ.. تفقد هي وهو القدرة على السيطرة على علاقتهما. لكن فيما يخص الرئيس احمد الغشمي فقد كان له دافعه الخاص، وهو ازاحة الرجل الوحيد الذي يحول بينه وبين الجلوس في الكرسي الأول للبلاد. 3 سمعت شخصياً كلاً من الرئيس علي عبدالله صالح، والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، يتحدثان عن اغتيال الحمدي.. وللأسف لم يصادفني الحظ لأسمع الأستاذ محمد اليدومي.. في المحصلة.. اتهام الناصريين للرئيس علي عبدالله صالح باغتيال الرئيس ابراهيم حمدي، جاء بعد اقتتالهم معه عقب محاولة الانقلاب عليه في اكتوبر 1987م، مع أن الاغتيال أصلاً كان قد تم قبل ذلك بعام كامل، شهد تولي رئيس آخر تم اغتياله ايضا. الصراع السياسي لئيم، بحيث أن الناصريين مستعدون لإراقة دم الحمدي مرتين، مرة وهم يعجزون عن تحويل حب الناس له الى ولاء لمشروعه.. وأخرى وهم يستخدمونه ضد خصومهم هم. فالرئيسان علي عبدالله صالح وابراهيم الحمدي، لم تكن بينهما أية خصومة، ولا حتى خلاف ولا حتى تضاد مصالح، كما بين الغشمي والحمدي، ويمكن ملاحظة أن "علي عبدالله صالح" الذي عينه الحمدي قائداً للواء تعز، لم يتغير منصبه إلا بعد اغتيال الغشمي وليس بعد اغتيال الحمدي، حيث انتقل للقيادة في صنعاء حينها. كان خطأ الرئيس صالح هو أنه حين صار رئيساً لم يفرق بين الناصريين وبين الحمدي.. ومع أنه تعامل بشكل محترم مع أولاد وعائلة الرئيس ابراهيم، فإنه لم يكن وفياً بالقدر الذي كان يجب أن يميز به قائده الأول ورفيق السلاح، فلم يكن الأمر مجرد رفع صورته ضمن صور الأخير في القصر الجمهوري.. ولا شك أن خصوم "الحمدي" الأيديولوجيين "الاخوان" والتقليديين "المشائخ" لم يفتهم ملاحظة "الغيرة" التي تبدو كلما تحدث الرئيس الجديد عن الرئيس السابق.. تماما كما يفعل عبدربه منصور هادي الآن، والذي لا شيء لديه ضد الرئيس الذي كان نائبه إلا عقد الإنسان العادي البسيط. أما اتهامنا جميعا للشيخ عبدالله بأن له يداً في دفع السعودية لاغتيال الرئيس، فإن ذلك ناتج فقط عن تحليل عام باعتبار عدو صديقي عدوي، وإلا لا يملك أحد أي دليل على أية علاقة للشيخ عبدالله بتلك الجريمة. رحم الله الجميع.. أحياء وأمواتا