يقال إن الحروب لا تصنع الدمار فقط ولكنها ايضاً تصنع الرجال وتعمل على الفرز بين الرجال المخلصين وبين آخرين أقل إخلاصاً، كما تجعل الحروب والأحداث العظام التي تلحق بالأوطان عملية التمييز بين رجل دولة ورجل انتهازي من الأشياء البسيطة.. وقد أكد لنا التاريخ العربي الحديث صحة هذه النظرية عقب الحرب "العراقية –الايرانية" التي استمرت نحو ثماني سنوات، فقد أسفرت عن ظهور رجال وقادة عظام إلى جانب القيادة السياسية، احتلوا لدى الجماهير العراقية مواقع متقدمة جداً في سلم رجالات الوطن، وكذلك بقية الأحداث والحروب، وحتى مع انصعاق العالم باحتلال العراق لجاره الكويت فان ثمة رجالاً داخل النظام الكويتي، تميزوا عن سواهم بمواقف جلها ولاء للوطن وتضحيات من أجله. وهكذا هي الأحداث والتجارب تسفر دوماً عن عناصر تستحق أوطانها ومواقعها في السلطة، وتنتج آخرين هم أقل استحقاقاً من هذه الخصائص والمكونات. وإذا كانت الأوطان هي المعيار الأول لفرز رجال عن رجال، فان الأحداث هي "ترمومتر" الفرز ومصدر التميز ومعيار الولاء لرجل الدولة الأول والحاكم الشرعي الأول، فمن شيم الرجال الأوفياء الكشف عن معادنهم في الظروف الصعبة. وتلك الأحداث تستدعي النهوض بمسؤولياتها نحو الوطن كلما كادت ان تصيبه المحن. وفي بلادنا -كما هو الحال في بلدان العالم - هناك من هو جدير بالاحترام، وهناك من لا يستحق أكثر من صفة التاجر أو المنتفع من السلطة في أوقات السلم، والمتخلف عنها في أوقات الحروب والكوارث، ونحتاج لأكثر من وقفة أمام أكثر من شخصية يمنية في قراءة محايدة لمواقفها من القضايا الوطنية وحجم الدور الذي لعبته خلال هذه الأحداث. وفي هذا الصدد أجد أن من المنصف أن نأخذ شخصية وطنية بحجم الشيخ يحيى علي الراعي -رئيس مجلس النواب - ليكون شاهدنا الأول في هذه التناولة القصيرة المتواضعة.. فالرجل -بما يحمله من خلفية عسكرية وخبرات قيادية ورصيد كبير من التجارب والأحداث- وجد في احداث التمرد في صعدة أدوات تتجاوز مجرد التعبير التلقائي عن موقف ما، بل قرأ في هذا ما هو أكبر.. ووجد فيه خروجاً واضحاً ليس عن القانون فحسب، بل خروجاً عن الدستور والثابت الوطني، فحذر من ذلك مبكراً، بعد ان وجد في هذا المشروع العدواني القادم من أقصى الشمال مرضاً خطيراً جاء محمولاً على صهوة سياسية معتلة. وقد رأى -كرئيس لمجلس النواب وشخصية اجتماعية كبيرة – أن من الضرورة بمكان اعلان الحرب على الحرب ومواجهة العدوان بمثله، طالما وقد استنفذت كل سبل الحوار واغلقت بوابات درء الحدود بالشبهات.. انما يجري هو إثم وجرم لا مجرد شبهة.. وقد فعل ما يتوجب عليه نحو وطنه وأمته والشرعية الدستورية.. فلم يكن الرجل من ذلك الفصيل من الناس الذين يرصدون المعركة من شرفات قصورهم، بل ارتدى خوذة المقاتل، واتجه صوب المعركة كجندي ومقاتل وداعية وطنية مخلصة.. ومن يسمع إلى شهود عيان من عدد من المحافظات يدرك حجم الدور الذي لعبه هذا القائد والسياسي والمقاتل في تحريك الرأي العام، وصناعة رأي جماهيري مضاد للحوثية كسلوك وتوجه، ولم يكن ذلك الحشد الهائل من الجيش الشعبي الذي نظمه وأعده الراعي من محافظة ذمار والبيضاء وغيرها، وباركه فخامة الأخ الرئيس القائد سوى صورة من صور الولاء والنضال والوفاء للأمة وللقائد. غير ان مشكلة الشيخ يحيى الراعي انه لا يكترث للاعلام ولا يهتم للوسيلة الاعلامية.. تماماً كما لا يهتم للحديث عن نفسه ومواقفه مهما كانت هذه المواقف. وصحافيون بموقف أثبتت الحادثة التي تعرض لها الزميل العزيز عبدالله بشر شفاه الله وأجزل له الأجر أن الوسط الصحافي ما يزال متعافياً وان زملاء الحرف ما برحوا يقظين أصحاء، فقد أثبت قادات الصحف الحزبية والأهلية والرسمية أن الدنيا ما تزال بخير، معبرين في هكذا حالة عن الاهتمام والتضامن وعن روح الزمالة ومشاعر المهنية الصادقة، وهم يستحقون الشكر لأنهم أشعرونا بأن الصحافي لن يكون وحيداً حين تستهدفه قوى الظلام أو أدوات البطش أينما كانت ومهما كان نوع قناعها الذي ترتديه، ولا نامت أعين السفهاء أبداً .. أبداً.. وكل دعواتنا للعزيز البشر بالصحة والسلامة.