منذ أن وجد الانسان على الأرض وهو يتطلع ويرنو ويصبو لبلوغ الكمال، نظاماً واقتصاداً وثقافةً وتعليماً وسياسةً وصحةً وأمناً، رافضاً التحجر والتقوقع والانكماش، فعمل على تطوير نفسه واصلاح وضعه، والانتفاضة على واقعه المتخلف، حتى وصل مع مرور الوقت إلى ما وصل إليه من التطور والتقدم والانعتاق، وما زال ينشد الكثير من المكاسب التي تحقق له الرفعة والسمو والمكانة التي تتناسب مع عظمة منزلته بين الكائنات، بيد أن اصحاب الأصوات من بقايا ومخلفات النظام الشمولي الديماغوجي المنهار في الجنوب.. أصحاب العقول الصدئة والمتحجرة، يخالفون هذه القاعدة الانتفاضية على الواقع، وهذا التطلع الانساني نحو المستقبل الآمن المزدهر الأرغد، معتبرينه مظهراً ترفياً وسلوكاً برجوازياً، وما برحوا يندبون ارهابهم الذي تلاشى وغاب، عندما كانوا يعتبرون أبناء الجنوب قطيعاً من الماشية يحتجزونهم داخل زريبة النظام، ويقودونهم حسبما وكيفما أرادوا، بعد أن حكروا العقل والفكر والفهم في جمجمة الحزب وادعوا ان "الحزب عقل وشرف وضمير الشعب". هل بعد هذا من تخلف وجهل ودجل وامتهان لآدمية الانسان وكرامته وحريته، يتساوى مع ما ارتكبه النظام الشمولي البائد بحق الانسان في الجنوب؟!. لكن المصيبة أن من ألفوا تعذيب وقهر وتقييد الانسان ما زالوا جوعى وعطشى للمزيد من الاذلال والاستعباد، غير مصدقين ان ذلك العهد النازي قد ولى واندثر غير مأسوف عليه، وأن عهداً مشرقاً جديداً قد بزغ منذ يوم 22 مايو 1990م، استعاد فيه أبناء الجنوب آدميتهم وكرامتهم وحريتهم. عهد يقدر الفرد كنفس وقيمة، ويكرمه انطلاقاً من قوله تعالى (ومن أحياها فكأنما احيا الناس جميعا) ويحاسب كل مسيء بما يفعله (ولا تزر وازرة وزر أخرى).. على عكس ما كان يفعله ذلك النظام الارهابي، الذي كان يعاقب الأسرة بأكملها بجريرة أحد افرادها ويضعها في القائمة السوداء. لقد قام النظام الشمولي البائد في الجنوب على كذبة "تحرير الانسان" فإذا به يستعبده وما زال مصراً على أكاذيبه، معتقداً ان هناك من سيصدقه مرة أخرى على نفس هدى المأثورة الفاشية "اكذب ثم اكذب ثم اكب حتى يصدقك الناس"، متجاهلاً المأثورة العربية الاسلامية (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين). إن الوحدة اليمنية إذا كانت خيار الشعب اليمني كله، وهي قدره ومصيره فهي لأبناء الجنوب خاصة تعني أكثر من خيار، وأكثر من ضرورة، فهي متنفسهم وملاذهم من بطش الإرهاب والدجل والشعوذة، لذلك كانوا في مقدمة من تصدوا للمشروع الانفصالي في عام 1994م، وكذلك سيكون موقفهم في وجه أية محاولة تستهدف المساس بالوحدة، لقد تحرروا من "زريبة" الاشتراكي ولن يعودوا اليها على الاطلاق.