عندما كان "روزفلت" محافظاً لنيويورك- على ما اعتقد- قبل أن يكون رئيساً للولايات المتحدةالأمريكية اصطحب ذات يوم صديقاً له إلى مكتبه، وهناك وجد بانتظاره رهطاً من الزوار فوقف يلقي عليهم نكتاً وقفشات باردة تبعث على الضحك، وعندما ولج وصديقه مكتبه قال له الأخير: إن نكتك تافهة لا حرارة فيها ولا روح النكتة، فرد عليه روزفلت: صدقت.. إنني أتعمد ذلك من قبل لأرى من منهم يضحك ويقهقه، فاعرف أنه جاء يتملق لي أو يطلب مني حاجة لا حق له فيها. هدفت من إيراد ما تقدم الإشارة إلى أحد الأساليب التي يتعمدها المنافقون وحملة "المباخر" لمجاملة الوزراء والمحافظين والمتنفذين "كمان" ليجنوا من ورائها منفعة ومصلحة.. أقول أنموذجاً واحداً فقط وما خفي أعظم، غير أن الوزير القدير أو المحافظ الجدير في مقدوره استخدام طريقة "روزفلت" كجهاز حيوي لكشف الكذب والنفاق ولكن؟!.... لا أعتقد أن يقدم عليها أي منهم في هذا الزمن الرديء الغارق إلى ذقنه في مسالخ النفاق والفساد والتماهي في استمراء الآلهة ومرض العظمة، إلا القليل النادر منهم. وكأني ب"روزفلت" هذه القامة التاريخية، يسائلنا قائلا: من يخلق لهؤلاء المسؤولين ابهتهم وعظمتهم الفارغة؟!.. ولا شك فإن الإجابة عن هذا السؤال تشير إلينا نحن من خلال إقدامه هو باستجلاء أصناف المنافقين والوصوليين بنكته "البايخة" لأنه – أي روزفلت- يعي في قرارة نفسه آنذاك أنه مجرد موظف حكومي لدى أفراد الشعب الأمريكي، لا ينتظر منهم في مكتبه تملقا أو نفاقا بل يتوقع منهم طرح قضاياهم ومطالبهم بموجب حقوقهم الدستورية. وبهذا يضرب لنا "روزفلت" مثلاً بسيطاً للمسؤول المحصن ضد فيروس "الفساد" باستطلاعه نوايا المنافقين والمتملقين بأبسط الوسائل.. وإذا تمنيت شيئا هنا، فإنني أتمنى على هؤلاء المنافقين والمتملقين أن يتوقفوا لحظة عن نفاقهم ومجاملتهم لهذا المسؤول أو ذاك "الجهبذ" عندما يباشرهم بنكاته السخيفة وقفشاته السقيمة وهو يلج مكتبه.. عندها سيعرف نفسه ويقدر مكانته ومرتبته كموظف حكومي في هذا الوطن، ويقتنع بأن المسؤولية تكليفاً وليست تشريفاً.. ولا فخر للمرائين والفسدة.