لا يزال الكتاب أعز صديق وخير جليس للانسان رغم الثورة العلمية والتقنية في علوم الحاسوب والذي انفرد بالنشر الالكتروني بدلا عن دور النشر التقليدي، حتى ان شركة "قوقل" أقدمت على مشروع نشر الكتروني عبر الشبكة العنكبوتية لملايين من العناوين مقابل دفعها تعويضات لدور النشر العالمية، نظراً للاقبال المكثف لزوار المواقع الالكترونية والانترنت، وقد عمد كثير من المؤلفين إلى نشر مؤلفاتهم عبر مواقعهم الخاصة لأن هذه المواقع تمنح المؤلف مساحة من الحرية بعيدا عن مقص الرقيب وتجعله يتخطى كافة الحواجز الممنوعة من النشر. وفي حقيقة الأمر رغم هذه الثورة العلمية والمعلوماتية لهذه الشبكة العنكبوتية إلا أن الكتاب لا يزال في الصدارة وسيد الموقف، لأنه يلازم القارئ في حله وترحاله سواء وهو مسترخٍ أو هو على اريكته، ولا يمكن ان يُمَلّ عكس النشر الالكتروني الذي يولد الكثير من الملل والرتابة، وتتحكم الطاقة الكهربائية بمزاج ومواعيد القراء ولا يمكن ان يكون هناك حضور وصفاء عقلي وذهني مع الشاشة بقدر ما هو مع الكتاب، الذي يمنح القارئ تجليات وصبر في قراءة متواصلة. ولكن ما يؤسف له ان العرب لا يقرأون مقارنة بالأوربيين والغربيين.. وبحسب آخر استطلاع فإن من يقرأون من العرب لا يمثلون حتى نسبة 5%، بينما الآخرون حصدوا نسبة 65% والسبب ان مؤلفاتهم يغلب عليها الطابع العلمي والتقني والمعرفي الذي يحاكي العقل، وعملوا بفقهي الحياة والتسخير فأحدثوا ثورة صناعية وادارية وعلمية خدموا بها البشرية، واصبح العالم العربي متلقياً ومستهلكاً لكل مؤلفاتهم وعلومهم وابداعاتهم، بينما المؤلفات العربية ما زالت تدور في فلك فقه الدين والعبادات والطهارة، ولم تخرج من أحكام الحلال والحرام وسنن الوضوء ونواقض الطهارة و"الضم" و"السربلة". هالتني كثرة العناوين لكتب معينة حين وجدت وأنا اتنقل بين أجنحة معرض الكتاب الثامن بتعز ان نسبة 75% من الكتب المعروضة هي مؤلفات قديمة دينية وموروثات شعبية، اضافة إلى عناوين لكتب سلفية لا تحاكي العقل بقدر ما تعمل على تجهيله واغتياله، خاصة ونحن في القرن الواحد والعشرين الذي فتح آفاقاً علمية على مختلف المجالات.. والاسلام دعانا إلى مواكبة العلم لنكون مبدعين لا مبتدعين متبوعين لا تابعين، لكن من سبقونا بمؤلفاتهم ورثونا تركة فقهية ثقيلة لم نتنفس من خلالها نسائم الحرية والعيشة الهنيئة تحت مبرر ان "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر"، فلا استفدنا من الدنيا ونعيمها ولا اصبحنا من أهل الفردوس الموعود والتي مهرها غالي. وعوداً إلى أجنحة المعرض ارجع واقول إن الكتب العلمية بمختلف انواعها لا تمثل إلا نسبة بسيطة واسعارها لا تناسب القدرة الشرائية للزائر من ابناء المحافظة، والذين يجتهدون ليل نهار للحصول على الزاد والغذاء ولا يمثل لهم الزاد الثقافي والعلمي أية أهمية ما داموا منشغلين في تحصيل لقمة العيش لهم ولمن يعولون. والتقدير موصول لمؤسسة السعيد الثقافية التي أحيت الدور الثقافي للعاصمة الثقافية بفعالياتها الثقافية خلال العام ومعارضها الموسمية. إن هذا المعرض الثقافي والتقني ليعزز في ابناء تعز روح الابداع والتنوير مع غياب كلي لكثير من المكتبات التعزية، إضافة إلى غياب دور النشر في هذه المحافظة التي ينتشر فيها اكثر من مائة منشار للاحجار في مداخلها الشرقية والغربية مع مشاركة يتيمة لبعض المكتبات مقارنة بالمكتبات المشاركة من خارج المحافظة ومن خارج الدولة مصرية كانت أو أردنية أو لبنانية أو سورية، ولأول مرة مكتبة حراء التركية، ولكن كل هذه المكتبات لم تعرض إلا مخزوناً قديماً من العناوين أكل عليها الدهر وشرب، والعلمية غلب عليها طابع التجارة والتخفيف من المخزون الجامد وغير المرن من الكتب التي لا تنير عقلا بقدر ما تحنطه بالجهل وتعود به إلى القرون السحيقة. وما نرجوه من هذه المؤسسة التنويرية باعتبارها نبراساً مضيئاً في سماء تعز ان تؤصل لمعايير وأسس ومفاضلة لمكتبات ودور النشر العربية المشاركة في اختيار اسماء وعناوين الكتب المعروضة، التي توجد نقلة نوعية ثقافية وعلمية مواكبة للتطورات الحاصلة في العالم المتحضر، فتعز مغيبة ثقافياً وعلمياً استوطنها الجهل في شبابها وحكمتها الأمية الثقافية المقنعة، ففيها مقاهي القات والشيشة أكثر من مقاهي الانترنت، وفيها دواوين القات أكثر من ديوانية العلم والأدب والثقافة، وفيها مراكز طب الأعشاب والدجل والشعوذة التي تعالج بالرحيق المختوم اكثر من العيادات الطبية والتي تورات بالحجاب، وقد كانت هناك مبادرة لفتح منتديات ثقافية من قبل شخصيات اجتماعية لكنها سيست واغلقت. وما نرجوه من قيادتنا السياسية أن تعيد لتعز قيمتها الثقافية والعلمية والتعليمية والصحية، خاصة والمحافظة تتشرف باحتضان مناسبة عظيمة على قلوبنا جميعا، وهي الذكرى العشرين للوحدة المباركة وستلبس تعز حلة عيدية انتظرها أبناؤها حينا من الدهر حتى تنعم بمشاريع تنموية وخدمية تأخذ صفة الاستدامة ولا تنتهي بمجرد ان ينفض المولد كما سبقتها مشاريع محافظة إب التي اغتالتها أيادي الفساد.. وما زالت شاهدة عليهم ووصمة عار في جبينهم، ولكننا نرجع ونقول ان أمة لا تقرأ لا تتقدم لأن الأمية والجهل لا تصنع عظماء بقدر ما تصنع فاسدين متنفذين.