خيبة الأمل الكبرى التي مُني بها اليمن الحديث والمعاصر جاءت في انحراف العديد ممن تناط بهم مهمة التحديث عن هذا النهج، وانحيازهم طواعية وعن سبق إصرار وترصد، إلى جانب الجهات التي تعيش حالة عداء تام مع المجتمع المدني ومساراته الديمقراطية. ففي الوقت الذي كان المعول من رجالات السياسة والثقافة والإعلام الانتصار لقضايا التمدين واستطالة الالتزام بحاكمية القانون لا عصبوية القبيلة أو السلالة إذا بالبعض منهم ينقض على أسس الحداثة، من خلال التنكر لأبرز مرجعياتها المتمثلة في دولة النظام والقانون، كل ذلك لحساب أطر رجعية تستدعي من القبيلة أخطر ما فيها، مثل الاحتكام للشيخ والتنكر لثقافة المؤسسات وتجليات المدنية المعاصرة.. لنضرب على سبيل المثال بهذا الخصوص بعدد من الأكاديميين الذين تناسوا أن عليهم أن يكونوا قدوات في حمل راية المدنية وتكريس الاحتكام لسلطة النظام والقانون وتعميق جذور الاشتغال المدني، فإذا بهم طبالين في جوقة الشيخ ورجل الأعمال حميد الأحمر، يرددون ما يملي عليهم بوعي ومن دون وعي، متناسين أن حاكمية الشيخ التي باعوا في سبيلها كل مقومات المجتمع المدني ستسلبهم مع المدى – إن لم تكن قد سلبتهم – أحقية مسايرة دولة النظام والقانون، وستعود بهم إلى الخلف أحقاباً لا متناهية من الارتهان لصوت التخلف وسياطه. ومع أننا لم نكن نحبذ ذكر الأسماء إلا أن للضرورة أحكامها.. وهنا فلعل رجلاً مثل الدكتور محمد عبدالملك المتوكل قد ضرب المثل الأوضح في التنكر لمسار الحداثة واشتغالاتها التي يفترض أن يكون واحداً من روادها بحكم موقعه الأكاديمي وعمله السياسي ونشاطه الثقافي والإعلامي.. فلقد ذهب الدكتور المتوكل إلى الارتماء في أحضان الشيخ حميد الأحمر حّد تراجعه عن شرف الانضمام إلى طاولة الحوار القائم بين المؤتمر الشعبي العام وحلفائه من جهة، والمشترك وشركائه من جهة أخرى. ولم يكن المتوكل لوحده فثمة على شاكلته الكثير ومنهم على سبيل المثال الدكتور عبدالله عوبل أمين عام حزب التجمع الوحدوي، وقبلهم خاض أكاديمي هو الدكتور عبدالله الفقيه في التملق للشيخ حميد الأحمر وطلب رضاه حّد تنازل هؤلاء الأكاديميين عن سنوات قضوها بحثاً عن لقب " دكتور " في مجالات ذات صلة بالعلوم الإنسانية، والانضمام تحت إمرة شيخ القبيلة الذي يحتكم في تعامله مع رعاياه إلى مدى صدورهم عن مفردات السمع والطاعة، وتمجيد رأي الشيخ مهما كان خاطئاً، وجعله القول السديد والرأي الحكيم.. لقد بلغ التقهقر لدى هؤلاء وأمثالهم حداً يبعث على الضحك لهول البلية وشر الفاجعة، فأن يستنكف المتوكل وعوبل الانضمام إلى طاولة حوار طرفها نظام يكرس حاكمية الدستور والقانون، فيما يهرعان إلى لجنة حميد ويفنيان ذاتيهما فيها استجداءً لعصبوية قبيلة ليس لهما فيها من حظ، فإن ذلك لهو شر البلية بالفعل، وهذا هو ما يؤكد أن بين أمثال هؤلاء وبين تبني قضايا المجتمع المدني والتحديث بعد المشرق والمغرب.. والله المستعان.