بقدر ما كشفت الديمقراطية في اليمن عن حرية الرأي والتعبير والانتماء المتمثلة في التعددية السياسية والحزبية وهيكلة بُنى مؤسسات المجتمع المدني وحق تكوينها والإنضمام إليها.. فإنها - في الجهة المقابلة - قد أبانت عن سوء استغلال العديد من تلك الفعاليات السياسية والحزبية والمدنية للمعطى الديمقراطي، حّد انتهاج بعضها ليس سياسة القضاء عليه فحسب، وإنما هدم النظام الوحدوي الجمهوري الذي احتضنه كذلك. ورغم أن دولة الوحدة (ومنذ قيامها في مايو1990م) هي التي أتاحت للديمقراطية هذا الوجود الواسع الذي هي عليه اليوم، وأنه لم يكن لها في ظل الشطرية حتى مجرد الحضور اللفظي.. على الرغم من ذلك فإن قلة من الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية هي التي تدرك ضرورة الحفاظ على المكسب الديمقراطي لدولة الوحدة والعمل تحت مظلتها، في الوقت الذي لم تَرْعَ فيه الكثير من الأحزاب والفعاليات حق البقاء للديمقراطية والوحدة معاً. وبين من يتخذ الديمقراطية – من هذه الكيانات الحزبية والمدنية- كمسار تكتيكي لتحقيق النفوذ والوصول إلى السلطة مع تبييت النية على إلغاء الديمقراطية، وبين من يسيء إليها باتخاذ ما تتيحه من حرية مطية لِلَّغط والفوضى.. فإن هناك من لا يؤمن بالديمقراطية أصلاًُ، بل ويكفر بدولة الوحدة التي أنتجتها. ما يدعى ب "حزب التحرير الإسلامي- ولاية اليمن" يتوِّج مصائب تمرد الحوثي وتخريب الحراك ب "ثالثة الأثافي" ففي ندوة - فعل الأمن خيراً بإيقافها- كشف الحزب عن توافقه مع دعاة فك الارتباط بين شطري اليمن من خلال ترديده لذات المبررات التي يتخذونها ذريعة للانفصال، وجريانه في فلك الحوثي بتكريس ذات المرجعيات المتطرفة التي تجعل من دولة الإسلام ستاراً للكفر بدولة النظام والقانون ومحاربتها بشتى الوسائل. وكما دأب الحوثي على إطلاق شعارات «الموت لأمريكا وإسرائيل» منطلقاً إلى القول بموالاة دولة اليمن لأعداء الإسلام، ومن ثم الحكم بكفرها ومناصبتها العداء ليل نهار، فإن حزب التحرير – وكأنه لم يعد ينقص هذا الوطن إلا مثله- لم يتوان عن ضم اليمن بنظامها القائم إلى معسكر الصليبيين، وهو إذ يبشر بدولة الخلافة الإسلامية على طريقة أشبه بحكم طالبان فإن الحوثي ليس منه ببعيد إلاَّ في الولي الفقيه، أو إمامه روح الله.. الموصى به من السماء. إن كان في الأمر ما يضحك أو يبكي (أو الاثنان معاً) فهو هذا التحالف الغريب الذي اختلف كل أطرافه، إلاَّ على استهداف وحدة اليمن وأمنه واستقراره.. وإن كان هناك من إجراء حكيم حيال كل ذلك فينبغي أن يبدأ من تجفيف منابع الحقد والتطرف والكراهية.. والمؤكد أن ما عليه تمرد الحوثي وإرهاب القاعدة وظلامية السلفية ودعاة الانفصال وهواة الشقاق السياسي.. كلها نتائج لمقدمات قوامها ثقافة الحقد والكراهية والتطرف والغلو، الدينية منها والمناطقية والسلالية والعنصرية..