لم تكد تمضي عدة ساعات على إذاعة النداء المشترك للجبهتين المطالب بوقف إطلاق النار حتى انهار الموقف، وشهدت المنطقة وبشكل خاص مناطق الشيخ عثمان والمنصورة ودار سعد تصاعداً مريباً في إطلاق النار المتبادل واشتراك وحدات من الجيش في الاقتتال إلى جانب الجبهة القومية، مما أدى إلى سقوط عشرات الجرحى والقتلى الذين تناثرت أشلاؤهم في كل مكان. رافق ذلك بيان صادر عن الجيش زعم ان قوة من الجيش حوصرت في حي المنصورة، الذي كان تحت سيطرة جبهة التحرير والتنظيم الشعبي، وأن الجيش سيرسل تعزيزات لفك الحصار عن القوة المحاصرة، وطالب البيان الأهالي بمغادرة مساكنهم حرصا على حياتهم، ووصلت التعزيزات العسكرية ترافقها بعض المدرعات، ودارت حرب شوارع في حي المنصورة اتضح من خلالها أن الهدف كان ضرب جبهة التحرير والتنظيم الشعبي وإعلان الانحياز لصف الجبهة القومية. اتخذت القيادة العسكرية الميدانية لجبهة التحرير والتنظيم الشعبي قراراً بانسحاب مقاتليها من مواقعهم وعدم التصدي للجيش لعدم التكافؤ بين الجانبين، ولتجنيب المواطنين والوطن المزيد من الضحايا والدمار والتخريب، ونفذ الانسحاب على مضض رغم كل عوامل المرارة التي سادت نفسيات متخذي قرار الانسحاب وفدائيي جبهة التحرير والتنظيم الشعبي، وبدت المنصورة مدينة أشباح إلا من قوات الجيش، تجوب شوارعها وعشرات الجثث من الفدائيين الذي لقوا مصرعهم مرمية هنا وهناك. تزامناً مع ما كان يجري في عدن في ذلك اليوم الدامي، وقع انقلاب 5 نوفمبر 1967م في الشمال ليخلق تناقضا آخر يعرقل مبادرات قيادة الثورة في الشمال لاحتواء القتال الأهلي في الجنوب، فأصدرت الجبهة القومية بياناً اتهمت فيه قادة الانقلاب بأصحاب التوجهات اليمينية الرجعية لتغلق بذلك باب العلاقات والتواصل بين الجانبين. وفي يوم 7 نوفمبر 1967م أعلن الجيش العربي في الجنوب الذي شكلته بريطانيا تأييده للجبهة القومية كممثل شرعي وحيد للشعب في الجنوب رغم أن قيادة الجيش كانت تردد باستمرار أنها ستقف على الحياد ولن تتدخل في الصراع بين الجبهتين. وفي نفس اليوم توقفت المباحثات الوحدوية بين الجبهة القومية وجبهة التحرير التي كانت دائرة في القاهرة، وذلك بعد أن أوشكت على إصدار بيان سمي بالاتفاق الكامل بين الجبهتين، ولكن الأحداث الخطيرة التي وقعت في عدن حالت دون إعلان نتائج المباحثات، وتحولت كل الجهود إلى محاولات لمواجهة الموقف الداخلي في الجنوب، وقد دلت البيانات التي وصلت إلى القاهرة من عدن أن الاشتباكات بين الجبهتين، تحمل معاني غامضة أقلها خطراً عمليات الإبادة للوطنيين وأسرهم عن طريق القتل الجماعي ونسف المنازل بمن فيها، وظهر أن معظم من قتلوا كانوا من الطلائع الوطنية الشابة بحيث أصبحت عدن وبحق- على حد تعبير وكالة "اليونايتد برس"- مدينة الأموات، وبدأت حملة اعتقالات واسعة شملت كل معارضي الجبهة القومية بينما كانت القوات البريطانية ما تزال باقية.