أقر مجلس النواب يوم الأربعاء الماضي، وبأصوات الأغلبية النيابية المؤتمرية، طرح مشروع تعديل قانون الانتخابات في جدول أعمال المجلس لهذه الدورة للمناقشة.. المشروع المقصود هنا هو مشروع التعديلات الذي كانت كتلة الحاكم وكتل المعارضة قد توافقت عليه في أغسطس 2008 وتم التصويت عليه مادة مادة، ولكن لن تتوقف التعديلات عند ذلك المشروع خاصة بعد بروز التوجه الأخير نحو تشكيل اللجنة العليا للانتخابات من قضاة، وهو توجه يستوجب ما ورد في اتفاق المبادئ الذي وقعته جميع الأحزاب في يونيو2006 والذي نص على تشكيل اللجنة من قضاة.. معنى هذا أن مشروع التعديلات القانونية على قانون الانتخابات، سوف يتضمن نصوصاً لمشروع تعديل آخر في القانون سبق عرضه على مجلس النواب في نوفمبر2007، ويتضمن تعديل ثلاث مواد في القانون تتعلق بتشكيل لجنة الانتخابات من قضاة وكيفية التشكيل والشروط التي يجب أن تتوافر في القضاة المرشحين لعضوية اللجنة. لكن هل الحزب الحاكم- ومن خلال كتلته البرلمانية- جاد هذه المرة في مناقشة التعديلات وإقرارها، وبالتالي الشروع على أساسها في تنظيم الانتخابات النيابية القادمة في موعدها؟!!. هذا السؤال الذي يتضمن مجموعة كبيرة من الأسئلة المترابطة لا توجد إجابة له يمكن أن يتوقعها المتابع السياسي نظراً لتقلبات مزاج " الحاكم"، والتي يقال إنها تحدث من باب مراعاة المصلحة العامة والمشاركة السياسية ومجاراة المعارضة واستجابة مطالبها التي هي الأخرى متقلبة ومتعارضة. نتحدث عن مدى جدية " الحاكم" هذه المرة في المضي في تعديل قانون الانتخابات بما يلبي كل المطالب السابقة للمعارضة وله أيضاً، وبالتالي تنظيم الانتخابات التشريعية في موعدها كما يقول.. وفي ظل معارضة المعارضة لوضع المشروع في جدول أعمال مجلس النواب كما حدث يوم الأربعاء الماضي وإصرار كتلة الحزب الحاكم على النظر في التعديلات وإقرارها، سوف يتمكن المتابع هذه المرة من تقييم مدى جدية أو عدم جدية الحاكم في إجراء إصلاحات قانونية في النظام الانتخابي، وبالتالي مستوى احترامه للاستحقاقات الديمقراطية التي تعد الانتخابات أبرز مظاهرها. في هذه المسألة قدم "الحاكم" تجربة "سحب" خلال ثلاث سنوات على الأقل.. سحب مشروع لتعديل ثلاث مواد في قانون الانتخابات في نوفمبر2007 جرياً وراء رغبة كتل أحزاب المشترك.. وفي يوليو سحب مشروع تعديل مطور، وفي أغسطس2008 اتفق الحزب الحاكم والمعارضة على سحب "المطور" واستبداله بمشروع آخر أقل تطوراً، ومع ذلك قاطعت المعارضة التصويت النهائي عليه بعد أن شاركت في التصويت عليه مادة مادة، وفي عام2009 تكرر نفس السجال.."عرض" ثم "سحب" وقبل أشهر طرح مجلس النواب مشروع التعديلات الانتخابية، وبعد أيام طلب رئيس الجمهورية رسمياً من مجلس النواب "سحب" المشروع.. ويوم الأربعاء الماضي أعيد طرح مشروع التعديلات "المسحوب" في جدول أعمال مجلس النواب من جديد.. فهل يسحب هذه المرة أيضاً؟!!.. وكما رأينا في العرض الموجز السابق ان المشهد السائد في هذه المسألة متقلب "سحب" وإعادة "المسحوب"، وهو مشهد استغرق ثلاث سنوات دون إحداث أي تقدم تجاه الاستحقاق الانتخابي والديمقراطي. مشكلة "الحاكم" إنه يريد ألا يمضي نحو المستقبل إلا بصحبة أحزاب لا تريد السير معه، ويضع في حساباته أو تقديراته مراعاة مصالح يرى أنها وطنية، بينما الآخرون لا يحسبون ذلك في دفاترهم السياسية والوطنية.. لا نقول ذلك تجنياً على أحزاب المعارضة الرئيسية، فالعودة إلى تلك التجربة التي استغرقت ثلاث سنوات قدم فيها المعارضون في "المشترك" ما يدل دلالة واضحة على عدم رغبتهم في السير إلى الأمام، والعيب ليس فيهم بل في "الحاكم" الذي بيده كل مقومات ومفاتيح الإصلاح، وتقع على عاتقه مسؤولية إدارة السلطة في البلاد، ومع ذلك ينزل نفسه منزلة غير العاملين وأصحاب البطالة.