الانتظار إلى نهاية العام وإجراء انتخابات مبكرة أسهل وأيسر من سحق ملايين الشعب في ميدان السبعين من قبل أمريكا.. ولكن ذلك لا يمثل نجاحاً ل"الجزيرة" أو المعارضة، فمعيار نجاح "الجزيرة" الإقصاء القسري لحاكم وغير ذلك هو الفشل. في يوم انقلاب القائد العسكري علي محسن وانضمامه لشباب ساحة التغيير بالجامعة، واقتران ذلك بانتقال فضائية "السعيدة" لساحة التغيير، وتقاطر الاستقالات كانت الأخت توكل كرمان في حديثها ل "الجزيرة" مساء تؤكد نجاح وإنجاز المرحلة الأولى من الثورة. المدام توكل رئيسة منظمة اسمها "صحفيات بلا حدود"، و"المودمزيل" "الجزيرة" مناط بها دور تثوير بلا معايير ولا حدود، وبالتالي هو دور إقصاء الحاكم كتغيير فقط وليس دور إحداث التغيير. فمعيار نجاح "الجزيرة" الإقصاء القسري لحاكم وغير ذلك هو الفشل، فحتى لو حدث التغيير ومورس وتكرس في بلد بدون إقصاء فوري للحاكم فذلك فشل أكبر ل"الجزيرة". علي عبدالله صالح وأمام ربما أكبر مسيرة جماهيرية في تاريخ اليمن تسانده قال:"إنني مع التغيير وأريد الرحيل ولكن بتسليم الحكم لأيادي آمنة حتى بدون التشدد المعتاد على صناديق الاقتراع". وإذاً فالجزء الثوري من المتغير كتغيير قد حدث فعلاً في اليمن، ويبقى الجزء الأكبر وهو التغيير الواعي والوعيوي، لكن إذا لم يتم إقصاء حاكم فورياً وقسرياً مهما كانت شعبيته كبيرة فذلك فشل ل"الجزيرة"، إما لا تقبله أو في الأساس لا يقبله المتغير منها ولا يبرره. لنا افتراض أن العقيد القذافي تعامل مع الأحداث في ليبيا بعقلية أخرى تماماً، وأوصل واقع ليبيا إلى وضع يتقارب في التوافق على إجراء انتخابات كاملة النزاهة وتحت رقابة دولية خلال سبعة أو ثمانية شهور دون أن يرشح فيها أو نجله، وذلك أفضل من وضع الدماء التي تسفك والدمار الذي يتسع في ليبيا. "الجزيرة" لن تكون مع خط توافق كهذا لأن ذلك فشل لها فيما الدماء والدمار تمثل نجاحاً، وبالتالي فإقصاء حاكم بالدماء والدمار نجاح لها أكثر من الإقصاء القسري، وغير ذلك فشل. ولهذا فالرئيس الأميركي ينفي أن تكون ثورات الشرق الأوسط أميركية أو يعبر عن الإرادة الأميركية، وأمين عام الأممالمتحدة يقول: إن الثورة في ليبيا هي ثورة الشعب الليبي وليست ثورة الأممالمتحدة. وهؤلاء أو أداة التثوير "الجزيرة" يتعاملون معنا كأننا لا نفهم، بل يحاولون ممارسة تلقيننا ما يفترض أن نفهم أو ما يريدون فرضه من فهم. يا جماعة نحن نعي ونفهم وبوعي وفهم يستوعب المتغير بكل أطرافه والتغيير بكل أصنافه وأطيافه في كل واقع، وبالتالي فنحن شركاء في التغيير وبالذات حين تتجسد في بلد وجوه صراع تركب موجة التغيير وواقعية متحققة وقائمة لتغيير أكيد بلا صراعات ولا دماء ولا دمار. البديهية التي تعرفها أميركا وتقرأها "الجزيرة" هو أن وضع ووقع المتغير فوق أن يلعب به أو عليه، وبالتالي فمن الممكن أن ترفضه أنظمة بوضوح ولديها قدرات وسقف للرفض، فيما الأنظمة التي تقبله وتقبل به يصبح تلاعبها عليه هو انتحار أسوأ بكثير من التغيير القسري. إذا جوهر المتغير وأهم مضمون الحريات والديمقراطية، فإنه لا يكون ديمقراطياً بدون امتلاك مرونات ديمقراطية أمام أي أطراف في أي واقع ومنها النظام. مثل هذا المتطرف في المتغير والذي ينعكس في "الجزيرة" لا خيار لها غير تنفيذ تعليمات أو أوامر هو موضع ارتياب وشكوك وشبهات أو محاذير ومخاوف في أهداف أطراف خارجية من خلال المتغير والتغيير. إذا المتغير ذاته بشكل واضح مثلاً ضغط على النظام في اليمن ليعلن اللا توريث واللا تأبيد بل ويقبل بانتخابات مبكرة نهاية العام الحالي، فمسألة أن أميركا ثقل المتغير أو أهم ثقل فيه بمثابة بديهية لا يجادل حولها. القول بعد هذا ومن هذا بأن أميركا هي مع نظام ليس تنصيصاً على حقيقة قائمة أو ممارسة، ولكنه تنصيص على استحقاق كامن في وعي طرف، أو ما يعتبره وعداً أو عهداً من أميركا. يتكرر الطرح من أطراف معارضة وأحياناً أصوات من ساحة التغيير عبر "الجزيرة" عن الموقف الأميركي المتبرم أو الداعم للنظام، بل ويقولون بلا حياء ولا استحياء بأن النظام يقدم لأميركا خدمات لا تتيحها حتى إسرائيل. لا أدري إن كان هؤلاء سذجاً أم يمارسون التسذيج على الأرجح، لأن أميركا تجاوزت باندثار الشيوعية الحاجية النوعية والحيوية لأي نظام عربي والثورات ضد الأنظمة العربية هي في ثقلها أميركية. أطراف معارضة هي كما "الجزيرة" ترى الإقصاء الفوري حقاً لها، وإذا مانع الواقع أو مارس الشعب الممانعة فهو استحقاق من أميركا وعليها تنفيذه. الانتظار إلى نهاية العام وإجراء انتخابات مبكرة أسهل وأيسر من سحق تلك الملايين في ميدان السبعين من قبل أميركا، ولكن ذلك لا يمثل نجاحاً ل"الجزيرة" أو المعارضة، وإذا فهل جاء المتغير كأفضلية لوقع حياة وواقع شعوب، أم من أجل "الجزيرة" ومعارضة لتمارس أسوأ شمولية في استعمار متغير وتغيير ديمقراطي؟!!. أميركا ليست قلقة من حالة الصوملة ولا من صوملة في اليمن، وكل ما يقلقها المسؤولية الأخلاقية أمام الرأي العام العالمي، ولا يمكن لأحد تحميلها المسؤولية حتى من خلال هذا الاستعمال بتطرفه في بعض الحالات للمتغير في التغيير. حتى وإن كان هذا المتغير لا يمتلك فلسفة تفصيلية تناسب كل واقع، فتزاحم الفضائيات يقدم له فلسفة وفلاسفة، وفي كل واقع استجابات للتغيير أو لفلسفته، والمشكلة أن الواقع يصاغ بالمتغير وفلسفته أكثر مما يعيد الواقع الصياغة.