الرصاص ذلك المعدن المذاب ملوث للبيئة وقاتل للبشرية.. وقد تحمل نوبل وزر اختراعه للبارود لكنه كفر عن ذنبه برصد جائزة سنوية لمختلف العلوم الطبية وقد تخلت مجتمعات العالم عن الرصاص، خاصة المجتمعات المتقدمة، حيث قامت بنزعه من كثير من المنتجات سواءً من الطلاء ومشتقاته أو النفط ومشتقاته، وذلك حفاظ على البيئة من التلوث الذي يكون له انعكاسات سلبية على الانسان وصحته، أما في مجتمعنا اليمني فحدث عن البيئة الملوثة ولا حرج، فكل المنظومة الملوثة للبيئة تفرز سمومها ليلاً ونهاراً حتى يخيل للفرد ان ثقب منطقة الأوزون في سماء اليمن قد ازداد من التوسع بسبب الانبعاثات الحرارية الصاعدة من البيئة اليمنية، فالأدخنة الملوثة لسماء اليمن ليست أدخنة مصانع ثقيلة، كون مصانعنا مصانع تحويلية لمنتجات استهلاكية لا تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، فما تخلفه هذه المصانع من مخلفات بلاستيكية غير متحللة يكون لها أثر سلبي على التربة، ومن يشاهد المخلفات البلاستيكية في الأسواق وكيفية العبث في استخدامها يجد ان هناك كارثة بيئية ستلحق ضرراً كبيراً، إن لم تكن هذه الأضرار قد وقعت فعلاً حيث نرى فشو أمراض السرطان في أوساط المجتمع. وما أريد ان أصل اليه أن هذا الرصاص الذي لوث البيئة اليمنية وأصم أسماعنا وأعمى أبصارنا، إذ أصبح الجو كله مشحوناً بأصوات الرصاص ودوي الانفجارات قد أصبح ظاهرة وثقافة نتعامل معها ليل نهار، فالطفل اليوم تجد لعبته المفضلة مسدساً أو بندقية كلاشنكوف، يتباهى بها أمام أقرانه، ومن ذلك تتولد لدى الأطفال عدوانية وميول إلى اشتهاء القتل، لذا علينا ان نمنح أطفالنا لعباً تنمي مواهبهم وقدراتهم الذاتية في العلوم والتكنولوجيا والتقنية الحديثة وفن الحاسوب، لأن هناك قانوناً مشتركاً مع دول الخليج يحدد نوعية الألعاب الخاصة بالطفل والتي تخضع لمعايير نفسية وسلوكية، إن أطفال اليوم تجدهم متمنطقين بالبندقية حتى يخيل أن رضاعتهم كانت مظروف قذيفة 12/7 وحليبهم البارود وحلمة رضاعتهم رأس المقذوف الرصاصي، فمتى نحمي بيئتنا وأطفالنا من هذا العبث الذي سيلحق الضرر بالأرض والانسان؟!!.. وقد حاولت حكومتنا الرشيدة انزال معالجة لحل أزمة المشتقات النفطية بعرض بنزين سوبر خالٍ من الرصاص، وهي معالجة ضمن المسكنات التي تعودنا عليها لأن كثيراً من المحلات تبيع البنزين العادي على أساس انه سوبر، نتيجة عدم وعي المواطن المستهلك.. وعلى ما يبدو فإن هناك كمية من المخزون لهذه المادة الخالية من الرصاص يراد التخلص منها إلى جانب البنزين العادي، والمشكلة أننا لا زلنا نرى الطوابير الممتدة لأكثر من كيلو متر ثم أننا كيف نعالج مثل هكذا أزمة ببنزين خالٍ من الرصاص بينما الأجواء مشحونة بأصوات الرصاص الخفيف والثقيل، أحالوا المدن إلى رعب وكأننا نعيش أجواء حرب بين دولتين، مع أنها في الحقيقة بين عصابتين كل منهما تريد السلطة والتخلص من العصابة الأخرى، بينما شعبنا يطحن في رحى أزمات متفاقمة ومشكلات متصاعدة، لا يرى أي بريق أمل في حلها فهذا البلد واقع بين مطرقة سلطة لا ترحم وسندان معارضة لا تحترم ولا تحمل مشاريع حضارية، ولكنها تملك مشاريع تدميرية، وقد كان الأمل في الشباب والجميع كانوا ينظرون اليهم بفخر واعجاب على اعتبار انهم سيكونون المنقذين لهذا الشعب المغلوب على أمره، ولكن الثورة أجهظت وما زالت مراوحة في مكانها، لا هي حسمت الموقف ولا السلطة راجعت نفسها بالتنحي السلمي والسلس حتى نكسب الوقت وترتفع عنا هذه الغمة، التي حولت حياة الشعب إلى جحيم، خاصة ونحن في هذا الشهر الكريم الذي حل علينا ونحن في أجواء مشحونة بالتوتر والمواجهات من شارع إلى شارع ومن زنجة لزنجة، حتى لم يعد يفرق الصائم بين صوت مدفع علي حمود عند الافطار والسحور وبين مدافع حمود سعيد وعبدالله قيران فكلاهما مجرما حرب ومفتعلا أزمات قاتلهم الله أنى يؤفكون.. والمصيبة ان الحكومة تتحفنا ببعض القرارات المضحكة والمبكية معاً وكأنها حريصة علينا من تلوث الرصاص، وكأن بقية المشاكل قد حلت ولم يبق إلا الحفاظ على البيئة، وقد ذكرني هذا الموقف بمجلس النواب عندما كان يناقش قضية "اليود" في ملح الطعام، وكأن الأمن الغذائي قد توفر ولم يبق إلا عنصر "اليود" والمضحك أكثر ان هناك أناساً يبحثون على بنزين خالٍ من الرصاص وسياراتهم مشحونة بأنواع الرصاص الخفيف والثقيل، حتى وهم داخل المسجد لا تفارقهم الجعب والقنابل، ويموت الواحد منهم وما تزال الرصاصة في جيبه...