الهواء عنصر أساسي لاستمرارية الحياة.. وهو أرخص موارد البيئة الطبيعية وأجلها يصعب على الكائنات الحية أن تستغني عنه.. ويصعب علينا «كبشر» أن نتجاهل ملوثات غدة طليقة بأيدينا تفترسه، تعبث به ليعم الضرر في النهاية الجميع..وتعد مادة «الرصاص» من أبرز تلك الملوثات وأخطرها على الإطلاق تتحد وذرات الهواء مشكلة بلورات يستنشقها كل كائن يتنفس.. وهي إشكالية يحمل همها العالم بأسره فخطرها لايستثنى أحداً بل إن عشرات الملايين من البشر اجتاحهم الضرر وقد أثبتت الدراسات المستجدة والمعالجات القائمة جدواها وقللت من الخطر.. ولكن هناك حيث تم الأخذ بها في الدول الكبرى وبعض الدول المجاورة.. والسؤال الصعب ترى ماذا فعلت بلادنا؟؟؟ سيارات معفنة هذا الملف جاء بناء على فكرة سائدة ومعاشة وهي أن أغلب السيارات العاملة في شوارعنا قديمة ومتهالكة ويفترض أنها خارج نطاق الخدمة منذ سنوات.. ولأن عمر «الشقي بقي» وفي ظل الجهل الشعبي والتجاهل الرقابي استمرت تلك السيارات «المعفنة» تجوب الشوارع وتملأ الأجواء «دخاناً» ليس كأي دخان.. بل صار لزاماً على كل قاطن مدينة أن يدمن استنشاقه وأن ينسى هواء الطبيعة الأصلي. المشكلة الآن لم تعد محصورة في هذا الشق.. فقد تأكد لي بعد ذلك أن اليمن لاتزال حتى اللحظة ومن بين مجموعة دول «نامية طبعاً» أكثر عرضة لمخاطر الرصاص «صحياً وبيئياً واقتصادياً» لأن هذه المادة السامة تضاف إلى مشتقاتنا النفطية المستهلكة محلياً لأسباب باتت معروفة ولاتخفى على أحد إلا أننا لاندري متى سيتوقف ذلك؟ تضاربت الأقوال في تحديد مجموعة الدول الموبوءة بهذه المشكلة.. وقد قيل بأن بلادنا واحدة من ست عشرة دولة.. وبما أن خير الأمور الوسط.. إلا أن الحاصل هنا «شر» وبتصريح رسمي وهو الرقم الذي ورد على لسان وزير المياه والبيئة المهندس عبدالرحمن الإرياني في تصريح سابق كشف فيه أيضاً عن تباطؤ في تنفيذ السياسات الخاصة بالوقود النظيف التي إن نفذت فإنها ستسهم في تخفيض التأثيرات المحلية على نوعية الهواء والصحة العامة. صنعاء الأكثر تضرراً إذاً وسائل النقل تعد السبب الأول لتلوث الهواء في اليمن هذه حقيقة لايمكن تجاهلها وتستهلك اليمن «50» ألف برميل يومياً من المشتقات النفطية، تحتل أمانة العاصمة صنعاء وحدها نصيب الأسد من ذلك حيث تستهلك 92 ألف برميل يومياً وهو الأمر الذي يؤدي لانبعاث آلاف الأطنان من الغازات الملوثة للهواء وبحسب دراسات علمية أجريت في هذا الجانب فإن نسبة الملوثات التي تعاني منها صنعاء تزيد عن المعايير العالمية إذ يقدر حجم الغازات الناتجة عن عوادم السيارات والتي يسمم بها هواء صنعاء أكثر من 7700طن من أول أكسيد الكربون و9.2ألف طن من ثاني أكسيد الكربون و889 طن من أكسيد الكبريت بالإضافة إلى أوكسيد النتروجين ومادة الرصاص التي تعد من أخطر عوادم السيارات الملوثة للبيئة. مخالفة للمعايير الدولية حماية البيئة مسئولية الدولة والمجتمع وهو واجب ديني ووطني.. هكذا نصت المادة «53» من الدستور إلا أن الواقع يثبت عكس ذلك وصار الجميع غرماء للبيئة وشركاء بالتعاون مع الهيئة العامة لحماية البيئة ..إن الزيادة في معدلات تلوث الهواء يرجع إلى النمو المتسارع في عدد السكان الذي تشهده اليمن منذ عدة سنوات ومانتج عن ذلك من زيادة في استهلاك ملوثات الهواء من مختلف المواد خاصة النفطية منها بالإضافة إلى ماتنفثه كسارات حجارات البناء ومناشير الأحجار والعواصف الرملية من غبار وأتربة. وقبل ذلك كله فإن وسائل النقل تعد السبب الأول لتلوث الهواء في مدننا خاصة وأن مادة الرصاص لازالت تضاف بشكل لافت إلى مشتقاتنا النفطية وفي مخالفة صريحة لكافة المعايير الدولية المنظمة لهذا الجانب.. وكما هو معروف أن في اليمن مصفيتان.. مصفاة عدن وهي الأكبر والأشهر وتنتج من البنزين المرصص عالي الأوكتين حوالي 000.511 طن متري شهرياً والرقم الأوكتين لهذه المصفاة هو «38» ومصفاة مأرب، هي المصفاة الأخيرة والحديثة وتنتج حوالي 000.21 طن متري شهرياً وبنزين الرصاص موجود فيه بنسبة ضئيلة والأوكتين فيه منخفض وإنتاجه لايتعدى محافظات مأرب والجوف وصنعاء بالإضافة إلى أمانة العاصمة. السوبر في المقابل هناك نوع ثالث هو البنزين «السوبر» عالي الأوكتين وخال من الرصاص وتتولى شركة النفط اليمنية عبر ثلاث عشرة محطة من محطاتها العاملة عملية توزيعه في أكبر المدن اليمنية. هذا ما أكدته الأخت هبة محمد الطيري نائب المدير التجاري في ذات الشركة وزادت على ذلك أن الإقبال على هذا المنتج الجديد إلى حد ما وأن سعر اللتر الواحد منه «08» ريالاً بزيادة عشرين ريالاً عن البنزين العادي وقد يكون لهذه الزيادة أثر في محدودية ذلك الإقبال. الطيري أوضحت أيضاً أن مايستهلك محلياً من ذلك البنزين يتراوح مابين 51 ألفاً و02 ألف لتر يومياً وأن الشركة كثفت من حملاتها الإعلانية عبر وسائل الإعلام المختلفة للترويج لهذا المنتج «السوبر» لما له من فوائد على الصحة والبيئة والسيارات العاملة أيضاً خاصة ذات الموديلات الجديدة من «الألفين» وما فوق حيث يعمل على زيادة الدفع ويطيل من عمر المحرك. هذا البنزين «السوبر» توفره مصافي عدن للشركة وفق اتفاقيات مسبقة.. الطيري ليست على علم هل تلك المصفاة تنتج هذا البنزين محلياً أم تستورده من الخارج حسب الطلب. أضرار لايحمد عقباها وترى الطيري أن الرصاص مهم إضافته إلى البنزين ولكن بنسب ضئيلة جداً فهو يساعد على رفع الرقم الأوكتيني الذي يقلل من الصوت الناتج أثناء تشغيل السيارات كما يساعد على عمليات احتراق البنزين والدفع. وفي حال زادت نسبة الرصاص عما هو محدد فإنها تؤدي إلى اضرار لايحمد عقباها على الصحة والبيئة.. وهناك قوانين وتشريعات دولية صارمة ومنظمة لهذه العملية حيث حددت المسموح إضافته من مادة الرصاص إلى البنزين بما نسبته 2.0 جرام/ لتر وماهو مستخدم في بلادنا يزيد عن ذلك بكثير وقد وصل إلى 5.0 جرام/ لتر خاصة في مصفاة عدن. ومن السياق يتضح جلياً أن مشكلة الرصاص كامنة بشكل رئيسي وكبير في مصفاة عدن التي تحتل نصيب الأسد من الانتاج المحلي وهي مصفاة قديمة تم تشغيلها عام 19574وتنتج المشتقات النفطية مثل البنزين صاحب كل هذه الحكاية والديزل والغاز المنزلي المسال والمازوت وغيرها من المشتقات النفطية. مصفاة عدن مستقلة تواصلنا مع الاخوة في الشركة اليمنية لتكرير النفط وبدورهم أكدوا أن مصفاة عدن محور النقاش مستقلة مالياً وإدارياً وأن إشراف الشركة قائم على تشغيل وإدارة مصفاة مأرب بعد استلامها من شركة هنت الأمريكية. وحسب تصريح للمهندس مسعد الصباري المدير التنفيذي لذات الشركة أن سعيهم دؤوب لتطوير وتحسين المواصفات في المشتقات النفطية ولعل أهمها توفير بنزين خال من الرصاص للسوق المحلية حيث تم إيقاف وحدة الرصاص التي جهزت في عهد شركة هنت. وأكد الصباري أن الشركة تسعى إلى تحديث وتوسعة مصفاة مأرب وقد وقعت الشركة مذكرة تفاهم في ذلك.. كما تسعى الشركة لدراسة فنية واقتصادية دقيقة لموضوع المحسنات البديلة لمادة الرصاص لغرض رفع الرقم الأوكتين العالي. تواصلنا بعد ذلك مع الأخ فتحي سالم المدير التنفيذي لشركة مصافي عدن الذي أشار إلى أن هناك رؤية تحديثية لتطوير المصفاة باشراف وزارة النفط المسئول الأول وأن هناك دراسات معدة في هذا الجانب.. كاشفاً في الوقت ذاته أن جاهزية ومعدات الشركة القديمة معدة لخلط مادة الرصاص بالبنزين والكبريت بالديزل هذا أولاً وثانياً حتى تزيد كمية البنزين المنتجة كي يعنى بمتطلبات السوق المحلية. الجدير ذكره أن مادة الرصاص التي تضاف إلى المشتقات النفطية تكلف اليمن حوالي 31 مليون دولار سنوياً. خطة وطنية ثمة استراتيجية معلنة للهيئة العامة لحماية البيئة من أجل استخدام الوقود النظيف لتحسين نوعية الهواء في المدن الرئيسية خلال ثلاث سنوات وبثلاث مراحل.. مع التأكيد على خطورة تلوث الهواء كمشكلة تعاني منها الدول النامية وأنها لاتقتصر على تلوث الهواء الذي ينتج محلياً ولكنها تمتد عبره من دولة إلى أخرى. أما الأهداف العامة للاستراتيجية فتتلخص في وضع آليات مناسبة للتخلص من البنزين المحتوي على مادة الرصاص وتخفيف نسبة الكبريت من الديزل وكذا الحد من التلوث البيئي الناتج عن الأنشطة الإنتاجية المختلفة. كما تعمل وزارة المياه والبيئة بالتعاون مع منظمة «الأسكوا» التابعة للأمم المتحدة على وضع اللمسات الأخيرة لمشروع خطة وطني لإحلال واستخدام الوقود الخالي من الرصاص لأول مرة في تاريخ البلد، وبحسب مسئولين في الهيئة اليمنية لحماية البيئة فإن الوزارة تعتزم تنفيذ الخطة التي تم التوقيع عليها مطلع يونيو من العام الماضي خلال انعقاد الدورة ال 52 للأسكوا بصنعاء. فيما أبدت الأممالمتحدة استعدادها لتمويل مشاريع وبرامج حكومية من شأنها الحد من تلوث الهواء في اليمن. رصاص أقل خطراً من جهتها الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس أعدت مواصفات قياسية لكثير من الملوثات سواء كانت غذائية أو كيميائية ومن أبرزها مادة الرصاص وتم إعداد تلك المواصفات بناءً على معايير إقليمية ودولية وبالاعتماد على مرجعية من منظمة الصحة العالمية ومنظمة تيووكس. وقد حصلت الهيئة - حسب تصريح أحمد البشة المدير العام للهيئة حصلت على عدد من الأجهزة والمعدات والمختبرات الخاصة بعملية الفحص والكشف عن مادة الرصاص ومعرفة تقديراتها ونسب وجودها في المواد المختلفة بما فيها المساحيق والصابون والكحل وعند الكشف عن هذه المادة في أي سلعة يتم التحفظ عليها إما بإعادة تصديرها أو إتلافها بعد التأكد من عدم إضرارها بالبيئة. وللعلم فإني الرصاص الناتج من عوادم السيارات أخطر بكثير من هذه التي تضبطها هيئة المقاييس. أم الحلول لا حل بنظر كثير من المهتمين إلا بالتخلص من الرصاص المتواجد بالهواء وبكافة الوسائل والطرق المتاحة ومن العودة للتفاصيل السابقة فإن مصفاة مأرب إنتاجها لايكفي وهي بحاجة إلى توسعة وكذلك الحال في مصفاة عدن التي عفى عليها الزمن وصار بنزينها المرصص يدمر الحرث والنسل وهي بحاجة ماسة إلى تحديث قدرات تكاليفه بحوالي 521 مليون دولار حتى يكون إنتاجها مطابقاً للمواصفات العالمية. فيما يرى البعض أن الواجب استيراد البنزين الخالي من الرصاص من الخارج من النوعية عالية الأوكتين وهو ماسيكلف الدولة 052 مليون دولار سنوياً حسب دراسات رسمية وهو باعتقادي ثمن باهظ إذا ماقارناه ب 521 مليون دولار ثمن تحديث مصفاة عدن وبين هذا وذاك بقي خيار ثالث يتمثل بالأخذ بالخيارين السابقين معاً بحيث تشرع الحكومة في استيراد البنزين الخالي من الرصاص في الوقت الحالي حتى يتم الانتهاء من تحديث مصفاة عدن وتوسعة مصفاة مأرب.. وحجة المعترضين على هذا الأخير عدم وجود أجهزة لفحص البنزين المستورد للتأكد مما إذا كان مخلوطاً بالرصاص أو خالياً منه مع اقتراح التشديد في الرقابة والمتابعة على عملية الاستيراد في حال اعتمد هذا الخيار. ماهو الهواء؟ ماهو الرصاص؟ الهواء عبارة عن مخلوط غازي يتركب من مجموعة من الغازات أهمها غاز الاكسجين بحوالي 87% والنتروجين بحوالي 9.02% بالإضافة إلى غازات أخرى يأتي في مقدمتها غاز ثاني أكسيد الكربون وغاز الارجون وتلوث الهواء يحدث إذا دخلت فيه غازات أخرى غير المكونة أو حدث تزايد في نسب بعض الغازات المكونة له. ومن الحقائق التي تؤكد أهمية الهواء بالنسبة للإنسان أن رئة كل جسم بشري تستقبل يومياً حوالي 51 كيلو جراماً من الهواء الجوي في حين أن الجسم البشري لايمتص أكثر من 5.2 كيلو جرامات من الماء وأقل من 5.1 كيلو جرامات من الطعام. أما الرصاص فهو معدن لين مرن لونه أبيض مزرق قابل للتشكل والطرق، موصل رديء للحرارة ومقاوم للتآكل رقمه الذري 28 ووزنه الذري 207ووزنه النوعي 53.11 تحتوي خاماته عادة على عناصر الكبريت والزنك والنحاس.. ويعتبر الرصاص أول المعادن التي صهرها الإنسان ويرجع أول استخدام أكسيد الرصاص في صقل الفخار إلى العصر «البرونزي» منذ حوالي 5500. كما يوجد الرصاص في صور أخرى مختلفة منها أكاسيد الرصاص وتشمل أول أكسيد الرصاص وهو الأكثر استخداماً من صناعات الرصاص غير العضوية، ويستخدم في تصنيع لوح البطاريات وفي صناعة السيراميك والزجاج. ومن الأكاسيد الأخرى أكسيد الرصاص الأحمر وهي صبغة حمراء لامعة وتستخدم في دهانات المنازل وأسطح المعادن لمنع تآكلها وفي التشحيم وفي صناعة الزجاج والكريستال ويتواجد الرصاص في صورة أملاح ومنها كبريتات الرصاص وسيلكيات الرصاص وكرومات الرصاص وهو بذلك يدخل في تراكيب عدد من المواد كالمساحيق التجميلية التي تستخدمها النساء والكحل وأيضاً في أحبار الطباعة والطلاء وغيرها من المواد. ونظراً لدخول الرصاص في أحبار طباعة الصحف فإنه ينصح بعدم استخدام ورق الصحف في تغليف المواد الغذائية أو في امتصاص الزيت الزائد بعد قلي الخضروات كما في حالتي البطاطس والباذنجان كما ينصح بغسل الأيدي جيداً بعد قراءة الصحف. أرقام 05 ألف برميل تستهلك بلادنا يومياً من المشتقات النفطية. 31 مليون دولار تكاليف إضافة مادة الرصاص إلى هذه المشتقات. 521 مليون دولار تقديرات تكاليف تحديث مصافي عدن. 31 محطة بترولية تتواجد في كبريات المدن اليمنية تتولى من خلالها شركة النفط بيع «البنزين السوبر» الخالي من الرصاص. 005 ألف طفل في البلدان النامية تحتوي دماؤهم على مادة الرصاص. 51 كيلو جراماً هو ماتستقبله رئة كل جسم يومياً من الهواء الجوي.