جعل الإسلام من النظافة شعاراً إيمانياً واعتبرها سلوكاً حضارياً يجسد روح المدنية والتحضر. إن القرآن الكريم وصف مجتمع المدينة بالرجال وكلمة "رجال" تحمل معاني ودلالات الرجولة الكاملة وغير المنقوصة، فكثير من الذكور لا يتصفون بذرة من "الرجولة" حتى وإن كانوا متمنطقين بالسلاح لأنهم لا يحملون شعار النظافة على المستوى الشخصي والمستوى العام، فمجتمع المدينة كان مجتمعاً فاضلاً فيه رجال يحبون أن يتطهروا فأحبهم الله لأنه تعالى جميل يحب الجمال. والرسول عليه الصلاة والسلام جعل النظافة من الإيمان الذي هو بضع وسبعون شعبة أعلاها قول "لا إله إلا الله" وأدناها إماطة الأذى عن الطريق حسبما جاء الإخبار عن ذلك في السنة النبوية المطهرة. بعد هذه المقدمة أريد أن ألج إلى موضوع هام وحساس كنت قد تناولته وهو موضوع تراكم القمامات في شوارع تعز، وما سببه من تلوث بيئي وصحي حتى كادت تعز ان تتعفن وتتحلل كما تحلل الكثير من المفسدين من مواقعهم التي عاثوا فيها فساداً، وتم ترحيلهم بمكانس النظافة والنزاهة، وقد ابتليت تعز بكثير من أمراء الحرب وأمراء الفساد وأمراء القمامة، وجميعهم تم التخلص منهم ورميهم في مزبلة التاريخ. وتعز هي المحافظة الاستثناء العصية على مثل هؤلاء الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وبقية المحافظات ستنهج على منوالها إن عاجلاً أو آجلاً، وهؤلاء الفاسدون سيرتهم ليست عطرة بل تفوح بروائح فساد تزكم الأنوف، وهم اليوم يعيشون في خوف لأن ماضيهم أسود وسيرتهم الذاتية أكثر قتامة، لأنهم كانوا وبالاً على تعز إذ أهلكوا فيها الحرث والنسل ودنسوا بأفعالهم الشنيعة هذه المدينة الحالمة، فشوهوا جمالها بروائح البارود وتراكم القمامات؛ التي تعد أكثر الأسلحة فتكاً بهوائها العليل وبيئتها النظيفة. تعز اليوم بحاجة إلى أيادي نظيفة ونزيهة وضمائر حية تحرسها الرقابة الذاتية ليكونوا بديلاً للفاسدين الذين ينهشون تعز كما تنهش الكلاب الضالة والمشردة فريستها والذين يعيثون بسلميتها ومدنيتها وحضارتها الثقافية، فشوارع تعز تحكمها المظاهر المسلحة وتدار بقوة السلاح ولغة الرصاص من قبل أفراد بلاطجة أدمنوا القتل والتقطع والفوضى الخلاقة دون رادع، فسلطتها المحلية كسيحة ومشائخها شاخوا ولم يعد لهم أي دور إيجابي يذكر. تعز أصبحت اليوم عرضة للنهب والسلب والقرصنة وكأنها قطعة من أراضي الصومال، أما بالنسبة للقمامة وتكدسها فيها فقد كادت ان تحدث ثقباً في طبقة الأوزون لروائحها النتنة وحرائقها الخانقة؛ لولا تدخل رجال المال والأعمال وبمبادرة ذاتية أمثال رائد النظافة شوقي احمد هائل سعيد والذين أعادوا للمدينة ألقها وجمالها وانتصروا لتعز من مسؤوليها وسلطتها المحلية. تعز أصبحت مأوى للقطط الناعمة بفضل براميل القمامة التي وجدت فيها تلك القطط الوجبات الدسمة، وعمال النظافة يعيشون أوضاعاً مأساوية بسبب حرمانهم من حقوقهم المنقوصة لشهور، إضافة إلى ازدراء البعض منهم والنظر إليهم بنظرة دونية، وهم الفئة التي تستحق منا الاحترام والتقدير، وأن نرفع لهم القبعات احتراماً لدورهم المهم، وعلى الدولة أن تحسن مستواهم المعيشي والوظيفي وتعمل على تأمينهم صحياً كونهم أكثر عرضة للأمراض القاتلة والموبوءة، كما يجب علينا ان نعتني بتعليم أبنائهم ودمجهم في المجتمع. فأنا شخصياً اعتبر عامل النظافة أفضل من أي مسؤول غير نظيف.. والنظافة هنا تحتاج إلى جهد جماعي لتحويلها من النظافة الفردية إلى النظافة المجتمعية.. وهناك أناس نجدهم نظيفين في منازلهم لكنهم في مكاتبهم وشوارعهم كالأنعام بل أهم أضل، كل شيء تحتهم.. فضلاتهم ومخلفاتهم الشخصية والمنزلية. فالمجتمع اليمني بحاجة إلى يوم وطني يكون شعاره "النظافة" يخرج فيه المسؤول الأول في المحافظة حاملاً بيده المكنس ليعطي حافزاً لبقية المجتمع على التوجه نحو النظافة، كما يعطي رسالة لعمال النظافة بأنهم ليسوا أدنى مستوى عندما ينضم إليهم. هناك يوم عالمي لغسل اليد ونحن بحاجة للاحتفال بهذا اليوم.. بحاجة لأن نحتفل بغسل اليد بالصابون والديتول، فاليد هي أساس البلاوي صحياً وضمائرياً، واليد العليا خير من اليد السفلى، واليد البيضاء الممدودة بالخير خير من اليد المضمومة إلى العنق بخلا وقترا، واليد النظيفة خير من اليد المتسخة، واليد النزيهة عن المال الحرام خير من اليد المدنسة بالمال الحرام.