كشف مدير مكتب البنك الدولي بصنعاء وائل زقوت عن أن حوض صنعاء يتناقص بشكل سريع، وربما يجف خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة. وتوقّع زقوت " أن يرتفع عدد سكان اليمن الذين يعيشون في المرتفعات إلى نحو 40 مليون نسمة على مدى العشرين سنة المقبلة، حيث أن هذا العدد يتراوح حالياً بين 15 و20 مليون نسمة. وقال إن الزراعة التقليدية في المناطق المرتفعة والتي تعتمد على الأمطار لن تكون كافية بحيث توفّر ظروف معيشية مناسبة لهذه الفئة الكبيرة من السكان، فكمية المطر في المرتفعات تساعد مليون أو اثنين أو حتى خمسة ملايين شخص فقط على العيش. وبالتالي فإن إيجاد صناعات بديلة لتوظيف هذا العدد الكبير من الناس في المرتفعات يعتبر أمراً قد لا يكون قادراً على المنافسة بسبب ارتفاع تكاليف النقل، فجلب المياه التي يتم تحليتها من الساحل إلى المرتفعات يعتبر عملية مكلفة للغاية نظراً لبعد المسافة والارتفاع الذي يجب أن تقطعه للوصول إلى المرتفعات. فبدلاً من نقل المياه إلى المرتفعات وتطوير صناعات في ظل ظروف لا يمكن تحملها، ينبغي أن تتجه نظرة اليمن نحو الساحل، فوضع خطة تركز على التنمية في المناطق حيثما تكون الظروف مواتية ومستدامة مثل المدن الساحلية كمدينة عدن والحديدة والمكلا والمخا ينبغي أيضاً أن تكون أحد المكونات الحيوية في الحوار الوطني الشامل المرتقب. وأفاد زقوت "عاش معظم اليمنيين لعدة قرون في المرتفعات، ويعزى ذلك إلى حقيقة بسيطة مفادها أن الأمطار تهطل بشكل أكبر في المرتفعات، وهذا يدعم الطريقة التقليدية للبقاء المتمثّلة في الاعتماد على الزراعة وتربية الماشية، بيد أن النمو السكاني جعل من هذه الأنماط التقليدية للعيش غير مستدامة". وشدّد على أن الدافع السياسي الواضح نحو اللامركزية أو الفيدرالية يجب أن لا يتجاهل الوضع الاقتصادي، وفي الواقع فإن الاستقلال الاقتصادي جنباً إلى جنب مع الاستقلال السياسي لمختلف المناطق في البلاد يمكن أن يكون مصدراً هاماً للنمو، وهذا من شأنه أن ينطوي على إسناد أو انتقال مجموعة من القضايا الإدارية إلى السلطات المحلية مثل سياسة الاستثمار وهيكل الضرائب المحلية "غير الهيكل الضريبي الوطني" وخطط التنمية الاقتصادية المحلية. وهذا سيمكّن مختلف المحافظات والمدن من التنافس على جذب استثمارات القطاع الخاص بمن فيهم المستثمرين اليمنيين والأجانب. وحثّ زقوت الحكومة اليمنية بالمقابل على أن تطور دورها المتمثّل في كونها الجهة الوحيدة لصنع القرار لتصبح مصدراً للدعم والتكامل بين الأقاليم، فهي تستطيع أن تدعم التنمية وفي نفس الوقت تعمل على تعزيز التكامل بين الأقاليم من خلال التركيز على البنية التحتية والموارد الرئيسية، مثل بناء وصيانة الشبكة الوطنية للطرق السريعة وإدارة قضايا المياه فيما بين الأقاليم وكذلك تشجيع الاستثمار في مختلف المناطق. ولفت مدير مكتب البنك الدولي إلى أن اليمن تستعد حالياً للدخول في الحوار الوطني وتعتبر المرحلة الحالية مرحلة حيوية في عملية المصالحة التي بدأت في أعقاب الأزمة التي مرت بها اليمن في العام الماضي، حيث تم التوصل إلى تسوية سياسية تتمثّل في المبادرة التي تمت برعاية مجلس التعاون الخليجي وحظيت بدعم من المجتمع الدولي والتي تضمنت الالتزام بإصلاح هيكل الدولة لمعالجة الأخطاء السياسية القائمة منذ فترة طويلة بين الشمال والجنوب وتذمّر بعض المناطق من تركّز السلطة في العاصمة صنعاء. فعلى الرغم من أن هذه القضايا تعتبر مواضيع حيوية كونها تناقش بناء دولة المستقبل، إلا أنه ينبغي أن يتطرق الحوار الوطني أيضاً إلى العوامل الاقتصادية والبيئية الحاسمة، ويمكن لنموذج جديد من اللامركزية والفيدرالية أن يقدم المزيد من الحلول السياسية للتقسيمات التاريخية، كما يستطيع أيضاً أن يوفّر مسار نحو النمو المستدام القادر على خلق الملايين من فرص العمل المطلوبة خلال السنوات العشر القادمة. وأضاف "إن وضع تدابير للمساءلة من أجل ضمان اتّخاذ قرارات اقتصادية منفتحة وشفّافة على المستويين المركزي والمحلي، وضمان الضوابط والتوازنات بين مختلف الجهات الحكومية يعتبران أمران حاسمان وحيويان بالنسبة للامركزية في النظام السياسي واللامركزية في النظام الاقتصادي، ما لم فإن عملية اللامركزية سوف تؤدّي في نهاية المطاف إلى مركزية الفساد وسوء الإدارة". وقال "تعتبر دبي مثالاً جيداً على الفوائد المحتملة لمثل هذه العملية، فبعض الأسباب الرئيسية لنجاحها تمثّلت في استقلاليتها الاقتصادية والقيادة الجريئة والشراكات القوية التي أنشأتها مع القطاع الخاص. فهل تستطيع اليمن إنشاء نظام يمكّن مدينة عدن والمكلا والحديدة والمخا وغيرها من أن تصبح (دبي) أخرى في اليمن؟ إن اللامركزية الاقتصادية تعتبر الخطوة الأولى". كما أن المعجزة الاقتصادية في شرق آسيا قامت أيضاً على اللامركزية، فالصين وفيتنام وأندونيسيا والفلبين وماليزيا كلها لديها أنظمة لامركزية/ فيدرالية حيث يتم اتّخاذ القرارات الاستثمارية على مستوى الأقاليم. وتابع زقوت "هدفي هو تشجيع جميع اليمنيين على النظر إلى الأبعاد الاقتصادية والبيئية كجزء لا يتجزّأ من الحوار الوطني. إن أي نقاش حول اللامركزية أو الفيدرالية يجب أن يكون ببساطة أكثر من مجرّد رسم خطوط تحدد الكيانات الإدارية التي توازن الجغرافيا مع الهويات السياسية والقبلية. فتضمين الاقتصاد والبيئة في قلب الحوار الوطني سوف يوفّر فرصة كبيرة لوضع اليمن على طريق التنمية المستدامة واشتراك جميع مواطنيها في الفوائد". وأكّد أن "هذا لا يعتبر بأي حال من الأحوال محاولة للتقليل من شأن الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه اللامركزية في عملية المصالحة السياسية. ذات مرة أخبرني رئيس جبهة التحرير الوطنية مورو في الفلبين والذي قاتل لسنوات من أجل استقلال إقليم مينداناو المسلم، بأن اللامركزية قدمت أكثر مما حققه خلال فترة 30 سنة قضاها من عمره في نضاله ضد الحكومة من أجل استقلال هذا الإقليم. فقد تم انتخابه في أواخر التسعينيات محافظاً لمدينة كاتاباتو، حيث كانت إدارته مسئولة عن جميع القرارات الاقتصادية المحلية وتقديم الخدمات المحلية".