الأربعاء الماضي اختتم اصدقاء اليمن اجتماعهم السابع بالعاصمة البريطانية لندن وعلى الرغم من ان حكومة الوفاق كانت تنظر الى الاجتماع كمنقذ من حيث الخروج برؤية لتسريع التعهدات المالية التي اعلنها الاصدقاء خلال الاجتماعات السابقة غير ان كل التصريحات التي خرجت على لسان عدد ممن شاركوا في الاجتماع تؤكد اصرار المانحين على اشتراطاتهم بانه يجب على حكومة الوفاق الشروع في اصلاحات مقابل الاسراع في الوفاء بتعهداتهم. استمرار هذه الاشتراطات في كل اجتماع يؤكد ان الحكومات المتعاقبة واخرها حكومة الوفاق الوطني لم تستطع القيام بما يجب عليها بشأن اصلاحات اقتصادية تحد من الفساد والبطالة وعدم التسريع بخطط لاستيعاب تلك الاموال واظهار حسن النية من خلال الشروع في تلك الاصلاحات والمشاريع حتى لا يكون صمتها عقبة امام وصول تعهدات المانحين البالغة اكثر من 8 مليارات دولار والتي لا زالت معظمها معلقة منذ انعقاد مؤتمر لندن للمانحين في 2006م حيث دعا وائل زقوت المدير القُطري للبنك الدولي في اليمن الحكومة اليمنية إلى التركيز على الجانب الاقتصادي، مشيراً الى أنه من دون نجاح الاقتصاد في البلاد فإنه لا نجاح لأي شيء آخر. عجز الحكومة امام اصدقاء اليمن في اجتماع لندن الاخير عن الافصاح عن أي إصلاحات اقتصادية تم انجازها يثير تساؤلات حول اسباب هذا العجز، فهل يعني ذلك ان الحكومة ربما تتخلص منه عبر رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وفي حال شرعت في هذا الحل فهل هي قادرة على القيام بإصلاحات تساعد الفقراء في التخلص من اعباء رفع هذا الدعم خاصة وان البنك الدولي كان خلال الفترات الماضية يؤكد ولا يزال على انه الخيار الوحيد امام الحكومة من اجل الخروج من المأزق الاقتصادي؟! وتعهد المانحون بتقديم نحو 7.9 مليار دولار في مؤتمري المانحين في الرياض ونيويورك لدعم المرحلة الانتقالية في اليمن وتمويل برنامج الاستقرار والتنمية لكن حتى الآن لم يتم الالتزام بتقديم هذه التعهدات من قبل المانحين وهناك جمود كبير في عملية تخصيصها واستيعابها، ولا تزال هذه التعهدات في إطار الاجتماعات والمؤتمرات وتلاقي صعوبة ومخاضا عسيرا في التخصيص والاستيعاب وتنفيذ مشاريع تنموية يلمسها المواطن على ارض الواقع. ويؤكد المانحين على ضرورة قيام حكومة الوفاق بإصلاحات اقتصادية مقابل تسريع التعهدات وهو ما أكدته جين ماريوت السفيرة البريطانية في اليمن في تصريح ل"القدس العربي" حيث قالت: هناك بعض الإجراءات المتعلقة بالشفافية، مؤكدة أن الفساد كان سبباً من الأسباب التي جعلت المانحين يحجمون عن تقديم تعهداتهم، وأضافت أن تردي الوضع الامني في البلاد يعد عائقاً أمام تدفق أموال المساعدات المرصودة. ايضا قال مساعد أمين عام الأممالمتحدة ومستشاره الخاص لشئون اليمن جمال بن عمر في كلمته التي القاها في الاجتماع: على الرغم من النجاحات المحققة على صعيد العملية الانتقالية الجارية حاليا في اليمن ثمة تحديات أمنية واقتصادية كبيرة ماتزال تهدد نجاح العملية الانتقالية، ونبه من أن العملية الانتقالية في اليمن قد تواجه مخاطر جدية إذا لم تنفذ الإصلاحات الاقتصادية اللازمة، مشددا في هذا الصدد على ضرورة ضمان تزامن تنفيذها مع تنمية اقتصادية، وشدد على أهمية بناء مؤسسات مستقلة وفعالة يمكنها وضع أولويات وخطط وطنية وهي المهمة الرئيسة لبناء الدولة. المديرة التنفيذية لجهاز تسريع استيعاب مساعدات اليمن أمة العليم السوسوة قالت: إنّ اليمن بحاجة ماسة لإصلاحات لضمان تمكينه من الوفاء بالتزاماته المالية، وكان قد أنشئ هذا الجهاز العام الماضي لمساعدة اليمن في استيعاب مساعدات قيمتها نحو ثمانية مليارات دولار تعهد بها المانحون، واكدت في تصريح صحفي: أنّه من دون تصحيح الأوضاع المالية السيئة جداً قد تنذر بأنّ الموازنة العامة لن تستطيع تسديد التزاماتها حتى لرواتب الموظفين أكانوا مدنيين أو عسكريين. وفي البيان الختامي الصادر عن الاجتماع أشار أصدقاء اليمن إلى استمرار الحاجة للإصلاح الاقتصادي وبمجال الحوكمة بما في ذلك مكافحة الفساد والاستثمار بالبنية التحتية وزيادة توفير الخدمات الأساسية لكي يمضي اليمن على طريق تحقيق الاستقرار والكفاءة الذاتية، موضحين أن الحكومة اليمنية وشركاءها الدوليون سبق وتعهدوا بالتزامات بموجب إطار المساءلة المتبادلة وقالوا: وهناك حاجة للإيفاء بهذه الالتزامات لتحقيق فوائد ملموسة للشعب اليمني وتعزيز واستمرار إنجازات العملية الانتقالية. كما حثوا الحكومة اليمنية على العمل سريعا لوضع جدول زمني للإصلاح الاقتصادي واتخاذ قرارات بمجالات الإصلاح الحيوية بهدف زيادة وتيرة صرف التعهدات المالية وإبداء التزامها بالإصلاح المجدي وخصوصا معالجة موضوع دعم المشتقات النفطية بهدف تخفيف الأزمة المالية التي تلوح بالأفق وإعطاء من هم بحاجة للموارد الأولوية بالحصول عليها. وحث أصدقاء اليمن الحكومة اليمنية على تعزيز الاستقرار الاقتصادي من خلال مواصلة المفاوضات لإقرار برنامج صندوق النقد الدولي. تصريح وزير الخارجية البريطاني وليم هيج لم يذهب بعيدا عن التصريحات السابقة التي تطالب بضرورة قيام حكومة الوفاق بإصلاحات اقتصادية حيث قال: علينا جميعا دعم النمو الاقتصادي باعتباره حاجة ماسة لخفض مستوى الفقر ولتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة ومن الضروري جدا أن نفي جميعنا بالتزاماتنا كما أن علينا مساعدة الحكومة اليمنية على إجراء الإصلاحات الحيوية التي يحتاجها اليمن لاجتذاب الاستثمارات وتحقيق نمو مستدام، مشيرا إلى أن نجاح العملية الاقتصادية يتطلب قيادة قوية في اليمن ودعم دولي سخي ومنسق لتحقيق التقدم في المجالات السياسية والاقتصادية، مؤكدا في ذات الوقت على ضرورة مواصلة دعم الاستقرار في اليمن ومكافحة الإرهاب بما في ذلك إصلاح القطاع الأمني. ولفت وزير الخارجية البريطاني الانتباه إلى أن عملية الانتقال الناجحة تتطلب قيادة قوية في اليمن ودعما دوليا سخيا ومنسقا لإحراز تقدم في ثلاث مجالات تحديدا الأمن والحوكمة والاقتصاد. الملفت في هذا التصريح هو اولا التركيز على ضرورة قيام الحكومة بالإصلاحات الاقتصادية وثانيا التركيز على ان تلك الاصلاحات تحتاج الى قيادة قوية بمعنى ان الحكومات المتعاقبة بما فيها الحكومة الحالية لم تستطع حتى اللحظة الوفاء بالتزاماتها امام المانحين حتى يتسنى لها الحصول على تلك الاموال التي ربما ستخلق نوعا من النهوض في جانب التنمية والخروج من المأزق الاقتصادي الذي يعانيه البلد. والى جانب ما قاله وزير الخارجية البريطاني عن الحاجة لقيادة قوية قالت نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إنغر أندرسن: نرحب بالآلية الجديدة لمجموعة أصدقاء اليمن فالشعب اليمني يستحق دعماً منسقاً من المجتمع الدولي بما يمكنهم من الاعتماد عليه لتحقيق نتائج ملموسة وبموازاة ذلك فان وجود قيادة يمنية قوية تكفل تطبيق الآلية الجديدة أمر حاسم لتحقيق النمو وخلق الفرص لليمنيين وأوضحت أن مجموعة العمل الاقتصادية ستتابع التقدم المحرز في عملية الاصلاح الاقتصادي والتزام المانحين بتعهداتهم وتضمن في ذات الوقت عملية الانسجام للدعم الدولي مع أجندة الاصلاحات. وأشارت إلى أن المشاركين في اجتماع أصدقاء اليمن أجمعوا على ضرورة تبني اصلاحات جادة لمعالجة أزمة العجز المالي المتفاقمة في اليمن وتابعوا مستوى تقديم تعهدات المانحين المعلنة خلال مؤتمر الرياض ونيويورك، والبالغة قيمتها 7.9 مليار دولار حيث تم تخصيص 97% لتمويل مشاريع معينة. في السياق ذاته كتبت نادية السقاف عضو مؤتمر الحوار الوطني مقالا قالت فيه: تستمر اجتماعات أصدقاء اليمن وتتغير الآلية وأنا أعتقد أن هذه الآلية حقاً أفضل لأنها أكثر دقة وواقعية ولكن في حال لم تتغير طبيعة عمل الحكومة وطريقتها في التصرف وكأن الدنيا بخير لن يفيد حتى ولو اجتمعت مجموعات العمل يومياً. وخلال السنوات الماضية ظهرت تحذيرات عدة لمراقبين ومهتمين واقتصاديين اكدت ان عدم تحرك الحكومات المتعاقبة قد ترك انطباعا لدى الأصدقاء على أن هذا البلد لا يشكو من ضآلة المال بل من ضعف القدرة على استيعاب المبالغ التي يتلقاها من المساعدات الخارجية وكيفية انفاقها وفق خطط مدروسة على مشاريع مجدية تنعكس ايجاباً في مساعدة الشعب اليمني على بلوغ أهدافه في العيش الكريم. ما يزيد الطين بلة هو أن الحكومة لا تمتلك رؤية كاملة لاستيعاب المنح الخارجية بل ان الركون على الخارج افقدها أيضا القدرة على استغلال الموارد المحلية مثل الضرائب والجمارك والثروة النفطية والسمكية والسياحة وتقليص الفساد المالي والإداري وغير ذلك من الموارد التي من الإمكان أن توقف عناء البحث عن المنح والمساعدات والقروض. وبالنظر الى ما ورد في البيان فان مطالب الاصلاحات الاقتصادية التي يتوجب على الحكومة القيام بها هي مطالب المانحين خلال الاجتماعات السابقة منذ ان عقدت مجموعة أصدقاء اليمن اجتماعها الأول في 24 يناير 2010 بالعاصمة البريطانية لندن، في فمتى ستقوم الحكومة بهذه الإصلاحات وكيف؟!