المطب في الثقافة الشعبية العامة بالنسبة لليمنيين، لديه اكثر من معنى وعدة تفسيرات، فهو بمعناه العام الشائع، تلك الكتلة من الأحجار او التراب، او الحديد، او الحبال، التي توضع على الطرقات، لإلزام السائقين على تهدئة السرعة والتوقف، والمعنى الآخر يطابق الأول من حيث الوظيفة، لكنه يختلف عنه من حيث الدلالة والمقصد، فالأول خاص بالأشياء الحسية والثاني بالمعنوية، فيقال (فلان عمل لي مطب) اي وضع لي شيئا في طريقي، كشكوى كيدية، او مقلب ساخر، او احراج امام الآخرين وما يشابهها. يعرف معجم اللغة العربية المعاصرة للدكتور احمد مختار عمر المطبات بأنها جمع مطب وهو منخفض ممتد بعرض الطريق لإجبار السيارات على تخفيف سرعتها. ويبدو هذا التعريف هو المنطقي السائد بمفهومه العام باليمن وغيرها، على الرغم انه لم يكشف الأصل الذي نشأت منه هذه الكلمة، ومن اول من استخدمها، او اطلقها او تعامل بها، وفي اي زمان كان، لكن بالنظر الى واقع المطبات في اليمن يتضح فعلا اننا أمام مشكلة سلوكية اجتماعية اسمها المطبات، وهذه المشكلة صارت سلوكا في حياة الأشخاص، على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية، وكلٌ يستخدمها لأغراض ودوافع، حسب مكانته، والفائدة التي يرجوها من إنشاء المطب، ويتفنن في اشكالها ومستوياتها حسب منصبه، ومكانته المالية والاجتماعية ايضا. امتياز سياسي لا يعلم البعض ان المطبات في اليمن، تعد واحدة من المزايا التي يحصل عليها السياسيون والمسؤولون، عند توليهم المناصب الحكومية، مثلها مثل الامتيازات المالية، والسيارات، وافراد الحراسة، وغيرها من المكاسب التي يحصلون عليها عند تقلدهم مناصب رفيعة بالدولة. الرئيس هادي مثلا حصل على خمسة مطبات كبيرة وجديدة في شكلها وتصميمها، امام منزله على طريق الستين، عندما اصبح رئيسا، بينما من قبل كانت باصات الأجرة تمر وتتوقف بجانب حوش منزله، اما الدراجات النارية فكان لها هي الأخرى فرزة دائمة جوار المنزل، لنقل الركاب الى حارات السنينة وهائل دون اي عراقيل امامهم، بل ان المواطنين الذين يمشون على اقدامهم كانوا يمشون بجانب المنزل وامام البوابة وبجانب السور ولا احد يعترض عليهم، ولا هم يفعلون شيئا. عندما اصبح هادي رئيسا، اختلف الأمر، فبجانب حصوله على خمسة مطبات ضخمة أنشئت ليلا على حين غفلة، ارتفع سور المنزل ثلاثة اضعاف، وتم اغلاق الخط الرابع لشارع الستين كاملا امام الناس، بل ان المرتادين من السكان والزوار للحارة التي يقع فيها منزل الرئيس، يتعرضون للسؤال والجواب عند الدخول او الخروج، واذا تعطلت سيارتك فجأة امام منزل الرئيس لخلل ما، فالويل لك من هجوم الجنود، فأنت امام بيت الرئيس، بعدما كان سابقا "بيت النائب"، اقول هذا طبعا مع ايماني بتبدل الأحوال وتغير الزمان، وأحقية هادي باتخاذ الإجراءات الأمنية الكافية لتأمين حياته. عبدالقادر باجمال رئيس الوزراء الأسبق، كان يسكن في احدى الحارات الراقية القريبة من مبنى التلفزيون، وامام منزله يرتفع مطب حكومي كبير، عندما أقيلت حكومته، وبعد اسبوع من تعيين خلفه مجور، تم إزالة المطب من امام منزل باجمال الذي لم يعد مسؤولا حكوميا، ونُقل الى نهاية شارع الزبيري حيث يسكن مجور، وهناك الكثير من الوزراء والمشائخ والقادة العسكريين الذين حصلوا على مطبات امام منازلهم كمنح إضافية كونهم من كبار القوم، ومن يريد التأكد فليزر تلك المنازل وسيرى بنفسه كيف تتشكل المطبات امام منازلهم، بل ان احد النافذين الكبار بالسنينة، لم يكتف بالمطبين اللذين وضعهما امام منزله، بل وضع بوابة حديدية ارضية بمسامير غلاظ كالسهام، ويستطيع في اي وقت اغلاق الشارع العام امام منزله متى اراد ذلك حفاظا على حياته، ولا عزاء للشعب. مطبات الموت قبل اسبوعين نشر صندوق صيانة الطرق تقريرا قال فيه ان هناك 1203 من المطبات في 12 طريقا رئيسا باليمن تتسبب في 40% من حوادث المرور. تخيلوا 40% من اليمنيين يموتون سنوياً في حوادث مرورية سببها المطبات، وعلى سبيل المثال والتأكيد بلغ عدد الذين توفوا خلال العام الماضي بالحوادث المرورية حسب وزارة الداخلية (2494) شخصاً، وعدد المصابين (12622) شخصاً، وبناء على تقرير صيانة الطرق، فعدد الذين توفوا بسبب المطبات خلال العام الماضي يصل الى (997) شخصاً، وعدد المصابين (5048) شخصاً، وهذه الأرقام كبيرة جداً قياساً الى الأسباب التي تقف خلفها وهي المطبات. فهل بلغت الاستهانة بهذا الشعب الى هذا المستوى؟ لماذا اذا لا يتم ازالة تلك المطبات اذا كانت تقتل الناس بهذي النسبة، وهذا العدد، وتخلف الحزن والمأساة في آلاف الأسر اليمنية، وتعلم الجهات المختصة حجم الكارثة، ثم لا تحرك ساكنا. انها مطبات وكتل ترابية واسمنتية واضحة وضوح الشمس، ولا تحتاج سوى بعض العمال وآلة لإزالتها بكل سهولة، ولا اتصور ان من ينصبون المطبات سيخرجون بأسلحتهم ويمنعون العمال من إزالتها، على غرار ما يفعله مخربو الكهرباء، او المعتدون على انابيب النفط، وهم يمنعون المهندسين من اعادة التيار او اصلاح انبوب النفط، كما ان اولئك الذين ينصبون المطبات لا ينتمون لقبيلة واحدة ستتعصب وتدافع عن المطب، او ينتمون لجماعة مسلحة، او حزب سياسي سيدافعون عنهم ويمنعون ازالة المطبات. الرقم نفسه الذي صرحت به صيانة الطرق لا يبدو صحيحا، و الرقم الفعلي اعلى بكثير من الرقم المذكور، ففي احدى المرات سافرت مع زميل لي على طريق تعز مذيخرة، الذي يمر من شرعب، وطوله لا يتعدى ال40 كيلو متر، لكنه مليء بالمطبات، اتفقنا ونحن في بداية الخط في منطقة عصيفرة، على وضع علامة صح عند كل مطب يستوقفنا حتى نهاية الطريق في مذيخرة. عندما وصلنا احصينا تلك العلامات، لنكتشف ان هناك 135 مطباً في طريق لا تزيد على 40 كيلو متراً، فما بالكم بالطرق الأخرى التي تصل الى عشرات الكيلو مترات. أنواع المطبات المطبات تتعدد في انواعها، فمنها العالي، ومنها المنبطح، ومنها الحاد، ومنها الإسفلتي، ومنها الترابي، وهناك نوعية تستخدم الحبال، وهذه رائجة في محافظة عدن كثيراً، ونادرا ما يتم وضع علامات مرورية قبل تلك المطبات لتنبيه السائقين، اما الأغلب فهي بلا علامات، وكلما سافرت على طريق وبدأت تتعود وتعرف مطبات ذاك الطريق، تأتي في المرة القادمة، وقد أزيل بعضها واستحدثت اخرى، ورغم ذلك العدد والعشوائية من المطبات معظم الطرق الرئيسية لا تخلو من الحفر والتشقق والتشوه، تذكروا مدخل مدينة اب من جهة سمارة، وشارع العدين بإب، والدائري في يريم ومدخل مدينة تعز من طريق الحديدة، ومدخلها من طريق عدنلحج، بل إن الخط المؤدي الى مدينة عدن من تعز، شاهد على تلك الحفر والتشوهات التي لحقت بتلك الطريق ومثلها معظم طرق الجمهورية. الاستخدامات اما الاستخدامات الأساسية للمطبات، فتتنوع حسب الغرض الذي أنشئت من أجله، فهناك مطبات اقتصادية، وهي تلك التي تمنح للشركات الصناعية، والمصانع، كبيت هائل في تعز، وما حصلت عليه من مطبات بأحجام قياسية في الحوبان. وهناك مطبات اجتماعية، وهي تلك المطبات الموضوعة في الخطوط التي تقع داخل حارات مأهولة بالسكان، وبعض المصالح العامة كالمدارس والجامعات والمساجد، وهناك مطبات سياسية وهي التي تنشأ امام بيوت ومنازل بعض المسؤولين، ومن يماثلهم من الشخصيات الثقيلة في المجتمع. اما على مستوى الناس البسطاء، فصاحب البطاط يعمل مطباً، وبائع الطماط يعمل مطباً، ولو كانوا على مسافة قريبة من بعض، أصحاب القات، والخضروات، والفرسك، والجزر، كلهم لديهم مطبات امام محلاتهم العشوائية في جوانب الطرق، واكبر مثال خط صنعاء تعز الذي يمر من معبر وذمار ويريم والسحول والقاعدة، وامام كل مطب بائع متجول، او شحات يمد يديه، او معاق على كرسيه، او عجوز، او طفل، بل عوائل بكاملها تنتظر صدقات السائقين والمسافرين، وكل واحد من تلك المطبات يتسبب بزحام وتوقف للمسافرين غير طبيعي. تخيلوا فقط سائحا اجنبيا يزور اليمن، ويقف امام كل هذه الظواهر، مطبات تعيق الطريق، وتلحق الاضرار والخسائر بالمركبات والشاحنات والأرواح، وتؤخر المسافرين، وتعكس حالة الفقر في المجتمع، وتظهر عشوائية محلات البيع والأسواق على جوانب الطرق، وتكشف بوضوح غياب الدولة. مسؤولية من؟ ما يؤلم فعلا ً هو تقرير صندوق صيانة الطرق، فموظفوه نزلوا لإحصاء المطبات، وعجزوا عن اتخاذ اي اجراء لإزالتها، رغم أن الصندوق هو الجهة الرسمية المناط بها صيانة الطرق، ورئيسه المهندس أحمد العديني من الشخصيات المعروفة بتفانيها وجهودها المبذولة في هذا الحانب، فهل استطاع الصندوق احصاء المطبات وعجز عن مكافحتها، ومنع استحداثها ومحاربتها كظاهرة لها من الأضرار ما يؤثر على المجتمع افرادا وجماعات. تتحمل المسؤولية ايضا شرطة السير حاليا والمرور سابقا، وكذلك المجالس المحلية المسؤولة عن المجتمع، وجميعهم يسافرون ويمرون من تلك الطرقات، ورغم ذلك لم تلفت انتباههم هذه الظاهرة. بالنسبة لشرطة السير فهي مسئولة عن عدم إلزام السائقين بالخطوط الطويلة من تفقد سياراتهم، واصلاحها، ومنع السيارات المتهالكة من العمل، فبعض المركبات تسير في الخطوط الطويلة، وهي مليئة بالركاب وتقطع عشرات الكيلو مترات، وليس لديها اضاءة خلفية للمكابح، بل بعضها قد اختفى مكانه تماما، واخرى ليس لديها اضاءات امامية كافية، او تمضي بعين واحدة، واخرى ليس لديها ماسحات الماء في الزجاج الأمامي لمواجهة الأمطار، او اشارة التنبيه الضوئية في الجانبين، لتنبيه من خلفها، ولذلك تقع الحوادث عند المطبات، وخاصة الجديدة، يتوقف السائق فوقها فجأة، فيرتطم به من خلفه، او يحاول الهروب فينزلق للخارج، او الى الخط الثاني وهكذا. مستويات الوفاة بسبب الحوادث المرورية في بلادنا بارتفاع سنوي، وتوازي ضحايا حوادث العنف في بعض الدول، ولم يعد هناك منزل إلا واكتوى بضحاياها، فلماذا هذا التهاون، وكم من الأرقام البشرية تريد الجهات المختصة حتى تضع حلولا لهذا الوضع الخطير. ضرورة لا احد ينكر أهمية وجود بعض المطبات التي تقتضيها الضرورات، حفاظا على ارواح الناس، كالمناطق المأهولة بالسكان، او بعض المنشآت الأمنية وغيرها، خصوصا من قبل بعض السائقين الذين يقودون بسرعة عالية، لكن تحولها الى هذا المستوى من العشوائية والعبث امرا لا يجب السكوت عنه. وبالمناسبة اتذكر ان احدى المدارس الحكومية بصنعاء طالبت قبل حوالي ثمان سنوات باستحداث مطب امام المدرسة، لإجبار السائقين على التوقف، نظرا لكثرة حالات الدهس التي اصيب بها التلاميذ في تلك المدرسة. تلك هي ثقافة المطبات في اليمن، فمن يزيل رواسب هذه الثقافة ومخلفاتها من حياتنا، ولماذا لم تستوقف الوزير الترب، ام انه لا يسافر برا، لكن هناك ايضا مطبات في الهواء كما يقولون.