في الوقت الذي تمر به بلادنا بأزمات عديدة وعلى أكثر من صعيد بالإضافة إلى مواجهات مسلحة بين وحدات من الجيش وتنظيم القاعدة الإرهابي . أقول في هذا الوقت الخطير فوجئ الجميع بمقال استهدف شخص مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الدفاع والأمن, تم فيه كيل اتهامات متعددة لا يصدقها عقل عاقل , ووجه المفاجأة هنا ليس استهداف المستشار بحد ذاته , فهو معتاد على ذلك في الماضي والحاضر بصورة مباشرة أو بالوكالة , وإنما المفاجأة كون المقال قد تم تذييله باسم رئيس الدائرة الإعلامية في رئاسة الجمهورية . صحيح أنه قد سارع أحد الكُتَّاب ونسب المقال إليه مدعياً أنه قد تم إرساله بالخطأ باسم صديقه رئيس الدائرة الإعلامية في الرئاسة , ولكن الصحيح كذلك أن المقال قد أتى أُكُله والهدف المرجو منه بغض النظر عن نُبل هذا الهدف من عدمه وخاصة أن الدائرة الإعلامية لم تصدر أي بيان بهذا الخصوص رغم خطورته.وهنا يحق لنا أن نتساءل ونقول : ما هو شعور الغالبية من أبناء الشعب اليمني والذين يتطلعون إلى انفراج الأوضاع في البلاد على يد فخامة رئيس الجمهورية بينما يفاجأ هذا الشعب من خلال المقال بأن هناك أزمة بين رئيس الجمهورية ومستشاره , والذي أعلن هذا المستشار من وقت مبكر انحيازه الكامل إلى شخص عبدربه منصور هادي لتولي منصب رئيس الجمهورية في اليمن ؟ بل ما هو شعور الكثير من القادة والضباط والأفراد الذين كانوا ضمن أفراد الفرقة الأولى مدرع , ولاسيما الذين يواجهون تنظيم القاعدة بل والكثير من أبناء الشعب والجيش حيال ذلك؟ لا شك أنهم سينظرون لذلك على أنه استهداف ومحاولة للنيل من أقوى شخصية عسكرية وسياسية شمالية إلى جانب رئيس الجمهورية , خاصةً مع بروز مصطلح "جماعة أبين" والتي تداوله الصحف حتى القريبة من بلاط الرئاسة . لقد كان الناس يشكون في الماضي من "جماعة سنحان" فإذا بهم يُفاجأون بجماعة أبين وكأنه قد قُدِّر على هذا الشعب أن يُحكَم بواسطة جماعات لا بواسطة مؤسسات , إلا أنه من المفيد القول أن جماعة أبين أذكى بكثير من جماعة سنحان , فقد طبقت هذه الجماعة الجملة اليمنية الشهيرة (( ثلثين بثلث )) , ثلث منهم في تنظيم القاعدة الذي يتزعمها الوحيشي من أبين , والثلث الثاني في اللجان الشعبية والذي يرأسها كذلك ويقود الجيش وزير الدفاع وهو من أبين . أما الثلث الأخير من مثلثات أبين فهو الثلث الحاكم برئاسة فخامة عبد ربه منصور هادي . المهم أن البطالة انتهت في أبين , حتى أن هناك نكتة بتداولها أبناء الجنوب مفادها أن معظم أبناء محافظة أبين يحرصون يومياً على سماع نشرة الأخبار , فكلٌ يتطلع إلى سماع قرار به في هذا المكان أو ذاك . وهناك أنباء متواترة تفيد بتواصل الجماعة أو أفراد منهم على الأقل مع جماعة "الحوثي". وهذا يفسر التعامل الناعم مع تلك الجماعة والتي تقوم بقتل الجنود اليمنيين كما تفعل القاعدة وآخرها هجوم جماعة الحوثي على إحدى المواقع التابعة لمعسكر الجيش في عمران وقتل عدد من الجنود يوم 19 مايو دون أدنى رد فعل ولو حتى الإدانة الرسمية وهي أضعف الإيمان. إننا عندما نستعرض الأحداث في بلادنا نجد أن أكثر من منطقة عسكرية قد تعرضت إلى هجمات إرهابية , وفي كل مرة يكون وزير الدفاع في الخارج , حتى حادثة الهجوم على "العرضي" والذي قيل أنها كانت تستهدف شخص رئيس الجمهورية , والذي لو قدر الله عليه بشيءٍ فإنها كانت ستكون كارثة على اليمن , إلا أن الشيء المؤكد أن اللواء علي محسن لن يكون هو الرجل الذي يستلم الحُكم بعد رئيس الجمهورية حسب الدستور اليمني . لقد كان من الطبيعي بعد تلك الأحداث تغيير وزير الدفاع , إلا أن المفاجأة كانت تغيير وزير الداخلية ورئيس جهاز الأمن السياسي ووزير النفط , أما وزير الدفاع فيمتلك حصانة "أبينية" وهذا يذكرني بحادثة احتلال جزيرة حنيش في تسعينات القرن الماضي , وكان وزير الدفاع حينها منشغلاً بالأراضي في صنعاء , وبينما كان الجميع يتوقع تغييره , إلا أن ذلك لم يحدث , فقد كان انتماؤه إلى مجموعة "سنحان" كفيلاً بإبعاده عن المساءلة . وهكذا تستمر الحكاية من مجموعة "سنحان" إلى مجموعة "أبين" . وبالحديث عن ما أسماها كاتب المقال "الصحيفة الصفراء" والذي قال أنها تنتقد وتهاجم شخص رئيس الجمهورية , وادَّعى أن هذه الصحيفة تتبع مستشار رئيس الجمهورية وتتكلم بلسانه فلنا أن نتساءل ونقول : هل مستشار رئيس الجمهورية بهذه العقلية الساذجة بحيث يجعل من صحيفة تابعة له تنتهج هذا النهج ؟ الإجابة الطبيعية لا , فالجميع يعرف أنه أذكى وأدهى من ذلك بكثير , فإن كان لابد فاعلاً – ولا أظنه يفعل ذلك – فهناك صحف عديدة وصحفيين كُثُر مستعدين للقيام بهذا الدور وكل شيء بثمنه كما يحصل في بلادنا وفي كل بلاد الدنيا, لذلكفإن الحقيقة التي لا شك فيها أن هذه الصحيفة لا تتبعه وليس له فيها نصيب ولا تتحدث باسمه , بل أن هذه الشائعة قد انتشرت منذ فترة طويلة وتم الترويج لها حتى من مالك الصحيفة نفسه بصورة غير مباشرة ليحقق من وراء ذلك أهدافاً كثيرة. أما بالنسبة لموضوع الحديقة فالقضية ليست قضية علي محسن والذي سلَّم الفرقة ومقرَّها في وقت مبكر , وإنما قضية القوة المتواجدة في الداخل والتي إلى الآن لم توفِّر لها وزارة الدفاع المساكن البديلة . وقد يستغرب المرء هذا الإصرار على تفريغها من القوة العسكرية والاستعجال في ذلك , فهل هناك مخطط لتسليم المنطقة إلى مليشيات مسلحة من هنا أو هناك ؟ وهذا لا يُستبعد , فإذا كنا عاجزين عن حماية وزارة الدفاع والمناطق العسكرية , فما بالنا بمساحة واسعة في قلب العاصمة مترامية الأطراف وخالية فلا شك أنها ستكون مغرية لأي جماعة مسلحة , فهل ستحميها مجموعة طقوم عسكرية على بواباتها ؟ الجواب معروف . إذاً بدلاً من التباكي على توجيهات رئيس الجمهورية بشأن ما أُطلق عليه تسليم الحديقة , فالأولى البكاء على قرار رئيس الجمهورية بتغيير مدير مستشفى الثورة في إب والذي رفض القرار وتمترس مع قبائله بأسلحتهم داخل المستشفى منذ عدة أشهر . فأين التباكي على هيبة الدولة وهيبة قرارات رئيس الجمهورية ؟ قرارات وليست توجيهات. من البديهي أن المستشار يتعرض لنيران عديدة , منها نيران صديقة ومنها عكس ذلك . فهناك نيران مصدرها من هم حول رئيس الجمهورية والذين لا ينظرون أبعد من أنوفهم , وبالتالي لا يدركون عواقب الأمور. ونيران ولوم في نفس الوقت مصدرها من الذين انضموا إلى التغيير استجابةً له وبتأثير منه , ثم وجدوا أنفسهم بعد ذلك من المقصيين والمهمشين في العهد الجديد , لذلك هم يحملونه المسؤولية . أما أشد النيران وأخطرها فهي تلك التي مصدرها من الذين يدركون أن الرجل كان له دور حاسم في الإطاحة بهم . والشيء المؤكد أن هناك طابوراً خاصاً مُجنِّدٌ نفسه للإيقاع بين الرئيس ومستشاره بهدف الانتقام من الاثنين معاً, حيث أن هذه الطريقة قد نجحت في الماضي في عهد الرئيس السابق . فهل سيستفيد منها الرئيس الحالي الذي عليه أن يدرك أن التفريط بمن وقفوا معه وكان لهم دور حاسم في إيصاله إلى كرسي الحُكم لها تداعيات خطيرة جداً منهاعلى سبيل المثال اهتزاز الثقة بل وانعدامها بشخص رئيس الجمهورية من قبل الغالبية من الكيانات السياسية والاجتماعية والعسكرية في البلاد ؟ لا شك أنه يدرك ذلك تماماً فهو رجل تجربة وقارئ جيد للتاريخ حسب علمي . ومن الطبيعي أنه يدرك كذلك أن الاستقواء بالداخل هو الأنجح والأمضى لأي حاكم , أما الاستقواء بالخارج فهو سحابة صيف عابرة , وكما يقول المثل اليمني "من طلبه كله فاته كله" …