قال مصدر دبلوماسي يمني إن السبب الرئيسي لتوتر العلاقات الدبلوماسية اليمنيةالإيرانية راجع الى ارتكازها على رعاية أنشطة التمدد الشيعي في اليمن وليس على رعاية المصالح المشتركة بين البلدين. ونقلت صحيفة «القدس العربي» عن المصدر قوله «إن طهران تسعى من خلال هذا التمدد الى بسط نفوذها العقائدي في جنوب شبه الجزيرة العربية ومحاصرة الدول الخليجية فكريا من الجنوب». وأشار إلى أن صنعاء حرصت دائما على تعزيز علاقاتها الثنائية مع طهران، كدولة اسلامية لها امكانيات وقدرات كبيرة وتربطها قواسم مشتركة عديدة مع اليمن، «غير أن طهران لم تكن تفكر بأي شيء سوى توسيع دائرة التمدد الشيعي في اليمن، بحكم التقارب الفكري المحدود بين مذهب الدولة الشيعي في إيران وبين المذهب الزيدي الذي يؤمن به حوالي 30 % من سكان اليمن، في المناطق الشمالية». وذكرت المصادر أن النشاط الشيعي الايراني بدأ سرا في اليمن منذ مطلع الثمانينات حتى نهاية التسعينات، عبر الواجهات الطبية والأنشطة التجارية، إثر عدم السماح بفتح مراكز ثقافية ايرانية في اليمن، كما هو الحال في بعض الدول الحليفة لها. واتخذت طهران من دعم مراكز التعليم الدينية في اليمن والمنح الدراسية وسيلة لنشر الفكر الشيعي في اليمن وتوسيع دائرة انتشاره، وكسب الكثير من مؤيديه ، وكان في مقدمة الذين استقطبتهم طهران وعلمتهم في مدارس قُم، مؤسس حركة «الشباب المؤمن» حسين بدر الدين الحوثي، الذي اشتهرت الحركة لاحقا باسمه. وظهر المد الشيعي إلى العلن بشكل منظم في اليمن عبر حركة «الشباب المؤمن» نهاية تسعينيات القرن الماضي، وتحوّل الى فصيل مسلح بدعم من نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح في بعض مناطق محافظة صعدة الحدودية مع السعودية، حيث استخدمها صالح حينذاك كجبهة واقية لوقف الزحف السعودي باتجاه الأراضي اليمنية، بواسطة هذا الفصيل العقائدي المسلح، وهو ما يحقق أهداف الطرفين اليمنيوالإيراني. وبمجرد توقيع نظام صالح لاتفاقية ترسيم الحدود اليمنية السعودية في العام 2000، مارست الرياض ضغوطا شديدة على صنعاء لسحب السلاح المتوسط والثقيل من جماعة الحوثي، تنفيذا للبنود الضمنية للإتفاقية التي تقضي بوقف دعم أي من البلدين لأي نشاط معارض ضد الدولة الأخرى، غير أن حسين الحوثي وجماعته رفضوا قطعا القبول بذلك، وحاول صالح اقناعه بالرضوخ لهذا الطلب الحكومي، حتى انفجر الوضع عسكريا بينهما فجأة دون مقدمات ودون إرهاصات في صيف 2004، حيث أقدم صالح على استخدام القوة العسكرية حينها ضد جماعة الحوثي في الحرب الأولى ضدها والتي انتهت بمقتل زعيم ومؤسس الجماعة حسين الحوثي. جماعة الحوثي التي كانوا يطلقون عليها «الشباب المؤمن» وتم تغيير التسمية قبل نحو 3 سنوات الى «أنصار الله» واجهت ستة حروب مع الحكومة في محافظة صعدة خلال الفترة من 2004 الى 2010، والتي كانت تتوسع دائرتها في كل مرة، لتخرج من المناطق التي كان يتمركز فيها الحوثيون الى مناطق أبعد من ذلك، حتى وصل الحال الى سيطرتهم على محافظة صعدة بالكامل بما فيها عاصمة المحافظة ومقراتها الحكومية، وأصبحت منذ العام 2011 تمارس فيها السلطة الفعلية وتتمتع فيها بما يشبه الحكم الذاتي واقعا بدعم مادي ومعنوي إيراني. واستغلت إيران الثورة الشعبية في اليمن خلال العام 2011 التي اطاحت بنظام صالح وخلقت وضعا سياسيا غير مستقر لتوسيع دائرة المد الشيعي في المحافظاتاليمنية، ليس فقط في مناطق الشمال المحسوبة على المذهب الزيدي، ولكن أيضا على المناطق والمحافظات السنية الجنوبية والشرقية في تعز وفي عدن وفي حضرموت وفي غيرها، عبر استقطاب بعض الشخصيات الهاشمية السنية المؤثرة هناك وتمويلهم ماديا وعسكريا والدفع بقوة نحو توسع المد الشيعي في اليمن، ليس عبر جماعة الحوثي فحسب ولكن أيضا عبر فصائل أخرى مثل الحراك الجنوبي المسلح، بزعامة نائب الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض. وأصبحت جماعة الحوثي لوحدها تمتلك مقومات دولة من أرض وشعب وسلطة، بالإضافة الى السلاح الثقيل الذي سلبوه من المعسكرات الحكومية خلال حروبهم مع الدولة وكذا الآلة الاعلامية الضخمة التي تعتبر الأوفر امكانيات في البلاد. وبعد سيطرة جماعة الحوثي عسكريا وإداريا على محافظة صعدة وبعض مناطق الشمال، سعت بقوة السلاح الى السيطرة على العديد من المناطق الأخرى في محافظاتحجة والمحويت وعمرانوصنعاء، حيث يتواجد مناصرون لها بقوة في هذه المناطق وأغلبها تعد من المناطق الحدودية مع السعودية، تتحقق في السيطرة عليها الغايات المحلية للحوثيين والأهداف البعيدة لإيران. وتعتبر جماعة الحوثي نسخة من حزب الله اللبناني، وتعتمد بشكل كبير على خبرات ايرانية وعلى عناصر حزب الله في أغلب عملياتها العسكرية والتكتيكية وفي إدارة مؤسساتها الإعلامية، حيث تبث قنواتها من العاصمة اللبنانية بيروت وتدار عبر كوادر من حزب الله. ويحظى مؤسس جماعة الحوثي حسين بدرالدين الحوثي بقدسية كبيرة في أوساط أتباعه ويعتبرونه «المهدي المنتظر» وتم تشييد ضريح كبير فوق قبره، يؤمه ويحج اليه الكثير من مريديه، فيما يتزعم الجماعة حاليا شقيقه الأصغر عبدالملك الحوثي، الذي يعد أقل شأنا منه في العلم والوجاهة. وخاضت جماعة الحوثي نهاية العام الماضي مواجهات مسلحة عديدة في أكثر من منطقة ضد خصومها من التيارات والمكونات الأخرى، كالتيار السلفي والإصلاحي والقبلي بذريعة تصفية المناطق التي تسيطر عليها من الفكر التكفيري. وكانت آخر هذه المواجهات، معارك شرسة خاضتها جماعة الحوثي خلال الثلاثة أسابيع الماضية ضد القوات الحكومية في محافظة عمران، بمبرر أن هذه القوات تحتوي على عقائديين يحملون الفكر التكفيري، ولكن الرئيس هادي شعر أن الدولة هذه المرة هي المستهدفة من هذه المواجهات فوجه القوات الحكومية بردع مسلحي الحوثي بكل ثقلها ووجه باستخدام الطائرات الحربية لردعهم وإيقافهم عند حدهم، وانتهت هذه المواجهات باتفاق لوقف اطلاق النار بين جماعة الحوثي وبين القوات الحكومية. وأصبحت جماعة الحوثي وفقا للعديد من المراقبين التحدّي الحقيقي الذي يهدد مستقبل اليمن، إثر عدم قبولها بتسليم السلاح الثقيل للدولة والتحول الى حزب سياسي في البلاد، مستغلة الدعم الايراني الكبير لها والنفوذ الميداني الذي حققته خلال ثلاثة عقود من العمل السري والعلني في مختلف المناطق اليمنية. وعلى الرغم من ذلك لن يجد الرئيس هادي والمجتمع المحلي والدولي من خيار سوى نزع السلاح الثقيل من جماعة الحوثي وإجبارها على التحول الى حزب سياسي وإلا لن يكون أمامها سوى العيش كجماعة متمردة على النظام والقانون ومحاصرة حكوميا وشعبيا، والتي قد تشهد معها العلاقات اليمنيةالإيرانية تحولا خطيرا ربما تصل الى حد القطيعة.