يقول مسؤولون في المخابرات الأمريكية بأن الكثير من أنشطة وكالة الاستخبارات المركزية داخل ألمانيا لم تكن موجهة للتحديق في أسرار برلين، بل في أنشطة الاستخبارات الروسية. فضيحة التجسس التي مزقت العلاقات الألمانية مع الولاياتالمتحدة لها جذور عميقة. على مدى عقود، كما يؤكد مسؤولو مخابرات أمريكيون حاليون وسابقون، أرسلت وكالة المخابرات المركزية وكلاءها إلى ألمانيا من دون معرفة برلين، نتيجة المخاوف من أن تُخترق الدولة الأمنية الألمانية من قبل جيرانها في روسيا. وقد عملت وكالة الاستخبارات المركزية ونظراؤها الألمان عن كثب، ولسنوات، في مواجهة الإرهابيين وإحباط طموحات إيران النووية. ولكن، وعلى الرغم من التعاون حول هذه القضايا، حافظت وكالة الاستخبارات المركزية لوقت طويل على رأيها القائل بأن دوائر المخابرات والأمن في ألمانيا قد تم اختراقها من قبل دول أجنبية. مسؤولو مخابرات أمريكيون حاليون وسابقون ممن عملوا على ملف ألمانيا قالوا لديلي بيست، بأن الكثير من أنشطة وكالة الاستخبارات المركزية داخل ألمانيا لم تكن موجهة للتحديق في أسرار الدولة الألمانية. وبأنه، وبدلًا من ذلك، تركزت الجهود بصفة أساسية على أنشطة الاستخبارات الروسية، والجماعات الإرهابية الأجنبية، ومشتريات التكنولوجيا الإيرانية. "لقد كان لدينا مشاكل خطيرة جدًا معهم بشأن مكافحة التجسس على مر السنين"، قال مسؤول استخباراتي أميركي رفيع المستوى لدايلي بيست. وأضاف: "لديهم مشاكل في مواضيع مكافحة الإرهاب والمواضيع الأخرى أكبر مما يعترفون به لأنفسهم". ورفض هذا المسؤول مناقشة تفاصيل قضية التجسس الحالية، والتي تؤرق الحكومة الألمانية اليوم. ووفقًا لروايات الصحافة الألمانية، بدأت أحدث فضيحة عندما اعترف رجل، 31 سنة من العمر، ويعمل لخدمة المخابرات الألمانية، بتطوعه للتجسس لصالح الولاياتالمتحدة. حيث قدم لضابط في وكالة المخابرات المركزية 200 وثيقة بمقابل الحصول على 34000$. ولكن، وفي تطور غريب، تبين بأن هذا الجاسوس الألماني كان يعمل مع الروس أيضًا. ويقول مسؤولو مخابرات أمريكيون بأنّ هذا التفصيل مهمّ. حيث إنه يؤكد على أوجه القصور في وكالة المخابرات الألمانية ولسنوات عديدة. وأمرت الحكومة الألمانية علنًا رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية في برلين بمغادرة البلاد يوم الخميس. ولكن لم يصدر طلب مماثل لنظيره الروسي. اتصالات روسياوألمانيا تمتد إلى ما هو أبعد من المخابرات والأمن. لقد ساعدَ مقاولو الدفاع الألمان في تدريب وتسليح الجيش الروسي. وكما لاحظت مجلة فورين بوليسي في الآونة الأخيرة، "تحافظ ألمانيا على علاقات وثيقة مع روسيا أكثر من أي بلد آخر في الاتحاد الأوروبي؛ ألمانيا هي ثالث أكبر شريك تجاري لروسيا... وتبيع روسيا إلى ألمانيا أكثر من ثلث احتياجاتها من الغاز الطبيعي والنفط". وبطبيعة الحال، رواد خدمات التجسس الحديثة في روسيا لديهم الكثير من الخبرة في العمل على الأراضي الألمانية. من المعروف أن فلاديمير بوتين أدار المخبرين من درسدن بين عامي 1985 و1990، وكانت آنذاك ضمن ألمانيا الشرقية الشيوعية. خلفاؤه لا يزالون في البلاد، وإن كانت العلاقات أكثر وديّة الآن. "هناك وجود روسي كبير في ألمانيا"، قال مسؤول كبير في المخابرات الأمريكية. وأجرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عمليات تجسس داخل ألمانيا منذ عقود دون إخبار نظرائها هناك. بطبيعة الحال، ألمانيا حليف، ولكن ليس هناك أي تفاهمات بين وكالات المخابرات في البلدين، تتعهد فيها الولاياتالمتحدة بعدم تجنيد عملاء ألمان أو بإبلاغ الألمان عن جميع أنشطتها داخل بلدهم. هذا النوع من التفاهمات يوجد بين وكالة المخابرات المركزية وأربع دول ناطقة بالإنجليزية هي أستراليا، وكندا، ونيوزيلندا، والمملكة المتحدة. وقال ضابط متقاعد في وكالة الاستخبارات المركزية، بأن علاقة الوكالة مع المخابرات الألمانية مماثلة لعلاقة الوكالة مع وكالة الموساد الإسرائيلية، "حيث نحن نعمل معهم، ولكننا أبدًا لا نثق تمامًا بهم".