تعد اليمن من أكثر المناطق العربية الساخنة التي تعج بالاضطرابات والصراعات الداخلية نظرا لقيام بناءها الاجتماعي على أساس قبلي ومذهبي، ومن ناحية أخرى لكونها مسرحا لتنفيذ أجندات خارجية تتمثل في إيران ومشروعها الصفوي. ويعتبر الحوثيون هم اللاعب الأبرز على الساحة اليمنية كحركة سياسية ذات بعد مذهبي، وبما لديها من نفوذ وقوة، بالإضافة لكونها الذراع الإيراني في اليمن على غرار حزب الله اللبناني الشيعي. ويقف الحوثيون حاليا بحشود عسكرية هائلة على حدود العاصمة صنعاء تمهيدا لإسقاطها بقوة السلاح والتعاون مع أتباعها في الداخل، ولم تفلح محاولات التهدئة والتي بادرت بها الحكومة عندما أعلنت عن استعدادها للتنازل، غير أن قد بدا أن الحوثيين لن يتنازلوا عن فكرة إسقاط الحكومة وإعلان دولتهم المستقلة، وفي سبيل ذلك يحبطون بعنجهية أو بدبلوماسية كل رؤية تطرح للتهدئة والتعايش السلمي. الحوثيون النشأة والتحول الفكري ورغم أن الحوثيين ينتمون بالأصل إلى الزيدية والتي هي أقرب طوائف الشيعة إلى الاعتدال، إلا أنهم تحولوا إلى المذهب الشيعي الجعفري، أو الشيعة الإمامية الإثنى عشرية، نتيجة التمدد الإيراني وسعي الدولة الفارسية لتصدير الثورة الخمينية، وجهودها المكثفة لاستمالة أصحاب المذهب الزيدي. وتعتبر بداية الظهور الحقيقي للحوثيين في بداية التسعينيات من القرن العشرين الميلادي، حيث خرجت في صعدة حركة تنظيمة أطلقت على نفسها "الشباب المؤمن" تحت قيادة مؤسسها بدر الدين الحوثي، ثم تولى رئاستها ابنه حسين بدر الدين الحوثي. ورغم أن نشاط هذا التنظيم كان في البداية فكريا يهدف إلى تدريس المذهب الزيدي إلا أنه بعد فتح المجال للتعددية الحزبية بدأ التنظيم في ممارسة العمل السياسي وكان له مقعد في مجلس النواب ممثلا عن الطائفة الزيدية. وبدأ الشقاق يدب بين علماء الزيدية وبين الحوثي الأب بسبب آراء الأخير التي تخالف المنهج وتميل لمذهب الإمامية الإثنى عشرية، ما دعا علماء الزيدية لإصدار بيان للتبرؤ منه. وعلى إثر ذلك سافر الحوثي إلى إيران وتشبع هناك بالمذهب الجعفري ليعود بعد سنوات بأفكار الشيعة الإمامية الإثنى عشرية بحذافيرها يروج لها ويرسل بأبناء صعدة إلى الحوزات العلمية في قم والنجف لأتمام بنائهم الفكري والمنهجي. وقد استطاع الحوثيون كسب تعاطف كثير من اليمنيين بشعاراتهم الرنانة التي رفعوها ضد أمريكا وإسرائيل كالموت لأمريكا والموت لإسرائيل، على غرار ما فعله حزب الله بل وتقوم به إيران منذ أيام الخميني. بعض عقائد الحوثيين وأهدافهم السياسية: يدعو الحوثيون لفكرة الإمامة والتي هي لب منهج الإمامية الإثنى عشرية، ويعتقدون أن الحكم لا يصح إلا في أبناء علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يخالف مذهبهم الزيدي السابق. كما أنهم كالإمامية يناصبون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم العداء، ويكفرونهم، يقول كبيرهم بدر الدين الحوثي: " أنا عن نفسي أؤمن بتكفيرهم (أي: الصحابة) لكونهم خالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله" وكما هو حال الشيعية الإمامية، يعادي الحوثيون أهل السنة ويحرضون ضدهم، ويستحلون دماءهم وأموالهم. ويروج الحوثيون دائما لفكرة الخروج والإعداد لمواجهة نظام الحكم، ويمجدون ثورة الخميني ويستلهمون من روحها حراكهم التصعيدي، ويعتبرون حزب الله اللبناني هو النموذج الذي ينبغي أن يسيروا عليه. من أخطر الأفكار التي يؤمن بها الحوثي إيمانه بالمهدي في فكرته الرافضية، وإيمانه بضرورة التمهيد لعودة المهدي مع ما يصاحب ذلك من احتلال للحرمين الشريفين وتصفية أهل السنة والجماعة، والقضاء على الأنظمة السنية الحاكمة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. أبرز رموز الحركة: حسين بدر الدين الحوثي: الابن الأكبر لبدر الدين الحوثي، والمحرك الأول للجماعة والمؤسس الفعلي لها، تلقى تعليمه على المذهب الزيدي على يد والده قبل التحول إلى منهج الإمامية، وأسهم بفاعلية مع رموز وشخصيات مثقفة زيدية في تأسيس "حزب الحق" عام 1990م، وانتخب عضوًا في مجلس النواب ممثلًا عن "حزب الحق" في دائرة مران من العام 1993-1997م. أسس تنظيم الشباب المؤمن عام 1991، وزار إيران ومكث مع أبيه عدة أشهر في قم، كما قام بزيارة "حزب الله" في لبنان. وصفه أحد الكتاب في أحد المواقع الاثني عشرية بقوله: "حسب علمنا الحسي وقراءاتنا لكتبه وتتبعنا لحركته أنه متأثر حتى النخاع بثورة الخميني في إيران، حيث إنه خضع لدورات أمنية وسياسية وغيرها في لبنان عند حزب الله، ولديه ارتباط قوي بالحرس الثوري الإيراني". كما رفع شعارات التأييد ل"حزب الله" اللبناني، ورفع أعلامه في بعض المراكز التابعة له. كان يفرض حول نفسه هالة وحراسة مشددة بدعوى أنه مستهدف من أمريكا، وقاد التمرد ضد الحكومة اليمنية، وقتل في الحرب الأولى عام (2004) عن (46) سنة. عبد الملك الحوثي: وهو القائد الثاني للحوثيين، ولد في صعدة عام 1979، تلقى تعليمه أيضا في المدارس الدينية الزيدية، وبعد وفاة أخيه حسين الحوثي عام (2004)، تزعم التيار الحوثي متجاوزًا شخصيات بارزة أخرى في التيار، من بينها عدد من أشقائه الذين يكبرونه سنًا، وأصبح القائد الفعلي لحركة التمرد، وأسس عام 2007 موقع المنبر الإلكتروني لنقل وجهة نظر حركته للعالم. الدور الإيراني: لم يعد التدخل الإيراني في الشأن اليمني خافيا، وعلى وجه الخصوص الدعم المستمر للحوثيين باعتبارهم ممثلين عن الحكومة الصفوية في اليمن، على أساس انتمائها للمذهب، وبما تفرضه عقيدة الإمامة على أتباعها وحصر انتمائهم في الدولة الأم "إيران". فمن جهة لا تكف إيران عن الصياح بشأن أقلياتها الشيعية في بلاد العرب وقضاياهم، وتحاول بشتى الطرق إلصاق تهمة اضطهاد الطوائف الشيعية في البلاد العربية، ومن بينها جماعة الحوثيين في اليمن. كما أن لإيران دور بارز في الإعداد الفكري والمنهجي عن طريق البعثات الدراسية إلى قم والنجف التي يقوم بها الحوثيون، ما جعل المذهب الجعفري يطمر المذهب الزيدي الذي كانوا عليه أولا. وتسخر إيران آلتها الإعلامية من فضائيات وصحف في الترويج لقضية الحوثيين في اليمن، كما يظهر ذلك الدعم من خلال تصريحات قادة النظام الإيراني. وقد أدى التسليح الإيراني لجماعة الحوثي إلى أن تكون ندا قويا للقوات الحكومية اليمنية لدرجة أن الحكومة الحالية عرضت منذ أيام الاستقالة مقابل التهدئة بعد أن حشدت الجماعة مسلحيها على حدود صنعاء تمهيدا لاقتحامها، وتواتر النقل الأعلامي بضبط شحنات أسلحة إيرانية تم توقيفها كانت في طريقها إلى الحوثيين، فلم يعد الدعم الإيراني العسكري للحوثيين خافيا. المسار العسكري للحوثيين: بدأت مرحلة التنظيم المسلح العلني للشباب المؤمن (اسم النشأة للحوثيين) في منتصف عام 2004، حيث تحول إلى ميلشيات عسكرية ذات بعد مذهبي، وخاض خمسة حروب مع الجيش النظامي اليمني في مدة أربع سنوات، وكانت تتخلل تلك الحروب فترات من الهدنة غالبا ما يبادر بها الجيش. وبعد مقتل حسين الحوثي المؤسس، لم تزل الجماعة في قوتها، وخاض بها أخوه عبد الملك الحوثي الحرب الخامسة مع الجيش اليمني، إلا أنه وسع نطاقاتها وفتح جبهات جديدة قرب محافظة صنعاء. وقد ظهر في الآونة الأخيرة التسليح القوي للحوثيين والتدريب على الأسلحة المتطورة التي جعلتهم يصمدون طيلة هذه السنوات، مدفوعين بالبعد الأيديولوجي الذي غرسه الحوثي في مقاتليه، الأمر الذي جعلهم يستميتون في القتال، ويرفضون أي رؤى للتعايش السلمي تتعارض مع أهدافهم أو تعرقلها. ودخلت الحكومة اليمنية الحرب السادسة مع الحركة في شهر أغسطس عام 2009م بسبب الخروقات و الاعتداءت التي قام بها أنصار الحوثي ضد قوات الجيش وأبناء صعدة. وأعلن وزير الإعلام في الحكومة اليمنية حسن اللوزي يوم الثلاثاء 25 أغسطس/آب أن اتفاقية الدوحة المبرمة بين الحوثيين والحكومة اليمنية بشأن الوضع في صعدة انتهت، وذلك بسبب إرادة تخريبية لقادة العصابات الحوثية. تحالف الحوثيين مع الرئيس اليمني السابق: يرى الكثيرون أن هناك تحالفا بين الرئيس اليمني السابق ورئيس حزب المؤتمر الشعبي العام على عبد الله صالح، وبين الحوثيين وأنه يلعب دورا في الحرب الدائرة حاليا، ولهذه الرؤية ما يعضدها فمن ذلك أن صالح قد اتصل هاتفيا بزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي يهنئه بانتصار ميلشياته على مقاتلي حزب الله في عمران والذين ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين. ومن جهة أخرى لم يخف صالح هذا التحالف ضمن تصريحاته الأخيرة بشأن استعداده للتسامح والمصالحة مع خصومه السياسيين، إلا أنه وضع قيدا لتلك المصالحة وهو ألا يكون تحالفه مع طرف على حساب طرف آخر، ما حدا بأستاذ العلوم السياسية الدكتور نبيل الشرجبي إلى أن يرى في ذلك رسالة واضحة لحزب التجمع اليمني للإصلاح (الاخوان المسلمين) بأن المصالحة معهم لن تكون على حساب التحالف مع جماعة الحوثي التي كان جلياً خلال الأيام الماضية تعاون حزب المؤتمر معها. الصمت الغربي: اللافت للنظر في الحرب الدائرة في اليمن هو التغافل الأمريكي الأوربي والذي لم يعهد عليهما تجاه الشئون الداخلية في البلاد العربية والإسلامية، فهي في التصنيف الأمريكي تندرج تحت الشئون الداخلية التي لا ينبغي للشرطي العالمي أن يتدخل فيها، بخلاف ملفات أخرى تحظى بالاهتمام والتدخل من قبل أمريكا والاتحاد الأوربي. وينبني الموقف الأمريكي خاصة، تجاه الأحداث الجارية في اليمن، على علاقتها المزدوجة مع دولة إيران، ذلك الموقف الذي يلقي بظلاله على كل المشاهد التي تلتقي عليها الدولتان، فقضية الحوثيين بتبعيتهم المعروفة لإيران تجعلها محلا لعلاقات تقاطع المصالح بين أمريكاوإيران، على غرار كف إيران ذراعها اللبناني (حزب الله) عن مناوشة إسرائيل مقابل التهدئة فيما يختص بالملف النووي الإيراني من قبل إيران وحلفائها، وهذا ما يفسر الصمت الدولي تجاه الأزمة في اليمن، والمحاولة المستميته للحوثيين في إسقاط الدولة الشرعية وإعلان دولتهم المستقلة.