إيقاعات الوجع اليمني في شمال البلاد وجنوبها الممتد منذ فجر الوحدة اليمنية عام90 لا يزال مستمراً وفي تطور ملحوظ ودائماً ما يسقط على كاهل الشعب اليمني، وهذا نتاج لسياسات فاشلة في إدارة البلاد لم تكن على السياق الذي يطمح إليه كل اليمنيين. بؤرة الأحداث في اليمن تتركز هذه الأيام داخل العاصمة صنعاء، وعلى تخومها، حيث يخيم الحوثيون هنالك على مداخل العاصمة بعدتهم وعتادهم العسكري الذي كسبوه من سلسة معارك متتالية مع قوات الجيش سواء في صعده -معقلهم الرئيسي- التي شهدت ستة حروب خاضها الجيش إبان حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، أو المدد الإيراني الذي يصلهم من طهران حد ما تقوله الجهات الرسمية في البلاد، وهاهم اليوم بكل ما استطاعوا أن يضعوه بحوزتهم من سلاح يستعدون لاقتحام العاصمة اليمنيةصنعاء من مداخلها الأربعة حيث خيامهم منصوبة وسلاحهم مكدس، وكذلك رجالهم في وضع الجاهزية والاستعداد. عبد الملك بدر الدين الحوثي وهو زعيم الجماعة دائماً ما يلوح بخطاباته إلى خيارات مقلقة ومزعجة في خطواته التصعيدية تجاه الحكومة اليمنية التي يصفها بالفاشلة، لكن خطابه الأخير الذي ألقاه قبل أمس من محافظة صعده كان خطاب تحدي، بل وصفه البعض بأنه خطاب حرب يريد عبد الملك الحوثي من خلاله أن يبرز عضلاته في الساحة اليمنية التي تمر في حالة صعبة من أكثر من ناحية. الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بدأ يستشعر الخطر الذي قد يصدر من جهة الحوثيين خاصة وأن صنعاء طوقت من جهاتها الأربع، هادي بدأ يأخذ الإحتياطات ويدعو للاجتماعات الطارئة مع وزراء الحكومة والقيادات الأمنية والعسكرية، وقيادات الأحزاب ،والشخصيات الاجتماعية في خطوة يحاول من خلالها الرئيس هادي احتواء الموقف السائب في العاصمة صنعاء، كذلك دعا الرئيس هادي قوات الجيش والأمن مؤخراً لرفع درجة التأهب القصوى تحسباً لأي طارئ قد يحدث من جهة مليشيات الحوثي المسلحة. غداً الجمعة سيكون يوماً استثنائياً في الساحة اليمنية حيث وأن زعيم جماعة الحوثي يصف مرحلته التصعيدية الثالثة بالمؤلمة والتي ستبدأ عقب صلاة الجمعة ،في هذه الأثناء يحشد الحوثي أنصاره من أكثر من محافظة يمنية خاصة من المحافظات القبلية(صنعاء ،عمران، حجة، ذمار، صعده) إلى مخيمات الاعتصام المنصوبة في مداخل صنعاء وهي خطوة أخيرة قبل أن يبدأ الحوثي بتنفيذ خياراته المؤلمة حد قوله. العديد من المحاولات أجراها الرئيس هادي في محاولة منه لتجنب الخيارات العسكرية، وامتصاص الغضب ،خاصة وأن الجيش اليمني يخوض معاركه مع أكثر من جبهة سواء في "حضرموت" جنوباليمن مع أنصار الشريعة، أو في "الجوف "شمال اليمن مع الحوثيين أنفسهم، فقد أرسل الرئيس هادي لجنة للتفاوض مع زعيم الجماعة إلى معقله في صعده قبل أسبوع، لكنها باءت بالفشل مع تمسك الطرفيين بمواقفهما، فالحوثي يطالب بإقالة الحكومة اليمنية "حكومة الوفاق الوطني" ،وفسخ قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية الذي أصدر أخيراً تفادياً لانهيار الاقتصاد الوطني الذي كان على حافة الهاوية، وكذلك يطالب الحوثي بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني التي رفضها رفضاً قاطعاً عندما زعم أنه لا يعترف بالمبادرة الخليجية التي فتحت السبيل لمؤتمر الحوار الوطني، وعزف عن الحضور للجلسة الختامية للمؤتمر، ورفضه قرار تقسيم الأقاليم الذي كان يبحث من خلاله لإيجاد منفذ بحري لإقليم "آزال" الذي يضم(صنعاء،ذمار،صعده،عمران) ولم يوفق. بينما الرئيس هادي مصراً على إبقاء الجرعة السعرية "قرار رفع الدعم" في المشتقات النفطية للحفاظ على الاقتصاد الوطني والعملة الوطنية للبلد، إلا أنه أتفق مع الحوثي في تشكيل حكومة جديدة تضم أصحاب الكفاءات والقدرات بعيداً عن المحاصصة الحزبية، أما في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني رأى الرئيس هادي أن المسئولية تقع على عاتق اليمنيين أجمع وعلى كل القوى الشعبية والأطياف السياسية في البلاد بما فيهم جماعة أنصار الله "الحوثيين"، هذه هي المواقف التي يتمسك بها الطرفان "الرئيس هادي، وزعيم الحوثيين" . لا شك أن الحوثي المدعوم من إيران يتخذ هذه المطالب كعباءة يتستر فيها لتنفيذ رغباته في البلاد، فلو لاحظنا سعر العشرين لتر من البترول في صعده سنجد أن قيمته تصل إلى خمسة ألف ريال يمني قبل اتخاذ قرار رفع الدعم بينما كانت الكمية ذاتها بسعر 2500ريال في عموم محافظات الجمهورية القابعة تحت سلطة الدولة، ناهيك عن الجبايات التي يفرضها الحوثي على سكان صعده فيما يسميه حق أهل البيت، وفواتير الماء والكهرباء المضاعفة على المواطنين هنالك في صعده التي تعتبر اليوم في قبضة الحوثي تماماً مع تواجد شكلي للدولة في المحافظة، وهذا يتناقض تماماً مع مزاعم الحوثي حول مصلحة الشعب التي خرج لأجلها، وذاته الحال في عمران التي وقعت في قبضته-أي الحوثي- نهاية الشهر المنصرم بعد انتصاره على قوات الجيش في المحافظة وسيطرته على اللواء310 بكل عدته وعتاده. كماً هائلاً من السلاح لدى الحوثي وانتصار يعقبه انتصار على قوات الجيش اليمني في أكثر من موقع قد يعطي إشارة واضحة في قدرة الحوثيين على دخول صنعاء والسيطرة عليها، لكن الرئيس هادي يبدو أنه اتخذ موقفاً حاسماً تجاه الوضع ويربط آماله بالدول الراعية للمبادرة الخليجية ،لكن وفي كلا الحالتين فإن حرباً ضروس ستشهدها العاصمة صنعاء، ما لم يتم اتخاذ خطوات سريعة لتجنب الوقوع في الحرب مع جماعة الحوثي، ويبدو أن الرئيس أصبح يتيقن تماماً لما ستؤول إليه الأمور ويعرف أن خيار المواجهة بات أمر حتمي يقع على عاتقه.