إذا ما كنت قد تواجدت من قبل في الملعب وسط صراخ الآلاف من مشجعي كرة القدم أو الموسيقى، فستعرف مسبقًا ما يعنيه تدفق عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع في هونغ كونغ هذا الأسبوع. فعندما يجتمع عددٌ كبيرٌ من الناس في مساحة صغيرة، فإن خدمة الإنترنت تتوقف. من المفترض أن تساعد الهواتف الذكية في تسهيل تنظيم الاحتجاجات، ولكنها تصبح بلا فائدة عندما تتزايد الأحمال على أبراج البث أو عندما تقرر الحكومات وقف الاتصالات. وهونغ كونغ تشهد حدوث كل ذلك؛ فوجود الآلاف من الناس في الشارع يعني أن يصبح الإنترنت عبر الهاتف النقّال لا طائل منه في المناطق المكتظة بالمحتجين، كما أنّ السلطات الصينية قامت بحظر تطبيق الإنستغرام فى البر الرئيس، وهو التطبيق الذي يفضله المنشقون الصينيون، لأنّه واحد من عدد قليل من الشبكات الاجتماعية التي لم يتم حظرها في البلاد بعدُ. ولمواجهة هذه المشكلة، تحوّل المتظاهرون في هونج كونج إلى تطبيق FireChat، وهو التطبيق الذكي الذي يتيح للمستخدمين التواصل حتى عندما لا يستطيعون الاتصال بالإنترنت أو إرسال الرسائل. وعلى عكس برامج المحادثة التي تعمل عبر الإنترنت، فإنّ برنامج FireChat يربط المستخدمين القريبين ضمن مساحة تصل إلى حوالي 250 قدمًا. ثم يمكن لمجموعة أكبر من الناس في نفس المحيط، الانضمام إلى الدردشة، وتوسيع شبكة المتصلين لأبعد من ذلك. وقريبًا جدًّا يمكن أن ينضمّ ما يصل إلى بضعة آلاف من الناس إلى الدردشة، وكل ذلك يحدث دون أن يكون الشخص متصلًا بالإنترنت. يقوم برنامج FireChat على فكرة التشبيك، وتعني أن كلّ جهاز ضمن الشبكة يعمل كنقطة لتوسيع نطاق تلك الشبكة. لقد كانت هذه الفكرة موجودة منذ عقود، كما زادت شعبيتها كوسيلة للتواصل أثناء الكوارث مثل الأعاصير. ولكن هونغ كونغ اكتشفت أنها مفيدة خلال العصيان المدني أيضًا. وقد أشارت إحصاءات الشركة المنتجة للبرنامج إلى أن أكثر من 200 ألف شخص قد قاموا بتحميل التطبيق بين يومي الأحد والثلاثاء الماضيين، وهو ما يعدّ أعلى قفزة للرسوم البيانية للشركة في المنطقة. وقال أحد المواطنين من هونغ كونغ إنّ ارتفاع شعبية برنامج FireChat المفاجئة لا تعتبر "مفاجأة كاملة"؛ لأن شعبيته كانت قد ارتفعت أيضًا بين المتظاهرين التايوانيين في مارس الماضي. كما إنّ التطبيق يعد الأحدث ضمن سلسلة طويلة من التقنيات التي ساعدت في إشعال جذوة الاحتجاجات واسعة النطاق. ففي عام 2009، أطلقت الثورة الخضراء في إيران مصطلح "تويتر الثورة" تعبيرًا عن ولع المحتجين بتنظيم أنفسهم عبر تويتر، وبالمثل في عام 2011 انتشر هاشتاج "احتلوا وول ستريت" قبل أن تبدأ احتجاجات الشارع. كما إن الفيسبوك واليوتيوب، في الوقت نفسه، قد أوصلتنا إلى الخطوط الأمامية خلال الربيع العربي والحرب الأهلية في سوريا، كما يتم استخدامها كأدوات تجنيد للمتمردين المناهضين للحكومة والجماعات الجهادية. ولكن على الرغم من أهمية تويتر، والفيسبوك ويوتيوب، إلّا أنهم يشترطون الاتصال بالإنترنت بخلاف تطبيق FireChat. ومع ذلك، لا يعتبر تطبيق FireChat حلًا مثاليًا بالنسبة للمحتجين. فغرف الدردشة مفتوحة، مما يجعل من السهل على أي شخص الانضمام إليه، ويمكن أن يكون ذلك الشخص هو السلطة المحلية التي تتجسس على ما يجري. ومع ذلك، فإنّ الشركة تعمل على إذخال تحديثات على التطبيق مثل الرسائل الخاصة والتشفير.