في 21 أيلول/ سبتمبر فاجأت جماعة "أنصار الله"، المعروفة أيضاً بجماعة "الحوثيين،" العالم بسيطرتها على العاصمة اليمنيةصنعاء في يوم واحد. وعلى الرغم من أنه لم يتم تسليط الضوء على هذا الحدث على المستوى الدولي، إلا أن عملية السيطرة هذه تمثل تطورًا إقليميًا هامًا، ويمكن أن تقدم لليمن فرصة تاريخية. إن الهوية الزيدية القبلية الشمالية هي عبارة عن مزيج مركب من العوامل الجغرافية (الجبال الشمالية)، والدينية (الزيدية، وهي فرع من الإسلام الشيعي)، والقبلية، بزعامة إمام. في خلال جزء كبير من تاريخ اليمن سيطر هؤلاء الأئمة على معظم منطقة شمال اليمن، حتى إن بعض الأقوياء منهم فرضوا سيطرتهم على المناطق الأدنى من الشمال وتلك الواقعة في جنوباليمن. بيد أن ثورة العام 1962 في شمال اليمن، والتي أنشأت نظاماً جمهورياً، أنتهت حكمهم، على الرغم من أن هيمنة النخبة القبلية الزيدية ظلت قائمة. ومع ذلك، عندما تولى علي عبد الله صالح، وهو ضابط قبلي من الطائفة الزيدية، السلطة في العام 1978، كان ذلك إيذانًا ببدء حقبة جديدة من هيمنة النخبة العسكرية القبلية الشمالية. فقد فضل الرئيس صالح القبائل الزيدية المتواجدة حول صنعاء على قبائل أخرى، فتم إقصاء القبائل الشمالية من محافظة صعدة الأكثر ولاء للأئمة الزيديين، عن عملية التنمية والخدمات الاجتماعية وفرص العمل. وعلى الرغم من أن شبه غياب الدولة سمح للأئمة الزيديين بمواصلة قيادتهم الروحية والزمنية، إلا أن التوغلات الكبيرة للمذاهب السنية المتطرفة في قلب الديانة الزيدية في الصعدة دفع بالشباب في المنطقة إلى اللجوء إلى وسائل مقاومة أخرى من أجل إيصال شكواهم. أتى تأسيس جماعة "أنصار الله" تتويجًا لهذه الجهود. وعلى الرغم من جذورها الأيديولوجية التقليدية، فان "أنصار الله" جماعة سياسية وعسكرية حديثة، اتخذت "حزب الله" اللبناني نموذجًا لها، معطية الأهمية للانضباط والمصداقية والعمل الفعّال على المستوى الشعبي، إضافة إلى توفير الخدمات الأساسية لمجتمعها، وإنفاذ سيادة القانون، وتحقيق العدالة السريعة. على هذا النحو، يناقض نموذج حوكمتها بشكل كبير الحكومة الفاسدة وغير الفاعلة في باقي مناطق اليمن. برزت جماعة "أنصار الله" على الساحة عقب هزيمة القوات الحكومية في سلسلة من الحروب ما بين العامين 2004 و2009. ورغم أنها شاركت في الانتفاضة الشعبية ضد الرئيس صالح في العام 2011 ، إلا أنها لم تنضم إلى ائتلاف المعارضة أو تشارك في حكومة الوفاق الوطني المكلفة إدارة عملية الانتقال السياسي. لكن في وقت لاحق، وافقت جماعة "أنصار الله" و"الحراك الجنوبي"، وهي حركة تطالب باستعادة الدولة الجنوبيةاليمنية، على المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني ولجنة صياغة الدستور. وقد رُفضت هذه الخطوات الإيجابية على مدى العامين الماضيين بما أن التحالف العسكري القبلي السياسي السني بقيادة "حزب الإصلاح السني" والجنرال علي محسن، وهو الذي قاد الحروب ضد مدينة صعدة، منع "أنصار الله" من الانضمام إلى الحكومة. إضافة إلى ذلك، اتهم التحالف باستبدال المسؤولين الحكوميين السابقين من حزب "المؤتمر الشعبي العام" بأعضاء من حزب "التجمع اليمني للإصلاح". لقد جمع هذا الاستبعاد المنهجي ما بين النخبة القبلية الزيدية الشمالية من حزب "المؤتمر الشعبي العام" و"أنصار الله". ففي سياق الربيع العربي الذي أنهى احتكار النخبة القبلية الزيدية للسلطة ودعا إلى عهد فيه نظام سياسي يشمل كافة شرائح المجتمع بشكل أوسع، كان السخط من "التجمع اليمني للإصلاح" وحلفائه مستشريًا في صفوف شيوخ القبائل في أنحاء صنعاء. وقد استغلت جماعة "أنصار الله" هذا الشعور بالسخط وهاجمت معاقل المتطرفين السنة في صعدة والمحافظات المجاورة لها. وبعد محاولة أولى فاشلة لوقف هذا التقدم، قرر حزب "التجمع اليمني للإصلاح" عدم الاقتتال مع "أنصار الله". أما على المستوى العسكري، فقد قامت الحكومة الانتقالية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهو جنرال سني جنوبي شغل منصب نائب الرئيس صالح حتى العام 2012، بإعطاء الأولوية لإعادة هيكلة الأجهزة العسكرية والأمنية. على مدى العامين التاليين، جرى استبدال عشرات من القادة الأمنيين والعسكريين بقادة جدد موالين للرئيس هادي. بيد أن الفساد والمحسوبية القبلية وغياب الانضباط العسكري كلها عوامل أدت إلى الإبقاء على التقسيم وعدم فعالية القطاعين الأمني والعسكري، إذ إن العديد من الضباط من المستوى المتوسط ، وحتى بعض كبار القادة، لا يزالون موالين لصالح أو لمنافسه الجنرال علي محسن. وقد برز هذا الموقف بوضوح عندما أقدم أحد الموالين للجنرال محسن وهو قائد وحدة رئيسية في محافظة عمران التي تبعد 30 ميلًا شمالًا عن صنعاء، على عصيان أوامر القائد العام للقوات المسلحة بتسليم قيادته لضابط آخر. هذا الأمر أعطى ل"أنصار الله" الفرصة للتقدم نحو عمران وقتل القائد والاستيلاء على المدينة في 9 تموز/يوليو. وقد أظهر هذا الانتصار السريع للرئيس عبد ربه هادي أن حكومته، المشلولة بسبب السياسات الحزبية الثانوية و ايضاً بسبب الانقسام والفساد، كانت عاجزة عن وقف تقدم "أنصار الله" نحو صنعاء. وكل ما كان مطلوبًا في هذا السياق كان الحصول على ذريعة. وفي 30 تموز/ يوليو، سنحت الفرصة أمام الجماعة، إذ أثار قرار الحكومة بإيقاف دعم الوقود موجة من الغضب الشعبي. كما أن تحالف "أنصار الله" مع الرئيس المخلوع صالح سمح لها بحشد الموالين لصالح (من "حزب المؤتمر الشعبي العام"، والجيش، والقبائل) وغيرهم من رجال القبائل الغاضبين والمدججين بالسلاح للمشاركة في الاعتصامات في مواقع استراتيجية بالقرب من المنشآت العسكرية الرئيسية في شمال وجنوب وغرب صنعاء. وقد عززت هذه الاعتصامات المواجهة مع الوحدات العسكرية في المنطقة، وبحلول منتصف أيلول/سبتمبر تحول الوضع إلى حرب شاملة مع موالي محسن في شمال صنعاء. في غضون يومين، سيطرت جماعة "أنصار الله" على المدينة، ونهبت أسلحة الوحدات العسكرية التي تنتمي إلى الجنرال محسن. وفي اليوم الثاني، تم إنهاء القتال رسميًا من خلال التوقيع على "اتفاق السلام والشراكة"، مما مهد الطريق لحقبة جديدة من سيطرة النخبة القبلية الزيدية الشمالية، ولكن هذه المرة بنفحة طائفية قوية وروابط تجمعها بإيران. بصفته الحزب الإسلامي الرئيسي في اليمن على امتداد العقدين المنصرمين، لحق الأذى بحزب "الإصلاح" جراء هذه التطورات الأخيرة. إلا أن إعادة ترسيخ وضعه في المحافظات السنية، بما في ذلك محافظتي إب وتعز، يبرز أن حزب "الإصلاح" تعرض لكدمات وليس لإصابات خطيرة في هيكله. أما الخاسر الأكبر فهو حزب "المؤتمر الشعبي العام" الذي كان الحاكم سابقًا. وفي إطار تشجيع الرئيس صالح لدعم "أنصار الله"، ليس لدى أعضاء "المؤتمر الشعبي العام" أي حافز في الوقت الحالي للتخلي عن هذه القوة السياسية التي تم الحصول عليها حديثًا. لذا من المرجح أن يظهر الحزب أضعف من حزب "الإصلاح". وللمرة الأولى في التاريخ الحديث، تهيمن على اليمن جماعتان طائفيتان: "أنصار الله" وحزب "الإصلاح". وفي حال كانت الإدارة سيئة، قد يؤدي هذا إلى عملية استقطاب خطرة ستدفع باليمن وبسرعة نحو نموذج الفتنة الطائفية في سوريا. مع ذلك، فإن تفوق قوة خارجة عن النطاق السياسي المعتاد مثل "أنصار الله" يشكل أيضًا فرصة لتحفيز الإصلاحات في البلاد. على عكس النخبة السياسية التقليدية القائمة في صنعاء، والتي أحبط فسادها عمليات الإصلاح وشل الدولة، فإن جماعة "أنصار الله" لا تزال عبارة عن لاعب سياسي جديد "لم يُصب بأذى بعد." كما أن التزامها بالحوكمة الرشيدة وبمكافحة الفساد فضلًا عن رئيس وزراء قوي ومدعوم بشكل كامل من الرئيس، تُعد عوامل يمكن أن تساعد اليمن على تنفيذ الإصلاحات الحقيقية والضرورية التي يمكن أن تعيد البلد إلى المسار الصحيح لتحقيق النمو الاقتصادي. بالتالي، فإنها فرصة لا ينبغي تفويتها. * مستشار سياسي و خبير تنمية ، وأيضاً محلل و ناشط سياسي. يشغل حالياً منصب رئيس "توق" وهي منظمة غير حكومية للدفاع عن الديمقراطية، ومنصب نائب رئيس مركز "خبراء" للتنمية والخدمات الاستشارية في صنعاء. بالاضافة الى ذلك، الارياني هو عضو في اللجنة الاستشارية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش.