طاقة نظيفة.. مستقبل واعد: محطة عدن الشمسية تشعل نور الأمل في هذا الموعد    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    "نوخان شبوة" تُسقط شبكة مخدرات: 60 كيلو حشيش في قبضة الأمن    "طاووس الجنان" و"خادمة صاحب الزمان"...دعوة زفاف لعائلة حوثية تُثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مافيها(صورة)    الحكومة تطالب بتحرك دولي لوقف تجنيد الحوثي للأطفال تحت غطاء المراكز الصيفية    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    الدوري الاوروبي ... ميلان وليفربول يودعان البطولة    الدوري السعودي ... الشباب يكتسح ابها بخماسية    "لا حل إلا بالحسم العسكري"..مقرب من الرئيس الراحل "علي صالح" يحذر من مخيمات الحوثيين الصيفية ويدعو للحسم    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    انفجار مقذوف من مخلفات الحوثي في 3 أطفال في قعطبة    الحوثيون والبحر الأحمر.. خطر جديد على كابلات الأعماق مميز    مصرع وجرح عدد من العناصر الإرهابية على يد القوات الجنوبية بوادي عومران    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    لجنة الطوارئ بمأرب تباشر مهامها الميدانية لمواجهة مخاطر المنخفض الجوي    انطلاق أعمال الدورة ال33 للمؤتمر الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) لأفريقيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة الى 33.970    سقوط 9 مدنيين في الحديدة بسبب الألغام ومخلفات الحرب خلال مارس الماضي مميز    الرئيس: مليشيا الحوثي تستخدم "قميص غزة" لخدمة إيران ودعم الحكومة سيوقف تهديداتها    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    إسقاط طائرة تجسس حوثية في شقرة بمحافظة أبين    تأجيل مباريات الخميس في بطولة كرة السلة لأندية حضرموت    دراسة: اقتصاد العالم سيخسر 20% بسبب التغيرات المناخية    عن العلامة اليماني الذي أسس مدرسة الحديث النبوي في الأندلس - قصص رائعة وتفاصيل مدهشة    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    ترحيل آلاف اليمنيين من السعودية    أضرار مادية وخسائر بشرية بسبب الفيضانات شرقي اليمن وإغلاق مدينة بالكامل    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    ليلة للتاريخ من لونين.. وخيبة أمل كبيرة لهالاند    أهلي جدة: قرار رابطة الدوري السعودي تعسفي    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    فضيحة قناة الحدث: تستضيف محافظ حضرموت وتكتب تعريفه "أسامة الشرمي"    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    ثلاث مساوئ حوثية أكدتها عشرية الإنقلاب    اليمن: الكوارث الطبيعية تُصبح ظاهرة دورية في بعض المحافظات الساحلية، ووزير سابق يدعو لإنشاء صندوق طوارئ    مأساة إنسانية: صاعقة رعدية تُفجع عائلتين في تعز    على رأسهم مهدي المشاط ...ناشطة حوثية تدعو إلى كسر الصمت حول قضية السموم الزراعية في اليمن    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    نيابة استئناف الامانة تتهم 40 من تجار المبيدات والأسمدة بارتكاب جرائم بيئية وتعريض حياة الناس للمخاطر    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل ايران تشكل خطرا على الدول العربية .. الباحث البخاري يقدم سرداً تاريخيّاً لسلوك إيران وسياساتها للإجابة على هذا السؤال
نشر في الخبر يوم 15 - 10 - 2014


مقدمة
منذ فترة طويلة، فكرت في كتابة مقالة أو تقرير عن السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية، والكيفية التي تنظر بها إيران للعالم والأحداث من حولها، لكنّي قررت تأجيل الموضوع لمرات عديدة ولأسباب مختلفة.
ومع تزايد أعداد المقالات والتقارير عن النفوذ والسياسة الإيرانية في الأسابيع الأخيرة، وتحديدًا بعد سيطرة جماعة الحوثي على صنعاء، ومع كميّة المغالطات التي ذكرها الكثير من الكتّاب عن إيران لأغراض شخصية أو ربما جهلًا منهم، قررت أخيرًا كتابة هذه الورقة البحثية. والحقيقة الأولى هي أن محتواها سيزعج ويصدم الكثير من القرّاء.
تنشأ نسبة كبيرة من الشعوب العربية على حقائق مشوهة عن إيران أو الطائفة الشيعية، وكلما تقادمت السنين انتشرت هذه المغالطات وازداد عدد مصدقيها. بداية من المد الصفوي وتصدير الثورة الإسلامية، مرورًا بالتعاون السري مع إسرائيل، ثم المخططات الشيطانية الطائفية لتفكيك الخليج والشرق الأوسط، كراهية العرب وتقديس الفرس أو المجوس، والقائمة تطول وقد لا تنتهي.
سابقًا، كنا نقول إن الجهل وقلة المعرفة هما السبب في انتشار مثل هذه الحكايا والخرافات، لكن للأسف اتضح أنه حتى المطلعين والمثقفين ركبوا الموجة ولم يسعوا أو يجتهدوا في البحث والاطلاع في تاريخ إيران الحديث ومحاولة فهم سياستها الحالية. إن أي محاولة لفهم أو تحليل السلوك الإيراني الحالي لن تكون دقيقةً ما لم نرجع بالزمن للنصف الأول من القرن العشرين ونقرأ الأحداث والوقائع التي حصلت منذ ذلك الحين.
أختم مقدمتي بهذا النص من كتاب (إيران من الداخل) للأستاذ فهمي هويدي:
"إلى حد كبير، فقد نجحت الآلة الإعلامية الجبارة، ذات القدرة الفائقة على تشكيل الأعماق وغسيل المخ، في قلب الصورة الإيرانية بالكامل في الوعي العام. واستثمرت في ذلك أخطاء إيرانية يتعذر تبريرها أو الدفاع عنها، إضافة إلى هزال الإعلام الإيراني وعجزه، وطوق الحصار المحكم الذي فرض على الثورة الإيرانية، بعد أشهر قليلة من نجاحها.
كانت نتيجة ذلك ومحصلته أن أصبحت المسألة الإيرانية مدرجة في قوائمنا السوداء على المستوى الرسمي. وإن غسيل المخ الإعلامي حوّل إيران إلى قرين للشر المطلق حتى باتت الصورة العامة المستقرة عنها في الأذهان قاتمة وكئيبة، تبعث على النفور من إيران، ومن الثورة، بل وربما من أي تطبيق إسلامي أيضًا. تحولت تلك الانطباعات إلى "مسلمات" وثوابت، وإلى لغة في الخطاب ومنهج في الرؤية حتى بات الكلام المحايد عن إيران صوتًا نشازًا، بل نوعًا من الخروج عن النص المعتمد. وعند البعض، صار مثل هذا الكلام خروجًا عن الانتماء القومي والعربي، وعند آخرين أصبح يصنف خروجًا عن الانتماء المذهبي، "والصراط" المستقيم" [1].
الملكية الدستورية والانقلاب على مصدق (1906 – 1953) [2]
أسّس إسماعيل الصفوي الإمبراطورية الصفوية في عام 1501 واستمرت لما يزيد على قرنين من الزمان، وبسقوطهم حكمت السلالة الأفشارية منطقة بلاد فارس. ثم تبعهم القاجاريون الذين حكموا البلاد أكثر من مئة عام إلى أن سقطوا سنة 1925.
خلال السنوات الأخيرة للمملكة القاجارية، شهدت البلاد حراكًا شعبيًا ومطالبات إصلاحية نتيجة للفساد وارتفاع قيمة الضرائب، بالإضافة لبيع مظفر الدين شاه الحق الحصري في الحصول على النفط والغاز الطبيعي واستغلالهما لمدة 60 عامًا لويليام دارسي (رجل أعمال بريطاني). استمرت الأحداث لخمس سنوات وأطلق عليها اسم الثورة الدستورية (1906-1911)، والتي يمكن اعتبارها نقطة البدء للتاريخ الإيراني الحديث.
للتفصيل أكثر، في أواخر عام 1905 وافق مظفر الدين شاه على فكرة إنشاء مجلس (برلمان) إيراني، لكنه ماطل شعبه لعدة شهور ولم يطبق الفكرة. وبعد أن تجمع الآلاف من الإيرانيين واحتلوا مجمع مباني المفوضية البريطانية وصنعوا منها مركزًا لتعليم مبادئ الديمقراطية، شعر مظفر الدين بالحيرة في كيفية التعامل مع الحشود، فاضطر للموافقة مرة أخرى على إنشاء المجلس.
شهدت إيران يوم 7 أكتوبر من عام 1906 أول اجتماع لمجلسها الشعبي. وفي الثلاثين من ديسمبر من العام نفسه، تم إقرار الدستور لتصبح إيران "مملكة دستورية"، لكن بعدها بأسبوع توفي مظفر الدين وخلفه ابنه محمد لمدة عامين.
كان محمد شاه معارضًا بشكل قاطع لفكرة الديمقراطية وكان له أتباع يدعمونه. في شهر يونيو عام 1908، قام رجاله (لواء القوزاق) بحرق مبنى المجلس، مما أدى لأحداث شغب استمرت لشهور سقط فيها العديد من القتلى، ولجأ بسببها الشاه للمفوضية الروسية واختبأ فيها.
وفي فترة لاحقة من عام 1908، تم إنشاء الشركة الأنجلو-فارسية -لاحقًا تمت إعادة تسميتها للشركة الأنجلو-إيرانية- التي تولت السيطرة على اكتشاف النفط واستخدامه مستفيدة من الحق الحصري الذي حصل عليه ويليام دارسي، وفي عام 1913 اشترت الحكومة البريطانية 51٪ من أسهم الشركة بأوامر من ونستن تشرشل. بعد أن هرب محمد شاه تم تعيين ابنه أحمد في منصب الشاه، وكان مراهقًا يبلغ من العمر 12 عامًا.
شكّل صغرُ سن أحمد شاه وجهله نقطة إيجابية لصالح البريطانيين، استفادوا منها عام 1919 بتوقيع اتفاقية مع الشاه سيطروا بموجبها على الجيش والخزانة وطرق النقل والمواصلات وشبكات الاتصالات الإيرانية. باختصار، أصبحت إيران بموجب هذه الاتفاقية دولة تابعة لبريطانيا.
منذ بداية أحداث الثورة الدستورية، صعد نجم الشاب محمد مصدق (1882-1968). ففي أول انتخابات للمجلس، ترشح مصدق وفاز بمقعد عن دائرة أصفهان، لكنه لم يستطع تولي المنصب لأنه لم يكن قد تجاوز الثلاثين حينها. ابتعد بعدها عن السياسة وتفرغ لإتمام دراسته في القانون.
أحد أهم الأحداث التي شهدتها إيران الحديثة حصلت في يوم عشرين فبراير عام 1921 عندما توجه أعضاء لواء القوزاق بقيادة رضا خان بهلوي لطهران وقبضوا على رئيس الوزراء وجميع أعضاء المجلس، وأجبروا أحمد شاه على تعيين رئيس وزراء جديد (سيد زيا طبطبائي) بالإضافة لتعيين رضا بهلوي قائدًا للواء القوزاق.
كانت هذه خطة بريطانية تهدف لإزاحة الضعيف أحمد شاه من السلطة وتعيين شخص أقوى منه لتنفيذ أوامر الحكومة البريطانية، لكنهم لم يريدوا فضح الخطة فأجلوا مسألة تعيين رضا بهلوي لحين آخر. خلال الأشهر التالية، قام رضا بطرد سيد زيا من منصبه وأصبح رئيسًا للوزراء، واقترح أيضًا على أحمد شاه أن يغادر البلاد في رحلة علاجية.
كان رئيس الوزراء رضا بهلوي يعلم تمامًا مدى القدرة والموهبة التي يتمتع بها محمد مصدق، فحاول الاستفادة منه بأي شكل من الأشكال. عينه أولًا وزيرا للمالية، وخلال توليه للمنصب شن مصدق حملة ضد الفساد شكلت خطرًا على رضا بهلوي وأقيل من منصبه.
ثم عينه وزيرًا للخارجية، لكن عقلية مصدق المؤمنة بالديمقراطية والإصلاح لم تتفق مع تسلط رضا واستبداده؛ فاستقال من منصبه. قرر بعدها مصدق الترشح للانتخابات، ففاز بالقدر الكافي من الأصوات وانضم أخيرًا للمجلس، وأصبح أحد أقوى معارضي رضا بهلوي.
في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1925، تقدم مؤيدو رضا بهلوي في المجلس باقتراح لترقيته لمنصب الشاه، لكن محمد مصدق عارضهم واعتبر تجمع السلطتين الإدارية والملكية في يد شخص واحد استبدادًا ورجعية. لم تكن معارضة مصدق للاقتراح كافية، فتمّ ترسيم رضا بهلوي في منصب الشاه في شهر أبريل عام 1926. وبهذا انتهى حكم السلالة القاجارية، وبدأ عهد البهلويين، آخر ملوك إيران.
بعد أن تولى رضا منصب الشاه بفترة بسيطة، قام بحظر إنشاء أحزاب المعارضة وبذل كل ما بوسعه كي لا يتمّ انتخاب أي من معارضيه في المجلس. نجحت مساعي رضا وخسر محمد مصدق وبقية المعارضين مقاعدهم، وابتعد مصدق مرّة أخرى عن الساحة السياسية.
كان رضا متأثرًا جدًّا بالقائد التركي كمال أتاتورك، وتشابه معه في كراهيته لمظاهر التدين الإسلامي، لكنه على عكس أتاتورك، لم يصنع شيئًا إيجابيًّا يستحق الذكر للأمة الإيرانية. في عام 1935، تحديدًا حظر الشاه الحجاب، فاحتشد مئات المعارضين لهذا القرار في أحد المساجد، وعندما علم الشاه بتجمعهم أمر قواته باقتحام المسجد وقتلهم. بعد هذه المجزرة تخوف الناس من معارضة قرارات رضا بهلوي حتى لا يلحقهم ذات المصير. وفي السادس عشر من سبتمبر عام 1941، تنازل عن المنصب لابنه محمد رضا ذي الواحد وعشرين عامًا.
لم تشهد سنوات رضا بهلوي أيّ انتخابات نزيهة للمجلس. لكن بعد تنازله عن العرش، أجريت انتخابات عام 1943 وترشّح لها محمد مصدق وفاز فيها ليعود مرة أخرى لعمله كمعارض للسلطة. كانت تلك الفترة هي أشدّ فترات الاستغلال البريطاني للثروات الإيرانية، وكان مصدق معارضًا لما يجري، بالإضافة لنسبة كبيرة من الشعب.
فقام عدد من أعضاء المجلس بطرح موضوع إلغاء الامتياز (الحق الحصري) الذي منح لويليام دارسي سابقًا. لم تناسب هذه الفكرة البريطانيين، فبدؤوا بالضغط على الشاه ليعارضها أيضًا، وفي الجهة المقابلة تم تشكيل تحالف وطني مكون من عدة أحزاب سياسية واتحادات عمالية تهدف للتقليل من النفوذ الأجنبي عمومًا والبريطاني خصوصًا بقيادة محمد مصدق، وأسموه "الجبهة الوطنية".
في شهر يناير 1951، أطلقت حملة شعبية تطالب بتأميم شركة النفط الأنجلو-إيرانية، وفي 15 مارس من نفس العام تم تصويت المجلس بالموافقة على قرار التأميم الذي وقع عليه الشاه بالموافقة لاحقًا، لكن الغالبية في البرلمان البريطاني رفضوا القرار واشتعلت نيران غضبهم.
في السادس من مايو 1951، تقدّم محمد مصدق لمنصب رئاسة الوزراء وتمت الموافقة في ذات اليوم. وفور توليه للمنصب أصدر عدة قرارات تتعلق بموضوع النفط للتضييق على البريطانيين، من بينها تعيين مهدي بازركان كعضو منتدب لشركة النفط، مما اضطر (إريك دريك) مدير عام الشركة الأنجلو-إيرانية لمغادرة إيران.
وفي نفس الشهر، وضعت بريطانيا خطتين لغزو إيران، كانت إحداها (عملية القرصان) للاستيلاء على معمل تكرير النفط وتأمينه باستخدام قوات مكونة من 70 ألف جندي، لكنهم تراجعوا عن تنفيذها لاحقًا. وفي الثاني والعشرين من شهر أغسطس، فرضت بريطانيا عقوبات اقتصادية على إيران رغبة منها في إلغاء قرار التأميم والإطاحة بمصدق. وقامت بريطانيا أيضًا بسحب جميع موظفيها العاملين في مصنع التكرير من إيران.
وعندما نشرت الحكومة الإيرانية إعلانات في الصحف العالمية عن حاجتها لمختصين في مجال النفط، ضغطت بريطانيا على عدة حكومات كي لا تصدر تأشيرات سفر لمواطنيها للذهاب لإيران. ثم عرضت مؤسسة أمريكية خدماتها على الحكومة الإيرانية، لكنها سحبت العرض بعد تهديدها من قبل وزارة الخارجية الأمريكية التي كان يديرها (دين أتشيسون). في الوقت ذاته، كان الرئيس (هاري ترومان) يعارض التوجهات البريطانية ويحاول تقريب وجهات النظر لحل الأزمة.
ازدادت الأمور سوءًا عندما فاز حزب المحافظين البريطاني بقيادة الاستعماري (ونستون تشرشل) بغالبية الأصوات في شهر أكتوبر 1951، فقد كان تشرشل دائمًا من أشد المعارضين لقرار تأميم النفط. بالإضافة لقرار محمد مصدق بإغلاق السفارة البريطانية في طهران بعدها بعام في أكتوبر 1952حينما علم عن محاولات بعض العملاء البريطانيين للتخريب وزعزعة الأمن.
وأخيرًا، بفوز (دوايت آيزنهاور) في انتخابات الرئاسة الأمريكية في شهر نوفمبر من ذات العام. كانت رؤية آيزنهاور مخالفة لهاري ترومان ومشابهة لتشرشل إلى حد كبير. فعندما ضاقت الأمور بالحكومة الإيرانية بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، طلب مصدق دعمًا اقتصاديًّا من الحكومة الأمريكية في شهر مايو 1953، لكن آيزنهاور رفض الطلب بحجة عجيبة، ألا وهي أن الحكومة الأمريكية لا تملك حق التصرف في أموال الضرائب التي يدفعها المواطنون الأمريكان دون الأخذ بمشورتهم -العجب يكمن في أن نسبًا كبيرة من أفراد الشعب الأمريكي اليوم يعارضون تقديم المعونات الاقتصادية والعسكرية للحكومة الإسرائيلية من أموال الضرائب، لكن الحكومة لا تهتم بهذه الاعتراضات.
بعد عدة شهور من توليه للمنصب، أظهر الرئيس آيزهاور رضاه عن عملية انقلاب على محمد مصدق كانت بريطانيا تخطط لها منذ عدة أشهر، ووافقت حكومته على العملية في الخامس والعشرين من يونيو 1952.
وعندما أظهرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية اهتمامها بتنفيذ العملية، انتقلت المهمة من أيدي البريطانيين لأيدي الأمريكان. ثم وافق رئيس المخابرات الأمريكية (آلان داليس) على إرسال مبلغ مليون دولار إلى مكتبهم بطهران كي تستخدم في الإطاحة بمصدق بأي طريقة ممكنة. جدير بالذكر أن بريطانيا كانت تملك شبكة كبيرة من الجواسيس داخل إيران وظفتهم على مدار عدة سنوات، وحان وقت الاستفادة منهم أثناء هذه العملية التي أطلق عليها اسم (أياكس).
يعد الإخوة راشيديان (سيف الله، أسد الله، وقدرة الله) من أشهر الخونة الذين شاركوا في عملية الانقلاب، بالإضافة للجنرال فضل الله زاهدي الذي تولى منصب رئيس الوزراء بعد نجاح العملية، وعلي جليلي وفاروق كيفاني اللذين كانا يعملان لصالح المخابرات الأمريكية منذ 1951.
خلال عملية الانقلاب، حصل شغب كبير في الشوارع، اقترح مساعدو مصدق عليه أن يرسل قوات الأمن لمعاقبة المتظاهرين والمشاغبين، لكنه رفض الفكرة واعتبرها قمعًا لحرية التعبير ومنافية للديمقراطية، لكنه اضطر في النهاية لاستخدام القوة بعد أن اشتكى السفير الأمريكي من تصرفات المتظاهرين تجاه المقيمين الأمريكان.
أخيرًا، نجحت العملية وسقط مصدق يوم الأربعاء التاسع عشر من أغسطس عام 1953 بجهد أمريكي بريطاني. قتلوا التجربة الديمقراطية في إيران وأعادوها للحكم الملكي الاستبدادي تحت حكم محمد رضا.
تم اتهام الوطني محمد مصدق بالخيانة العظمى ومحاولته لإزاحة الشاه من الحكم والانقلاب على الملكية، فحكم عليه بالسجن المؤبد، قضى منها ثلاثة سنوات ثم وضعوه تحت الإقامة الجبرية في منزله بقرية أحمد أباد حتى توفي في الخامس من مارس عام 1967. (ظلت تفاصيل هذا الانقلاب سرًّا في أدراج المخابرات المركزية الأمريكية لا يعلمها سوى القليلين لمدة 47 عامًا، إلى أن تم تسريب نسخة من تقرير العملية لصحيفة نيويورك تايمز عام 2000).
الشاه حليف الغرب.. واندلاع الثورة الشعبية
أصبح الشاه محمد رضا بهلوي مدينًا لأمريكا بالكثير بعد عملية الانقلاب. وفي شهر أكتوبر من عام 1953، أرسل وزير الخارجية الأمريكي (جون فوستر داليس) -أخو رئيس المخابرات الأمريكية (آلان داليس)- مبعوثًا مختصًا في الشؤون والاستشارات البترولية إلى إيران لإعادة تشغيل الشركة الأنجلو-إيرانية والتأكد من ضمان نسبة كبيرة من الأرباح لصالح الشركات الأمريكية.
تم توقيع الاتفاقية التي نتج عنها تأسيس جمعية (Consortium) ضمت عدة شركات أمريكية وبريطانية للاستفادة من الثروة البترولية الإيرانية. في المقابل بلغ الدعم الأمريكي لإيران خلال العقد الأول بعد الانقلاب حوالي مليار دولار توزعت بين دعم اقتصادي وعسكري [3].
ساعد الدعم العسكري الذي قدمته أمريكا في إنشاء جهاز السافاك العسكري، وهي الأداة التي كانت تقمع معارضي الشاه وتصفيهم. كانت نواة جهاز السافاك ولدت قبلها بعدة سنوات عندما بدأ الجندي الأمريكي (نورمان شوارتسكوف) بتدريب أعداد كبيرة من الجنود الإيرانيين في عام 1942 بأوامر من الشاه [4].
وبعد التأسيس الرسمي عام 1957، كان جهاز السافاك يتلقى مساعدات من جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد). وفي عام 1961، اعترف محمد رضا بدولة إسرائيل. ومن المهم التنويه بأن دعم أمريكا للانقلاب كان لهدفين رئيسين: المكاسب الاقتصادية، ومواجهة السوفييتين والتقليل من نفوذهم. حيث كانت أجهزة الأمن الإيرانية تضم العديد من أعضاء حزب تودة الشيوعي الذين تم إعدامهم أو اعتقالهم بسبب انتمائهم للحزب. وطبعًا، لم يكن الشيوعيون وحدهم من ذاقوا مرارة القمع الملكي، بل واجه الإسلاميون والقوميون من أتباع مصدق نفس المعاملة من جهاز السافاك [5].
شهدت سنوات ما بعد الانقلاب عدة خطط إصلاحية بقيادة الشاه نفسه. تركزت هذه الإصلاحات على قطاع الأراضي، حيث كان يقدم المساعدات للمزارعين وسكان القرى والمناطق الريفية، بينما يضيق على التجار وأصحاب النفوذ مما زاد من شعبيته بين البسطاء وغير المتعلمين، سميت عمليات الإصلاح هذه بالثورة البيضاء.
أما تبعيته لأمريكا وسياسته التغريبية فقد كانت منقطعة النظير، حيث سمح بتأسيس قنوات وصحف لا تعرض سوى البرامج الأمريكية، وفرض مراقبة دقيقة جدًّا على الصحف ودور النشر ليضمن ألا ينتقدوا أو يهاجموا أمريكا. وبلغت بيوت الدعارة في طهران وحدها أكثر من ثمانين، بينما كان عدد الخمارات يتجاوز الألفين [6].
هنا سأطرح سؤالًا للبعض الذي يتحسر اليوم على عصر الانفتاح الإيراني وينتقد الرجعية الحالية: ما رأيكم في أساليب القمع والاستبداد التي اتبعها الشاه لفرض التغريب "بدعم أمريكي" على المجتمع الإيراني؟ أخيرًا، كانت أمريكا هي أول من طرح فكرة المفاعل النووي على إيران بدعم فرنسي وألماني، حصل ذلك عندما كانت أمريكا تسيطر على إيران وتديرها كيفما تشاء.
مع ازدياد الاضطهاد الملكي الشاهينشاهي لمعظم فئات المجتمع الإيراني بمختلف معتقداتهم وانتماءاتهم، كان من الطبيعي جدًّا أن ينفجروا غضبًا عليه. لم تكن الثورة في بدايتها إسلامية، فلولا تواجد القوميين بقيادة مهدي بازركان -الذي عينه محمد مصدق سابقًا كعضو منتدب في شركة النفط للتضييق على البريطانيين- والشيوعيين ودعمهم للثورة لما نجح الإسلاميون وحدهم في إزاحة محمد رضا عن كرسيه عام 1979.
صحيح أن النسبة الكبرى من الثوار هم من الإسلاميين بقيادة العديد من العلماء والملالي، لكن الصورة التي ارتسمت في أذهان معظم الناس حول العالم (إسلامية الثورة) كان سببها ردة الفعل الأمريكية المشيطنة للإيرانيين تجاه اقتحام مجموعة من الطلاب للسفارة الأمريكية واحتجاز أفرادها. في الحقيقة، كانت ردة فعل هؤلاء الطلاب طبيعية جدًّا، لا سيّما وأن الرئيس الأمريكي (جيمي كارتر) رحب باستضافة الشاه في أمريكا بعد اندلاع الثورة، ممّا جعل الإيرانيين يعتقدون بأن أمريكا تخطط لتنفيذ انقلاب آخر، وتعيد محمد رضا إلى الحكم [7].
ومن الضروري التذكير بأن الحكومة الأمريكية جمدت أصولًا بنكية تعود ملكيتها لإيران بقيمة تبلغ حوالي 12 مليار دولار، لم تسترجعها إيران كاملة إلى يومنا هذا. نعم عزيزي القارئ، أنا وأنت والغالبية العظمى من سكان هذا العالم واقعون تحت تأثير قوة الإعلام الأمريكي.
وبالإمكان الاستدلال على عدم إسلامية الثورة بأن أول رئيس لإيران بعد الثورة كان العلماني (أبو الحسن بني صدر)، بالإضافة لرئيس الوزراء ومعظم أفراد الحكومة. لكن الأمور أخذت مجرى آخر بعد الثورة بعامين نتيجة لبعض الخيانات التي حصلت من قبل بعض الأطراف والأحزاب، تحديدًا أثناء حرب الخليج الأولى (الإيرانية-العراقية) في الثمانينيات الميلادية. سأتحدث عن هذه الخيانات في القسمين التاليين.
حروب الخليج.. علاقات متوترة
شهد عام 1979 نجاح الثورة الإيرانية الشعبية، بالإضافة لوصول صدام حسين لمنصب الرئيس في العراق. وبسبب بعض الخلافات الحدودية بين البلدين، انطلقت حرب الخليج الأولى باعتداء القوات العراقية على مواقع إيرانية في الثاني والعشرين من سبتمبر عام 1980، وردت إيران بضربات مضادة في اليوم التالي. استمرت الحرب لثماني سنوات شهدت أحداثًا عديدة لا يتسع المجال لذكرها هنا بالطبع، لكني سأستشهد ببعضها، خصوصًا تلك التي لعبت أمريكا دورًا فيها.
بداية، دعمت الولايات المتحدة النظام العراقي بقيادة صدام، واتخذت جميع الدول العربية نفس الموقف الأمريكي باستثناء سوريا وليبيا، على الرغم من أن صدام كان صاحب المبادرة في الاعتداء [8]. حيث زودت أمريكا الحكومة العراقية بالأسلحة والمعدات العسكرية، ودعمتها بتقنيات تستخدم الأقمار الصناعية لمراقبة تحركات القوات الإيرانية [9].
وفي الثامن عشر من أبريل عام 1988، خلال الشهور الأخيرة من الحرب، نفذت القوات البحرية الأمريكية عملية (فرس النبي) التي هاجمت فيها مجموعة من السفن والناقلات الإيرانية داخل المياه الإقليمية الإيرانية، حيث تعد هذه العملية إحدى أكبر العمليات البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، وكانت أحد الأسباب التي أدت لإعلان إيران وقف الحرب وإطلاق النار. وفي الثالث من يوليو لنفس العام، أطلقت البحرية الأمريكية قذيفة ضربت بها طائرة ركاب إيرانية، ذهب ضحيتها 290 مدنيًّا من دول عديدة.
بعد الحادثة، ادعت البحرية الأمريكية أن العملية لم تكن مقصودة ظنًّا منهم بأنها طائرة حربية. ورفضت الحكومة الأمريكية تقديم الاعتذار عما حصل، بل إن الرئيس ريغان قام بتكريم القيادي المسؤول عن إطلاق القذيفة بميدالية خاصة.
من الحوادث التي شهدتها سنوات حرب الخليج الأولى كانت اختطاف مجموعة من الدبلوماسيين الأمريكيين كرهائن في لبنان عن طريق حزب الله عام 1982، بالإضافة لمحاولات أمريكا لدعم قوات (كونترا) للإطاحة بالحكومة الاشتراكية في نيكاراجوا باعتبارها تدعم المبادئ الشيوعية السوفييتية. حاولت الحكومة الأمريكية تحرير الرهائن بأي شكل من الأشكال، أحد الحلول كانت عبر التواصل مع الحكومة الإيرانية لإقناع قادة حزب الله بالإفراج عن المحتجزين.
وكما ذكرت فقد كانت أمريكا تقف بجانب العراقيين في الحرب على إيران، ما يعني أنها اضطرت للتنازل والخضوع وإتمام صفقة بيع الأسلحة (إيران-كونترا) عام 1986. تعد هذه الصفقة من أكبر الفضائح في تاريخ الحكومة الأمريكية وكادت أن تتسبب في إقالة الرئيس (رونالد ريغان) من منصبه. تمّت صفقة (إيران-كونترا) بتعاون أمريكي-إسرائيلي واتصالات متبادلة لفترة طويلة، ولهذا يتجه الكثير من المثقفين والسياسيين العرب لاتهام "إيران الثورة" بالتعامل مع إسرائيل، والبعض يستشهد بحادثة تفجير المفاعل النووي العراقي في السابع من يونيو عام 1981 عن طريق القوات الإسرائيلية بأنه دعم لإيران خلال الحرب. لكن الحقيقة تقول إنه لا توجد أي أدلة تدعم هذا الاتهام.
فقد كان التواصل الإيراني مقتصرًا على الأمريكيين، والأمريكيون وحدهم من كانوا يتواصلون مع الجانب الإسرائيلي. حيث بدأت المحادثات بين أمريكا وإسرائيل حول هذا التعاون عندما طلب عضو وكالة الأمن القومي الأمريكية (روبرت ماك فارلين) من المستشار (مايكل ليدن) أن يذهب لمقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي (شيمون بيريز)، ثم تبعتها عدة اجتماعات مع مسؤولين إسرائيليين. بلغ عدد شحنات الأسلحة ستّ شحنات أولها في العشرين من أغسطس 1985 وآخرها في الواحد والثلاثين من أكتوبر 1986، توجهت الثلاث شحنات الأولى من إسرائيل لإيران بعد موافقة أمريكا وبمساعدة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بينما تولت أمريكا أمر بقية الشحنات، ولم تكن لإسرائيل أيّ يد فيها. ويعتقد بعض المحللين أن إسرائيل وافقت على المشاركة في العملية لكسب بعض العلاقات داخل إيران وتحقيق مكاسب خاصّة [10].
وبالنسبة لحادثة تفجير المفاعل النووي العراقي، فقد كانت لأهداف ومصالح إسرائيلية بحتة، كونها لا ترغب أن تكون هنالك أيّ دولة تملك مفاعلات نووية في الشرق الأوسط سواها. ولذات الهدف، حاولت إسرائيل التجسس على أحد مواقع المفاعلات النووية الإيرانية عن طريق طائرة بدون طيار (درون) خلال أحداث غزة الأخيرة صيف 2014، لكن قوات الحرس الثوري الإيراني نجحت في إسقاطها.
أما دول الخليج وعلاقتها بإيران خلال سنوات الحرب، فقد كانت تدعم الجانب العراقي لعدة أسباب، أهمها ادعاؤها بأن الإيرانيين أرادوا تصدير الثورة لدول الجوار (سأتعرض لهذه المسألة في أحد الأقسام القادمة).
وبعد حرب الخليج الأولى بثلاث سنوات تقريبًا اقتحمت قوات صدام حسين الكويت واحتلتها، حينها وقفت دول الخليج وأمريكا إلى جانب الكويت.
واتضح جليًّا أن صدام رجل لا يرغب في السلام، وتم تحرير أراضي الكويت فيما تمّ تسميته بحرب الخليج الثانية عام 1991.
بعدها تقدمت الحكومة الإيرانية بمبادرة للتعاون مع دول الخليج لحفظ الأمن في المنطقة، لكن دول الخليج رفضت الاقتراح الإيراني ووقعت اتفاقية أمنية مشابهة مع الحكومة الأمريكية [11]. وهذا التعاون بين أمريكا ودول الخليج هو ما يجعل إيران على حذر دائم، بالإضافة لأسباب أخرى سأذكرها لاحقًا.
الانقسامات الداخلية.. صراع الإصلاحيين والمحافظين
خلال السنوات الأولى من الثورة، حصل العديد من المواقف التي غيرت مجرى الأمور، فمالت الكفّة لصالح الإسلاميين وسيطروا على الدولة. فأول رؤساء إيران (أبو الحسن بني صدر) كان قوميًّا وعلمانيًّا تتشابه أفكاره مع الراحل محمد مصدق. وعندما بدأت حرب الخليج الأولى لم يكن يريد خوضها، بل فضل إيقافها. لم تعجب توجهاته هذه أتباع الإمام الخميني، المرشد الأعلى للثورة.
وكان الخميني بذاته أيضًا يفضل المواجهة، فتمت تنحية بني صدر من منصبه في العاشر من يونيو عام 1981، وفي الشهر الذي يليه هرب إلى فرنسا خوفًا من تهديدات الأتباع المتشددين للخميني. أما ثاني الرؤساء، فكان محمد علي رجائي الذي لم يكن قد أكمل شهرًا واحدًا في منصبه عندما اغتاله بعض أفراد (حركة مجاهدي خلق) خلال اجتماع برلماني ذهب ضحيته رئيس الوزراء أيضًا [12].
خلال سنوات حرب الخليج، سمح الرئيس صدام حسين لأعضاء هذه الحركة بالإقامة في العراق، ودعمهم بالمال والسلاح، حيث كان لهم دورٌ فاعل في مقاتلة القوات الإيرانية على المناطق الحدودية.
أيضًا، كان قائد القوات البحرية الإيرانية (الجنرال أفضلي) عضوًا في حزب تودة الشيوعي، حيث قيل إنه كان ينقل مخططات الحكومة الإيرانية أثناء الحرب لقادة الحزب، والحزب يرسلها لموسكو، وموسكو بدورها ترسلها لصدام حسين. ومن الأسباب الأخرى التي جعلت الإسلاميين يسيطروا على الحكومة ويضطهدوا الكثير من معارضيهم، أن 60-80٪ من قادة الثورة تم قتلهم خلال الأشهر الأولى من الثورة.
ويَذكر فهمي هويدي في كتابه أيضًا أنه قد تم تنفيذ ثماني محاولات انقلاب منذ بداية الثورة حتى عام 1983 كان أطرافها من البهائيين واليهود، حيث موّلهم أحد اليهود الذين هاجروا لإسرائيل بعد الثورة، وهو ابن ملياردير إيراني اسمه (حبيب الله القانيان) الذي كان حليفًا للشاه وإسرائيل، وتم إعدامه في بداية الثورة [13].
وحتى بعد أن تمكّن الإسلاميون من إحكام سيطرتهم، ظهرت العديد من الاختلافات فيما بينهم، حيث انقسموا إلى ثلاث مجموعات. الأولى هي مجموعة المحافظين (أو المتشددين)، وهم من يمثلون الغالبية العظمى من أفراد الحرس الثوري والقضاء ومجلس الشورى؛ الثانية مجموعة المعتدلين ويقودهم الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني؛ والثالثة هي مجموعة الإصلاحيين التي يقودها الرئيس السابق أيضًا محمد خاتمي. أما المرشد الأعلى علي خامنئي، فعلى الرغم من أنّه صاحب أقوى سلطة ونفوذ في إيران، إلّا أن مواقفه تتغير بتغير الرئيس وتوجهاته.
إذا ألقينا نظرة على توجهات الرؤساء الإيرانيين منذ أن تولى علي خامنئي منصب المرشد الأعلى عام 1989، سنجد أن اثنين من ثلاثة رؤساء أعلنوا صراحة رغبتهم في عودة العلاقات مع أمريكا، بعكس ما يروج له الإعلام الإيراني الحكومي من جهة، وما يدعيه الإعلام العربي من جهة أخرى.
فالرئيس المعتدل رفسنجاني الذي تولى الرئاسة عام 1989 حتى عام 1997، حاول إعادة العلاقات مع نظرائه الأمريكيين، لكن أمريكا هي من تعنتت ورفضت وهاجمت إيران. مثلًا، قام (جيمس وولزي) مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تحت حكومة (بيل كلينتون) بوصف إيران بأنها الدولة الفاسدة المتبقية الوحيدة التي تشكل خطرًا على أمريكا عندما قارنها بكوبا، ليبيا، كوريا الشمالية، والعراق [14].
وعندما كان رفسنجاني في طريقه لتوقيع عقود تجارية مع عدة شركات أمريكية، قطع بيل كلينتون الطريق عليه وعارض الفكرة، بالإضافة إلى فرضه عقوبات اقتصادية قاسية على إيران في شهر مارس من عام 1995[14].
وقام كلينتون أيضًا باتهام إيران مرات عديدة بأنها داعمة للإرهاب. وفي رده على أحد الأسئلة الموجهة إليه من قبل مراسل قناة (ABC) عما إذا كانت إيران تملك أي أدلة لنفي الاتهام الأمريكي أجاب الرئيس رفسنجاني: "المدعي هو من عليه إثبات ادعاءاته وليس المدعى عليه. فلتذهب أمريكا إلى أي محكمة دولية لتقديم أدلتها على هذا الاتهام، حينها سنقبل في إيران بالحكم الذي ستصدره المحكمة" [15].
ومن بعد رفسنجاني، تولى الرئاسة الإصلاحي محمد خاتمي من عام 1997 إلى 2005. كان خاتمي وزيرًا للثقافة عام 1992 لكن توجهاته الليبرالية المنفتحة أدت إلى إقالته من المنصب [16].
وخلال حملته الانتخابية، وعدَ بتعزيز دور القانون وسيادته، وحماية حقوق المرأة في المجتمع الإيراني. ونظرًا لتوجهاته واهتمامه بموضوع الحرية السياسية في أولى سنوات رئاسته، تفاءلَ العديد من الغربيين بأن العلاقات الأمريكية-الإيرانية قد تكون أكثر سلاسة في عهده.
لكن حماقة الرئيس (جورج بوش) كانت سببًا في غضب المحافظين المتشددين في إيران ومعارضتهم لأيّ علاقات مع أمريكا، حيث ذكر بوش بأن إيران بجانب العراق وكوريا الشمالية يمثلون دول محور الشر في كلمته الشهيرة (axis of evil).
مع العلم أن هذه الكلمة تبعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي لم يكن لإيران أيّ علاقة بها. قضى خاتمي ما تبقى من فترة رئاسته في صراع مع معارضيه، ولم يحقق نجاحات تستحق الذكر. ثم تبعه الرئيس المتشدد محمد أحمد نجاد الذي قاد إيران لأسوأ سنواتها منذ الثورة.
أمريكا تدعم المعارضة المسلّحة والإرهاب
عندما نتحدث عن المعارضة في إيران، فنحن بالطبع لا نعني الإصلاحيين أو المعتدلين، بل نقصد حركة مجاهدي خلق، والجماعات البلوشية السنية على حدود باكستان، الجماعات الكردية، وحزب تودة الشيوعي. وكما ذكرت مسبقًا، فقد تعاون قادة حزب تودة وأعضاء حركة مجاهدي خلق مع المعتدين العراقيين في حرب الخليج الأولى ضد إيران.
تعد حركة مجاهدي خلق أكبر حزب معارض للحكومة الإيرانية وتوجهها الإسلامي الشيعي. تأسست عام 1965 وعارضت الشاه في بدايتها. ثم كانت عنصرًا مهمًّا في الثورة الإيرانية الشعبية عام 1979 وساعدت في إسقاط الشاه. يتزعم هذه الحركة اليوم القومي الإيراني مسعود رجوي الذي كان يعاني من اضطهاد الشاه، حيث قضى سنوات في المعتقلات الملكية الشاهينشاهية.
وبعد قيام الثورة تم الإفراج عنه، لكنه تمرد مع المجموعات المسلحة التابعة للحركة وحاول الانقلاب على الحكومة عدة مرات. فالحركة هي المسؤولة عن عملية اغتيال ثاني رؤساء إيران محمد على رجائي. وحسب ادعاءات مسعود رجوي نفسه، فإنهم قتلوا 60-80٪ من قادة الثورة [17]. يدعي رجوي بأنه يتبع خطى رئيس الوزراء السابق محمد مصدق، علمًا بأنه كان يبلغ من العمر خمس سنوات عندما حصل الانقلاب على مصدق.
أثناء حرب الخليج الأولى، وقفت حركة مجاهدي خلق في صف العراقيين الذين دعموها بالمال والسلاح لقتال القوات الإيرانية على الحدود. لاحقًا، تم تأسيس معسكر أشرف قرب الحدود الإيرانية داخل العراق تحت حماية نظام صدام حسين، ليكون المعسكر مقرًّا لأعضاء الحركة ومركزًا لتدريباتهم وعملياتهم العسكرية.
وفي منتصف عام 1995، تقدمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بطلب 19 مليون دولار للكونغرس لدعم المعارضة الإيرانية المسلحة وتمت الموافقة عليه [18]. وبعد اجتياح أمريكا للعراق عام 2003، كانت معسكر أشرف تحت حماية المحتل الأمريكي، بينما حاولت القوات الإيرانية تنفيذ عدة عمليات للتخلص من أعضاء الحركة لإنهاء التهديد الدائم الذي يشكلوه على الأراضي الإيرانية.
وفي مقالة كتبها الصحفي الأمريكي (سيمور هيرش Seymour Hersh) على صحيفة نيويوركر في شهر أبريل من 2012، ذكر بأن وحدة العمليات الخاصة المشتركة الأمريكية (Joint Special Operation Commands) المختصة في محاربة الخلايا والمنظمات الإرهابية قامت بتدريب مجموعة من أعضاء حركة مجاهدي خلق. وأضاف هيرش بأنه في شهر مارس 2012، قامت قناة (NBC) بنقل أقوال عن متحدثين رسميين من حكومة الرئيس أوباما بأن مجاهدي خلق تلقوا دعمًا ماليًّا من الموساد الإسرائيلي لتنفيذ علمية اغتيال خمسة علماء إيرانيين مختصين بتخصيب وتطوير اليورانيوم، ونجحت العملية.
ثاني الجماعات التي باتت تشكل خطرًا على إيران في السنوات الأخيرة، وتتلقى دعمًا من الحكومة الأمريكية أيضًا، هي جماعة جند الله الجهادية السنية التي تتخذ من بعض مناطق بلوشتستان على الحدود الإيرانية مقرًّا لها وكان يقودها المدعو عبد الملك ريغي. تحوم بعض الشكوك حول علاقتهم بالقاعدة، لكن قادة الجماعة ينفون هذه الادعاءات. تعددت العمليات المسلحة التي قامت بها الجماعة منذ بداية القرن الحالي، فتبعًا لتقرير صدر عن صحيفة واشنطن تايمز في السادس عشر من يناير عام 2006، قامت جماعة جند الله بقتل حوالي 400 جندي إيراني حتى ذلك الحين.
وذكر في تقرير لموقع قناة (ABC)، قتلت الجماعة 11 فردًا من أعضاء الحرس الثوري الإيراني في شهر فبراير 2007، ويذكر التقرير أن عمليات الجماعة كانت ضمن النقاط المطروحة للنقاش خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي (ديك تشيني) لرئيس باكستان برويز مشرف في نفس الشهر.
أما موقع (Foreign Policy) وفي تقرير صدر في شهر يناير 2012، فذكر أن أتباع الجماعة لا يكتفون بقتل الجنود، بل هم يقتلون النساء والأطفال أيضًا بدون تفرقة. ففي شهر مايو 2009، نفذ أحد مقاتلي جند الله عملية انتحارية في مسجد بمدينة زاهدان عاصمة محافظة بلوشستان خلال تجمع ديني، ما أدى لسقوط 25 قتيلًا. تحدث ذات التقرير عن عمليات تعاون بين جماعة جند الله والموساد الإسرائيلي.
ومما يجدر ذكره أن أتباع جماعة جند الله كانوا يصورون عمليات قتلهم ونحرهم للجنود الإيرانيين في أشرطة فيديو، تمامًا كما يفعل أتباع داعش اليوم. أما زعيمهم عبد الملك ريغي، فقد تم القبض عليه من قبل الحرس الثوري الإيراني وتم تنفيذ حكم الإعدام في حقه عام 2010.
تبقى الحديث عن حزب تودة الشيوعي وحزب الحياة الحرة الكردستاني المرتبط بحزب العمال الكردي (PKK)، لكني لم أطلع وأبحث عنهما بشكل كافٍ. ربما أتطرق لهما في مقالة أو تقرير بحثيّ آخر.
أحمدي نجاد.. كابوس إيراني
ربما كان وصول محمد أحمدي نجاد لمنصب الرئيس عام 2005 متوقعًا إلى حد ما بسبب وعوده التي قطعها لأهالي القرى من الفقراء وأصحاب الدخل المحدود أثناء حملته الانتخابية. حيث كانت السنوات الأخيرة لمحمد خاتمي ممثل الإصلاحيين مخيبة لنسبة كبيرة من الإيرانيين، خصوصًا الفقراء.
فخاتمي لم ينجح في مساعيه السياسية كإصلاح القضاء، ولم يهتم كثيرًا بتطوير الاقتصاد. سأجتاز الفترة الرئاسية الأولى لأحمدي نجاد وأنتقل مباشرة لفترته الثانية التي بدأت عام 2009، عندما لاقت مسألة إعادة انتخابه ضجة واحتجاجات في كافة أنحاء إيران. كان السبب خلف تلك الاحتجاجات هو الفشل الذريع لحكومة أحمدي نجاد في السنوات الأربع الأولى ومخالفته لوعوده التي نتجت عن العقوبات الاقتصادية التي وُضعت على إيران من قبل الأمم المتحدة ورفض إيران للتفاوض مع القوى الكبرى في مجلس الأمن بخصوص تخصيب وتطوير اليورانيوم.
كان المرشح المنافس لأحمدي نجاد في انتخابات 2009 هو الإصلاحي مير حسين موسوي الذي تقلد منصب رئيس الوزراء خلال فترة رئاسة المرشد الأعلى الحالي الإمام على خامنئي، حيث كان آخر رئيس وزراء إيراني قبل أن يتم إلغاء المنصب. كانت معظم التوقعات تصب في صالح موسوي للفوز بالرئاسة، لكن النتائج صدمت الجميع مما دعا موسوي وداعميه لاتهام اللجان المسؤولة عن صناديق الاقتراع بالتزوير والتلاعب بالأصوات. لكن الرد حينها جاء من المرشد الأعلى مطالبًا باحترام النتيجة، ومؤكدًا بأن التلاعب لم ولن يتم باعتباره مخالفًا لتعاليم الإسلام.
بعدها طلب موسوي من أتباعه الاحتشاد في الشوارع والتظاهر، وخلال أيام قليلة تجاوزت أعداد المتظهرين مئات الألوف فيما تم تسميته بالثورة الخضراء، وتعد أكبر مظاهرات شهدتها إيران منذ ثورة عام 1979 الشعبية. وكانت أيضًا المرة الأولى التي تسقط فيها هيبة المرشد الأعلى في إيران، حيث طالب عدد من المتظاهرين بإسقاط أحمدي نجاد وعلي خامنئي على حد سواء [19].
وعلى الرغم من أن المظاهرات كانت في غالبيتها سلمية، إلا أن قوات الأمن تعاملت مع المتظاهرين بعنف وهمجية أدت لسقوط عدد من القتلى، بالإضافة لمئات المعتقلين الذين واجهوا عقوبات بالسجن، وتعرضوا لأشكال مختلفة من التعذيب أثناء اعتقالهم. أحد ردود الأفعال تجاه وحشية رجال الأمن وإدارات السجون جاءت من رئيس القضاء الإيراني محمود هاشمي شهرودي الذي ترك منصبه في ذات العام 2009.
الاعتقالات لم تتوقف على العوام من الشعب، بل طالت أسماء معروفة في إيران مثل محصري أمين زاده الذي كان مدير حملة موسوي الانتخابية. وخلال السنوات التالية، ازداد الأسلوب القمعي للحكومة الإيرانية لكافة أطياف الشعب، وليس لفئة دون غيرها كما يدعي البعض.
فمثلًا، في شهر فبراير من عام 2011، صدرت أحكام قضائية بالإقامة الجبرية ضد كل من حسين موسوي نفسه وزوجته زهراء، ورئيس مجلس الشورى الإيراني السابق مهدي كروبي. وفي شهر سبتمبر 2012، صدر حكم بالسجن لستة أشهر ضد فائزة رفسنجاني ابنة الرئيس السابق علي هاشمي رفسنجاني، وأيضًا تم اعتقال ابنه مهدي في ذات الفترة.
أما فيما يخص النشطاء السياسيين، ففي شهر مارس عام 2012، صدر حكم بالسجن لثمانية عشر عامًا ضد المحامي والحقوقي عبد الفتاح سلطاني، بالإضافة لحرمانه من ممارسة مهنة المحاماة لمدة عشرين سنة إضافية. والمحامية نسرين ستوده حكم عليها بالسجن لإحدى عشر عامًا، وستحرم لعشرين سنة أخرى من ممارسة المحاماة والسفر للخارج.
وطالت العقوبات طلاب الجامعات المهتمين بالنشاط السياسي مثل باهرة هدايات التي واجهت حكمًا بالسجن مدته تسعة أعوام ونصف. وواجه العديد من أفراد منظمة تعزيز الوحدة الجامعية -أشهر منظمة جامعية في إيران- عقوبات بالسجن لعشر سنوات. هذه مجرد أمثلة قليلة جدًّا مقارنة بالرقم الإجمالي للعقوبات والاعتقالات. فوفقًا لما نقله المقرر الخاص للأمم المتحدة في إيران، أحمد شهيد، شهد عام 2011 مفردًا تنفيذ 700 عقوبة إعدام -ثلثها تم بشكل سري- لأشكال مختلفة من الجرائم [20].
كانت فترة أحمدي نجاد هي الأسوأ للحكومة وللشعب بكل تأكيد، فكل الخطوات كانت للخلف. لكن النقطة الإيجابية الوحيدة التي يتفق عليها الكثير من المحللين السياسيين أن إيران كدولة ومجتمع، لم يستسلموا للعقوبات والأوضاع المعيشية واستطاعوا تجاوز تلك المرحلة الحرجة.
أما بخصوص الطريقة الأمثل لكي يتطور الوضع الداخلي الإيراني، فتذكر أستاذة العلوم السياسية (باربرا فلاناغان Barbara Flanagan) في كتابها: (Evolving Iran) بأن التطور في السياسة الداخلية الإيرانية مرتبط بدرجة كبيرة بحجم الضغوطات والمخاطر الخارجية القادمة من أمريكا خصوصًا. فهي ترى أن مخالفات الحكومة الإيرانية وتعدياتها على حقوق الإنسان يمكن تفسيرها طالما أن دولًا كأمريكا وإسرائيل تشكل خطرًا دائمًا عليها [21].
السياسة الخارجي .. بين المقاومة الوقوع في المحظور
بداية، هناك نقطتان مهمتان ومرتبطتان يجب معرفتهما عن السياسة الخارجية الإيرانية: الأولى هي أنها براغماتية تنظر للمنفعة التي ستجنيها كناتج نهائي بغض النظر عن الكيفية أو الطريقة التي يتم اتباعها؛ والثانية أنها ترفض التواجد العسكري الأمريكي في المناطق المحيطة بها وتسعى لمقاومته، حيث تعده خطرًا على أمنها وأراضيها.
فإيران محاطة من شرقها بباكستان وأفغانستان اللتين كانتا تمتلئان بالقوات الأمريكية، بالإضافة للجماعات الجهادية السنية كالقاعدة أو جند الله التي ذكرتها مسبقًا وأنها تتلقى دعمًا من إسرائيل وأمريكا. ومن غربها وجنوبها محاطة بالعراق التي اعتدت على إيران تحت حكم صدام حسين، بالإضافة لدول الخليج العربية المتحالفة مع أمريكا والمدججة بقواعدها وقواتها العسكرية. أضف إلى ذلك الخطر القادم من إسرائيل التي أعلنت صراحة وبشكل رسمي أنها تنوي الاعتداء على الأراضي الإيرانية.
لن أتحدث عن السياسة الإيرانية تجاه البحرين واليمن أو موقفها من الربيع العربي أو القضية الفلسطينية، لكني سأكتفي بالحديث عن موقفها تجاه العراق وسوريا بشكل مختصر. أبدأ بالغزو الأمريكي على العراق والذي لم يكن لأي دولة في العالم دور في اتخاذ قراره، فالأمر صدر من إدارة الرئيس بوش في خرق واضح للقانون الدولي. أي إن التدخل الإيراني في الأحداث كان أمرًا لاحقًا بسبب حاجة أمريكا لإيران نظرًا للاضطراب والفوضى التي أحدثتها قوات الاحتلال، وأيضًا لعدم ثقة الحكومة الإيرانية بأمريكا التي كانت ولا زالت تجري خلف مصالحها، فإيران تعلم تمامًا مدى الخطر الذي يشكله الاحتلال الأمريكي عليها.
انقسم الدعم الإيراني على ثلاث جهات عراقية مختلفة: الأولى هي فيلق بدر (لاحقًا أصبحت منظمة بدر)، وهو الجناح العسكري للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي الذي تأسس أثناء حرب الخليج الأولى على يد رجل الدين الشيعي "العربي العراقي" محمد باقر الحكيم في المنفى بإيران؛ الجهة الثانية هي حزب الدعوة الإسلامية بقيادة رئيس الوزراء السابق العلماني نوري المالكي؛ والجهة الثالثة هي جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر، حيث تأسس هذا الجيش لمقاومة الاحتلال الأمريكي وحماية المناطق الشيعية من عدوانه، وبعد حادثة حصلت في كربلاء عام 2007 (سأذكرها لاحقًا) تم تجميد عمل الجيش، لكن الكثير من أفراده انضموا لميليشيات أخرى انشقت قبل عملية التجميد أو تكونت بعدها، وهذه الميليشيات الجديدة ليس لإيران أو الحكومة العراقية أيّ سلطة عليها.
تحالفت الجهتان الأولى والثانية أثناء تشكيل الحكومة، وأصبح أمر قوات الأمن والشرطة العراقية تحت تصرفهما لاحقًا. والثلاث جهات كلها شيعية ومتهمة بارتكاب جرائم طائفية ضد الشعب العراقي بشكل عام والطوائف السنية بشكل خاص.
لكن هنا تأتي الأسئلة: هل تملك هذه الثلاث جهات استراتيجيات أو أهدافًا متشابهة؟ وهل هم يعتبرون إيران أو قادة إيران مرجعًا لهم؟ وهل تملك إيران أي سلطة تامة للتحكم في أفعالهم؟ الحقيقة أن إيران تدعمهم بدون أدنى شك، لكنها لا تملك سلطة حقيقية للتحكم فيما يقومون به. فمثلًا في شهر أغسطس من عام 2007، هاجمت مجموعات مسلحة تابعة لجيش المهدي عدة مباني وأحرقتها في كربلاء وقتلت عدة أفراد من الشرطة العراقية المرتبطة بالمجلس الأعلى خلال مناسبة منتصف شعبان وذكرى مولد الإمام المهدي.
سقط في تلك الأحداث حوالي 50 قتيلًا جميعهم من الشيعة. فهل كانت إيران تخطط لهذه الحادثة؟ وهل كان بيد إيران أن تمنعها؟ الإجابة (لا) بكل تأكيد. وهذا مثال واحد يؤكد أن الخلاف بين النخب في العراق ليس مسؤولية إيران وحدها على أقل تقدير، فالمسؤولية متعددة وتراكمية؛ ويؤكد أن سبب الخلاف في الأصل سياسيّ وليس دينيًّا كما يتم الترويج له بشكل دائم، مما يؤدي لاقتتال وحروب أهلية وطائفية بين أفراد الشعب.
أما إذا انتقلنا إلى سوريا وما يحصل فيها منذ اندلاع الثورة الشعبية فيها، فإيران قدمت الدعم الكامل لنظام بشار الأسد الطائفي والإجرامي. وفي الوقت الذي كان العالم بأكمله يندد بجرائم النظام السوري، انتقلت العديد من الميليشيات الشيعية العراقية إلى سوريا ووقفت في صف بشار، وهذه الميليشيات وإن كانت تجد الدعم الدبلوماسي من "بعض" الأطراف في الحكومة الإيرانية، فإنها كما ذكرت لا تلتزم بأوامر أحد، إنما تقودها الحميّة الجاهلة وعنهجية عناصرها.
صحيح أن أساس هذه الجماعات المسلحة كان مدعومًا من إيران في وقت سابق، لكن من الصعب لوم إيران كدولة على كل ما يحصل اليوم في سوريا أو العراق من قبل المجموعات التي تفرعت لاحقًا. وإلّا لكان من الطبيعي في المقابل أن تلام الدول التي دعمت الجهاد الأفغاني ضد السوفييت على الإجرام الذي قام به تنظيم القاعدة في دول مختلفة حول العالم على مدار سنوات طويلة باعتبار التنظيم امتدادًا لجماعات الجهاد الأفغاني، والكلام ذاته ينطبق على جبهة النصرة التي ترتكب الجرائم في حق الأبرياء في سوريا باعتبارها فرعًا من تنظيم القاعدة.
وبالتأكيد، فإن المنطق هذا خاطئ لا يقبل به عاقل. وسيبقى الدعم الإيراني الرسمي لنظام بشار نقطة عار في تاريخ إيران الثورة، إن حصل ونسيه العرب فلن ينساه الشعب السوري أبدًا.
لكن، ولمجرد محاولة فهم الموقف الإيراني تجاه الثورة السورية، سأعود لموضوع خشيتها من التواجد الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة. فبعد رؤيتنا لما آلت إليه الظروف في مصر من انقلاب عسكري على الحكومة الشرعية وقتل وإبادة للمتظاهرين السلميين بدعم صريح من عدة دول خليجية، بالإضافة لمشاعر الرضى والارتياح بين المسؤولين الصهاينة تجاه الانقلاب وتعاونهم معه.
أليس من الممكن أن القيادة الإيرانية تخوفت من حصول أحداث مشابهة كان من الممكن أن تحدث في سوريا وتخدم الصهاينة أيضًا؟ هذا ليس تبريرًا، فدعم بشار الأسد والصمت حيال جرائمه جريمة لا تغتفر.
أخيرًا، الواقع يقول إنه دائمًا ما كانت مسألة التنبؤ بأحداث الحروب بالوكالة وتحليلها وفهمها أمرًا صعبًا جدًّا. لا سيّما إن كانت الاختلافات بين أهل الدول مذهبية دينية وعرقية وقبلية كما في العراق وسوريا واليمن.
فالتحزبات خلالها تكون متناقضة ومعقدة. فمثلًا، نجد بعض المنتمين للطائفة السنية يقاتلون مع النظام السوري وبعض الشيعة انشقوا وانضموا لفصائل الثوار. والأكراد كعرق كانوا دائمًا أعداء لإيران لكنهم يتعاونون معها اليوم ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وهكذا.
تعقيب.. وكلام لا بدّ منه
ذكرت في المقدمة أن السبب خلف كتابتي لهذا البحث هو متابعتي لآراء وكتابات بعض الكتّاب بعد سيطرة جماعة الحوثي على صنعاء أو قبلها بقترة، وأظن أنه من الجيد إلقاء نظرة على بعضها في هذا القسم. ثم سأنتقل لاستعراض عدد من الأفكار أو المعتقدات التي يتداولها الناس بشكل مستمر عن إيران.
1- ذكر الكاتب منصور المرزوقي في مقالته على صحيفة التقرير عن (خصائص تمدُّد النفوذ الإيراني) بأن إيران تسعى لتأجيج الطائفية لأن ذلك يساعدها في توسيع نفوذها.
تعقيب: كيف لدولة تعاني من الطائفية ويلقى العديد من مواطنيها وأفراد جيشها حتفهم بسببها -كما يحصل في بلوشتان- أن تسعى لزرع الطائفية؟ الطائفية بين الشعوب نتجت بسبب شعارات سياسية لقيت دعمًا من المؤسسات الدينية وتراكمت على مر السنوات. وإيران كغيرها من الدول تعاني منها في علاقتها مع البلوشيين والأكراد.
2- في مقالة بعنوان (الأحداث إذ تربك أتباع المحور الإيراني) على موقع (عربي 21) يقول ساري عرابي إنه منذ تلاثة عشر عامًا وأمريكا تضرب الجماعات الإسلامية السنية، وأن تلك الجماعات هي الوحيدة التي أمريكا لا تزال تقاتلها، ويستخدم كلامه هذا للبرهنة على المصلحة الأمريكية الإيرانية المشتركة.
للأمانة لا أدري إن كان الكاتب مطلعًا فعلًا على الأحداث أم أنه يعتمد على حوارات مع مجموعة ويعتمد عليها في كتابة مقالاته. نظرة على القسم الذي تحدثت فيه عن دعم أمريكا للإرهاب ستنفي الجزء الأول من ادعائه، ونظرة على قسم سياسة إيران الخارجية تجاه العراق ستنفي الجزء الثاني من ادعائه.
3- أما د. محمد صالح المسفر المختص في العلوم السياسية فكتب في مقالته (حين تحاور الرياض طهران) على صحيفة العربي الجديد أن الظروف مواتية لفعل سعودي ينصر أهل السنة في العراق، وأضاف أن نوري المالكي وعصابته "الصفوية" مكنت الشيعة المنحدرين من "أصول فارسية" من الهيمنة، وختم مقالته بامتداح المجرم المعتدي صدام حسين.
فعلًا، أنا لا أعلم إن كانت هذه العبارات والأوصاف تصدر من دكتور جامعي ومختص في العلوم السياسة، فماذا ترك للجهلة وغير المتعلمين؟
4- كتب د. خالد الدخيل في مقالته (لم يحن وقت التفاوض مع إيران) على صحيفة الحياة أن المنظومة العربية ضعيفة قابلة للاختراق من أطراف خارجية تفرض عليها الأمر الواقع، متحدثًا عن إيران التي استفادت من تجربة إسرائيل مع العرب. وأضاف شروطًا ذكر أنها إلزامية لأي عملية تفاوض بين السعودية وإيران من بينها: أن مستقبل سوريا يجب أن يقرره الشعب السوري دون أي تدخل خارجي، وأن على إيران التخلي عن سياسة دعم الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا.
أصاب الدكتور، وأتفق معه في الشروط التي ذكرها، لكن واتباعًا لذات المبدأ، من الضروري أن تتوقف السعودية والإمارت عن دعم حكومة عبد الفتاح السيسي الانقلابية باعتباره تدخلًا خارجيًّا في شؤون مصر، وألا يكون هناك ضغط خليجي على قرارات الشعب السوري في تحديد مستقبله، وأن تكف إيران والسعودية الأيدي عن اليمن وتترك مصيرها بيد شعبها.
يؤمن معظم الناس بمعتقدات تقول إن إيران كانت ولا زالت تسعى لتصدير ثورتها للخليج والعالم العربي بدعم وإثارة الفوضى، والبعض يطلق عليها مصطلح "المد الصفوي". ردًّا على هذا الادعاء، ذكر الإمام علي خامنئي عقب توليه لمنصب المرشد الأعلى عام 1989 أن الإمام الخميني لم يكن ينوي بتاتًا دعم مثل هذه الأمور وحث الناس على إثارة الشغب، إنما المقصد هو الوقوف بجانب جميع شعوب العالم المستضعفة لكي تستطيع تقرير مصيرها وفقًا لرغباتها دون خوف من القمع أو الاضطهاد [22].
أما الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، فقد رد على الادعاء خلال مقابلة أجراها معه فهمي هويدي عام 1984 قائلًا: "تجب التفرقة بين فرض الثورة على الناس وهو أمر مرفوض، وبين إيصال صوتها إليهم"، وأضاف بأنه نظرًا لأن "الأغلبية الساحقة من الشعوب الإسلامية تعاني من مظالم حكامها، مما يدفع البعض من أبنائها إلى معارضة الطواغيت في بلادهم ... ولأن الأجهزة الطاغوتية ترفض الاعتراف بأن المظالم الواقعة على الناس هي سبب تذمرهم أو معارضتهم، فإنها تلقي باللائمة على الثورة الإيرانية، وتنضم إلى القائلين بأننا نحاول تصدير الثورة إلى تلك البلدان" [23].
المعتقد الآخر المنتشر، والذي يردده العديد من الكتّاب والإعلاميين في مقالاتهم وبرامجهم، هو اضطهاد الحكومة الإيرانية للعرب والسنة بشكل مستقصد دون غيرهم. فقد ذكرت في الأقسام السابقة أن الظلم يقع على المواطنين الإيرانيين دون تمييز، وذكرت بأن الجماعات البلوشية السنية المتطرفة تتعاون مع كل من أمريكا وإسرائيل لتنفيذ الجرائم في حق الإيرانيين.
وكان الإمام الخميني قد ردّد في أكثر من خطبة أنّ "الشعب العربي عظيم كرمه الله بسبقه إلى الإسلام"، وفي خطبة ألقاها في شهر ذي الحجة عام الثورة قال: "على الإخوة الإيرانيين وجميع الشيعة في العالم أن يتجنبوا الأعمال الجاهلة التي تؤدي إلى تفريق المسلمين. وعليهم أن يؤدوا صلاة الجماعة مع أهل السنة".
وفي موقف آخر قال: "إن طرح مسألة تقسيم المسلمين إلى سني وشيعي وحنفي وحنبلي وإخباري لا معنى لها أساسًا. والمجتمع الذي يريد أفراده جميعًا خدمة الإسلام والعيش تحت ظلال الإسلام لا ينبغي أن يثير مثل هذه المسائل" [24]. والأمثلة التي يمكن الاستشهاد بها كثيرة جدًّا. هذه رسائل واضحة وجهها الخميني للشيعة قبل أن يوجّهها للسنة.
إن كل محاولات شيطنة إيران الثورة كانت متأثرة بالبروباغندا الإعلامية الأمريكية الضخمة التي ثبت نجاحها على مر السنين. وأفضل طريقة لعلاج هذه المشكلة أن يتوقف الخطابان الإعلاميان العربي والإيراني عن تهييج الشعوب ضد بعضها، والعمل على تقريب وجهات النظر والدعوة لقبول الآخر والتعايش معه دون كراهية وطائفية. وعلى الحكومة الإيرانية والحكومات العربية تأدية نفس الدور.
خاتمة
يتضح أن إيران تخطو للأمام منذ تولي حسن روحاني رئاستها، لا سيّما على صعيد السياسة الخارجية. وعلى الرغم من سيطرة المتشددين على الحرس الثوري والقضاء وغالبية مقاعد مجلس الشورى، إلّا أن الدعم الذي يلقاه روحاني من الإصلاحيين والمعتدلين ومن المرشد الأعلى علي خامنئي سوف يساعد على تحسين الأوضاع الداخلية بصورة كبيرة. هذا بالإضافة إلى أن سبعة من أحفاد الإمام الخميني الخمسة عشر يدعمون الإصلاحيين.
أغلب الظن أن إيران ستنجح في مفاوضاتها مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول موضوع تخصيب اليورانيوم وتطويره. بينما ستقاوم كعادتها التواجد العسكري الأمريكي وتسعى للتقليل منه.
أما عن العلاقات مع أمريكا بشكل عام، فهي في تطور مستمر، حيث أعلنت الحكومة الأمريكية في شهر يوليو المنصرم بأنها ستعيد ما قيمته 2,8 مليار دولار من الأصول البنكية الإيرانية المجمدة في البنوك الأمريكية منذ عام 1979 خلال أربعة أشهر. هذا التحسن في العلاقات الإيرانية-الأمريكية يلقى دعمًا من فئة كبيرة من الشعب الإيراني. حتى بعض من كانوا يكنون الكراهية والعداء للأمريكيين، هم اليوم مرحبون باستعادة العلاقات، من بين هؤلاء إبراهيم أشقر زادة الذي كان أحد قادة المجموعة التي اقتحمت السفارة الأمريكية ورهنت موظفيها أيام الثورة.
منذ عدة سنوات، كنت أردد بأن على الحكومات الخليجية والعربية المبادرة لتحسين العلاقات مع إيران حينما كانت إيران الحلقة الأضعف بسبب العقوبات الاقتصادية التي كانت تواجهها. واليوم لا زلت على رأيي بأنه لا بد من مبادرة لاستعادة العلاقات وتحسينها.
ربما يكون تعليق الرئيس حسن روحاني خلال الاجتماع السنوي لمجلس الأمم المتحدة بشأن العلاقات السعودية-الإيرانية، بالإضافة لحوار الأمير سعود الفيصل مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف إشارة إيجابية في هذا الخصوص.
يجب أن يعي المواطن العربي والخليجي بأن إيران لا تشكل خطرًا على بلاده، فالخطر على الدول العربية وإيران على حد سواء يأتي أولًا من الفساد الحكومي الداخلي وغياب العدالة واضطهاد المواطنين؛ وثانياً من التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة؛ وثالثًا من تطبيع الدول العربية لعلاقاتها مع الصهاينة والسماح لهم بالحضور والتواجد في بعض الاجتماعات والمؤتمرات. هذه هي المصادر الرئيسة للخطر على الشرق الأوسط.
إذ ليس من صالح إيران وجميع الدول العربية أن تمتلئ سجونهم بآلاف الأبرياء ممن كان جرمهم الوحيد أنهم طالبوا بحقهم في المشاركة السياسية وتحديد مصير أوطانهم وسيادة القانون والعدالة على كافة الناس دون تمييز.
أما التواجد العسكري الأمريكي، فلا بدّ أن يزول بشكل تدريجي من منطقة الخليج، فهي عدو الجميع، وقفت بالأمس البعيد مع صدام ضد إيران، ووقفت بعدها مع دول الخليج ضد صدام، ثم تحالفت مع دول الخليج ضد إيران، وبعدها دعمت التوجه الإيراني في العراق، ثم صمتت عن مجازر بشار في سوريا. كل هذا لم يتم لأجل الخليج أو إيران أو سوريا أو اليمن أو أي دولة أخرى، إنما كان لتأجيج العداوات بين هذه الدول والإبقاء على الصهاينة وتمكينهم.
الهوامش
1 – فهمي هويدي. إيران من الداخل.
2 – ستيفن كينزر. أتباع الشاه.
3 – Saikal, Amin, The Rise and Fall of the Shah: Iran from Autocracy to Religious Rule.
4 – ستيفن كينزر.
5 – فهمي هويدي.
6 – ستيفن كينزر.
7 – Tarock, Adam. "US-Iran Relations: Heading for Confrontation?"
8 – Ann Rieffer-Flanagan, Barbara. Evolving Iran: An Introduction to Politics and Problems in the Islamic Republic
9 – Hicks, D. B. "Internal Competition Over Foreign Policy-Making: the Case of S. Arms Sales to Iran."
10 – Tarock, Adam.
1 1 – Ann Rieffer-Flanagan, Barbara.
12 – فهمي هويدي.
13 – Molavi, Afshin. "Buying Time in Tehran."
14 – Tarock, Adam.
15 – Smith, Patrick. "The Indigenous and the Imported: Khatami's Iran."
16 – فهمي هويدي.
17 – Tarock, Adam.
18 – Bakhash, Shaul. "Iran's Deepening Internal Crisis."
19 – Bakhash, Shaul.
20 – Ann Rieffer-Flanagan, Barbara.
21 – Ann Rieffer-Flanagan, Barbara.
22 – فهمي هويدي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.