البداية كانت مع البيضاء السيدة مادلين أولبرايت التي كانت أول امرأة تتسلم منصب وزير الخارجية للولايات المتحدة، ولقد سماها الرئيس بيل كلينتون في نهاية عام 1996 لهذا المنصب وذلك مع بداية فترة ولايته الثانية التي امتدت حتى يناير 2001، في تلك الفترة وعندما سئلت عن وفاة أكثر من نصف مليون طفل بسبب الحصار الاقتصادي على العراق، ردت بالقول: «إنه ثمن مناسب للحصار»! رحلت البيضاء، وحلت من بعدها السمراء السيدة كونداليزا رايس، وقد سماها لمنصب وزير خارجية الولاياتالمتحدة آنذاك الرئيس بوش الصغير، وكان ذلك مع بداية ولايته الثانية في يناير 2005، ولقد جاءت وقتها خلفا للأسمر كولن باول الذي استقال من منصبه بعد أن انكشفت فضائح وأكاذيب أسلحة الدمار الشامل العراقية التي اعتمد عليها الرئيس بوش الصغير كذريعة لغزو واحتلال العراق وتحطيمه، كونداليزا لم تقصر هي الأخرى، فقد أشرفت حكومتها على عدوان تموز 2006 الذي قامت بشنه «اسرائيل» على لبنان، كما رعت أيضا قتل مئات الأطفال بواسطة الفسفور الأبيض في قطاع غزة؛ جراء العدوان الصهيوني عليه في نهاية 2008والذي ما كان له أن يكون لولا موافقة ورعاية ودعم بلادها. رحلت السمراء، وحتى تكتمل المجموعة اللونية، هلت علينا بالبركات الديمقراطية، الشقراء السيدة هيلاري كلينتون التي تبوأت منصب وزير الخارجية لبلادها بعد أن سماها الرئيس الأسمر باراك أوباما في فترة ولايته الأولى التي تقترب الآن من نهايتها، حيث تستعد الولاياتالمتحدة لانتخاب رئيسها القادم، ومن خلال معركة ساخنة بين الديمقراطي أوباما الطامح لولاية ثانية، وبين المنافس له الجمهوري ميت رومني. وإذا كانت الذاكرة العربية قد نسيت الجرائم التي ارتكبت بحق المنطقة وشعوبها على يد السياسة الخارجية الأمريكية، وبدعم مباشر منها ابان ولاية أولبرايت ورايس، فأعتقد أنها لم تنس بعد تفاصيل الأحداث والمواقف والسياسات التي أقدمت على اتخاذها وتبنيها وتنفيذها هذه السياسة الأمريكية في ظل رئاسة السيدة كلينتون لها، والتي لا نعلم إذا ما سيتم التجديد لها لدورة ثانية مع الرئيس أوباما في حال فاز الحزب الديمقراطي في الانتخابات القادمة. حتى اللحظة لا نستطيع التكهن برحيل السيدة كلينتون أو بقائها على مقعد وزارة الخارجية، ولكن وبغض النظر عن ذلك، وبعيدا عن مقولة «يا رايح كثر من الملايح»، فوزيرة الخارجية تطالب بلادها بضرورة «احتضان الربيع العربي» على الرغم من كل المخاطر والخسائر التي قد تنجم عن هذا الاحتضان، هذا ما جاء في سياق كلمة قالتها الوزيرة أمام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الذي يعد من أهم مراكز البحوث في واشنطن. استعراض باقي النقاط والعناوين التي وردت في كلمة السيدة كلينتون يدلل ويؤكد أن الولاياتالمتحدة تتمسك بشدة وبكل إصرار، بضرورة بقاء دول المنطقة داخل منظومة الاحتضان والهيمنة والسيطرة الأمريكية، وهي لن تسمح لأحد بأن يغرد بعيدا عن هذا الحضن وبغض النظر عن النتائج الانتخابية، وهذا ما كان سائدا قبل «الربيع»، وهذا ما يجب أن يتواصل بعد هذا «الربيع العربي». تقول الوزيرة: «إن على الولاياتالمتحدة أن تزيد من دعمها الديمقراطيات الناشئة، وعليها أن لا تتراجع عن ذلك بسبب أعمال عنف ترتكبها أعداد صغيرة من المتطرفين، بل إن عليها أن تساند أولئك الذين يعملون على تقوية المؤسسات الديمقراطية، ومناصرة الحقوق العمالية، وإتاحة الفرص لنمو اقتصادي أشمل وأوسع، هذا سيؤدي حتما إلى خلق شركاء أكثر قدرة وأمنا على المدى البعيد، إن دعم التحولات الديمقراطية ليست مسألة مثالية، ولكنها ضرورة استراتيجية، وهذا سوف يعزز ديمومة واستمرار علاقات سليمة مع الجيران، وتقصد بذلك الكيان الصهيوني». الوزيرة ومن خلال بعض كلامها الذي أوردناه في الفقرة السابقة، كان ترد أيضا على اتهامات الجمهوريين القلقين، وعلى مرشحهم رومني الذي يتهم أوباما بأنه رئيس غير فعال، ومقصر أمنيا بحق الولاياتالمتحدة، وأنه تركها معرضة لمخاطر العنف والإرهاب والمتطرفين الذين أصبحوا ينتشرون في المنطقة كالجراد. في المقابل، لا يبدو أبدا أن قطار هذا «الربيع» وبكل المشوار الذي تم قطعه حتى الآن، وبالإنجازات والتحولات والمتغيرات التي تحققت، لا يبدو أنه قد انحرف ولو شيئا بسيطا عن المسار الذي يقود الى الحضن الأمريكي، والذي تصر كلينتون على أنه سيبقى مفتوحا ولن يغلق أبداً. ونحن نقول إن مصر هي الأساس، وما سيطرأ على مواقفها من متغيرات سيؤثر في عموم المنطقة، فالرئيس مرسي وعند القسم أرسل برقيات ورسائل خارجية كثيرة، لكنها وحتى اللحظة لم تأخذ حقها من الترجمات العملية على أرض الواقع، والمرشد العام لحركة الاخوان المسلمين أطلق دعوات النفير العام للإعداد للجهاد لتحرير الأقصى. رحلت أولبرايت ورايس، وقد ترحل كلينتون قريبا، وسنواصل نحن الجدل حول رسالة مرسي لشمعون بيرز الصهيوني، ولكن المؤلم هو أن دمنا النازف يبقى القاسم المشترك لكل عمليات الرحيل هذه!