طويت صفحات أول شرارة عربية ثورية، لتكون آخر حلقة من مسلسل "الربيع".. فاز السبسي على المرزوقي، وأطاح السيسي بمرسي، وما يزال بشار يناطح المجتمع الدولي وفصائل المعارضة وشعباً أعزل، فيما تغرق ليبيا في مستقبل غامض بعد مقتل ملك ملوك أفريقيا، وتترنح اليمن بين السلطات الرسمية والشعب والحوثيين. اكتمل خريف المشهد العربي بعد أن فاز مرشح حزب نداء تونس، الباجي قايد السبسي، بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بحصوله على أكثر من 55 بالمئة من الأصوات، فيما حصل منافسه الرئيس الحالي محمد منصف المرزوقي على ما نسبته 44.32 بالمئة من أصوات الناخبين. وكانت الثورة التونسية التي اندلعت أحداثها في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، بمنزلة المفجر الرئيسي لسلسلة من الاحتجاجات والثورات في عدد من الدول العربية من بينها اليمن وليبيا وسوريا ومصر، وهي ثورة شعبية انطلقت تضامناً مع الشاب محمد البوعزيزي الذي قام بإضرام النار في جسده في اليوم نفسه تعبيراً عن غضبه على بطالته ومصادرة العربة التي يبيع عليها من قبل شرطية (وقد توفي البوعزيزي لاحقاً بسبب حروقه البالغة). والباجي قايد السبسي سياسي ومحام تونسي، وهو رئيس حزب نداء تونس. تقلّد العديد من المناصب الوزارية في عهد الحبيب بورقيبة، ثم عاد للساحة السياسية بعد الثورة التونسية. أبرز ما كان لافتاً خلال الحملة الانتخابية الأخيرة تصريحات له تعهد فيها ب"ترميم" علاقات بلاده الدبلوماسية مع البلدان الصديقة والشقيقة، وخاصة مصر وسوريا، "دون التدخل في شؤونها الداخلية"، على حد قوله. ويكشف هذا التصريح عن علاقات جديدة مرتقبة بين تونس "مفجرة الثورات"، ومصر وسوريا بنظاميهما الرسميين بقيادة عبد الفتاح السيسي الذي نفذ انقلاباً عسكرياً في 3 يوليو/تموز 2013 ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي، وعلاقات مع سوريا برئيسها الحالي بشار الأسد الذي ثار شعبه ضد حكمه في 2011، وما يزال يقاتل بشراسة ضد خياراته. وقال السبسي: "نحن متشبثون في تونس بالمحافظة على سيادة بلدنا، لذلك نرفض التدخل في شؤون البلدان الأخرى، فمصر دولة صديقة وشقيقة، وقعت فيها تغييرات كبيرة، ولا بد ألّا نتدخل في شأنها الداخلي". وفيما يتعلق بسوريا، اعتبر السبسي أن "سوريا تمر بفترة صعبة وانشقاق داخلي، بسبب التدخلات الأجنبية"، معتبراً أن ذلك "يضعف سوريا، وهو ما سيضعف بدوره الشق العربي الفلسطيني". ومع بداية عام 2012، قطعت تونس العلاقات مع نظام الأسد؛ احتجاجاً على عمليات القمع الدامية للاحتجاجات الشعبية في سوريا، التي طالبت بإنهاء حكم أسرة الأسد، وإقامة نظام ديمقراطي يتم فيه تداول السلطة، وفقاً لقادة المعارضة. وهكذا تعود العلاقات تدريجياً بين رموز وقادة الدول التي قيدت بها ثورات، ويعود معها رموز من النظم السابقة التي قيدت الثورات بسببها، في خطوات أصبح نشطاء وشبان ممن أشعلوا الثورات، يقللون من قيمتها. ومع خمود آخر شرارة في الربيع العربي، ضمن الشعلة التي أطلقها البوعزيزي وحركت دول العالم العربي، يستعرض "الخليج أونلاين" محطات أبرز تلك "الثورات" التي أعقبت ثورة تونس. مصر بعد نحو عشرة أيام من سقوط النظام التونسي، وبعد دعوات أطلقها نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، تظاهر الآلاف من المصريين في 25 يناير/كانون الثاني 2011، مطالبين بالإصلاحات ثم برحيل النظام، لكن الشرطة تصدت لهم بالهراوى ومسيلات الدموع وبالدعس أحياناً. لم ينكفئ المتظاهرون أمام قمع الأجهزة الأمنية، وواصلوا الاحتجاجات في أغلب المدن المصرية، ودخلوا في اعتصام دائم ومفتوح شارك فيه الملايين بميدان التحرير وسط القاهرة، ونظموا مظاهرات حاشدة في المدن الرئيسة الأخرى، ولم تفلح سياسات الوعد والوعيد والإغراء والتهديد التي انتهجها حسني مبارك في وقف الثورة التي نجحت في الإطاحة به في 11 فبراير/شباط 2011 بعد 18 يوماً من انطلاقتها. انتخب محمد مرسي رئيساً للبلاد كأول رئيس بعد ثورة 25 يناير ويعتبر أول رئيس مدني منتخب للبلاد. تم إعلان فوزه في 24 يونيو/حزيران 2012، وتولى منصب رئيس الجمهورية رسمياً في 30 يونيو/حزيران 2012، حتى تم عزله في انقلاب 2013 في مصر والذي جاء بعد مظاهرات 30 يونيو/حزيران. سوريا وفي سوريا انطلقت الاحتجاجات يوم الثلاثاء 15 مارس/ آذار عام 2011 ضد القمع والفساد وكبت الحريات وتلبية لصفحة "الثورة السورية ضد بشار الأسد" على فيسبوك، في تحد غير مسبوق لحكم الأسد متأثرة بموجة الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في الوطن العربي مطلع عام 2011، وبخاصة الثورة التونسية وثورة 25 يناير المصرية اللتين أطاحتا بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي والرئيس المصري حسني مبارك. قاد هذه الثورة الشبان السوريون الذين طالبوا بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية ورفعوا شعار: "حرية… حرية"، لكن قوات الأمن والمخابرات السورية واجهتهم بالرصاص الحي فتحول الشعار إلى "إسقاط النظام". ليبيا وعلى الشاكلة نفسها، لكن مستفيدة هذه المرة من نجاح الثورتين التونسية والمصرية، انطلقت الثورة الليبية في 17 فبراير/شباط 2011 بدعوات للتظاهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، مطالبة بإسقاط نظام العقيد معمر القذافي، وشيئاً فشيئاً -ومع سقوط قتلى وجرحى- تمكن الثوار الليبيون من بسط سيطرتهم على مناطق الشرق الليبي، وبعض مناطق الغرب والوسط، وفي 17 مارس/آذار 2011 أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً يَقتضي فرض عدة عقوبات على حكومة القذافي الليبية تتضمن حظر الطيران فوق ليبيا وتنظيم هجمات مُسلحة ضد قوات القذافي الجوية لمنعها من التحليق في الأجواء الليبية وإعاقة حركتها، وأخيراً سقطت العاصمة طرابلس بين أيديهم، فيما بدا القذافي أعنف وأقسى في التعاطي مع مطالب شعبه، مستخدماً مختلف أنواع الأسلحة بما فيها سلاح الجو ضد مواطنيه العزل. استمر القتال إلى أن سقط القذافي في أيدي الثوار التابعين للمجلس الانتقالي في يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول بقصف من طائرات حلف الشمال الأطلسي (الناتو)، وقتل القذافي في نفس الواقعة برصاص الثوار الليبيين. اليمن بالتزامن مع اندلاع الثورة الليبية كانت عدد من المدن اليمنية الكبرى تغلي من تحت حكم الرئيس علي عبد الله صالح الذي قدم -أسوة بزعماء عرب- تنازلات عدة؛ بدءاً من التخلي عن التمديد والتوريث، مروراً باقتراح تعديلات دستورية ترضي المعارضين، وانتهاء بالمزاوجة بين قتل المتظاهرين وأمر الجيش بحمايتهم. لكن الثوار اليمنيين رفضوا الإذعان وواصلوا التظاهر في أغلب الميادين، مخيرين صالح بين التحول إلى رئيس سابق، أو إلى رئيس مخلوع وإحالته إلى المحكمة.