أعرب رئيس الحكومة التونسية السابق والأمين العام لحركة النهضة المستقيل منها قبل أيام، حمادي الجبالي، عن تفاؤله بنجاح التجربة التونسية بعد الانتخابات الرئاسية في تونس، مشيرا إلى أنه تم الوصول بتونس إلى مرحلة جيدة في بناء التجربة الديمقراطية وأضاف الجبالي في تصريحات صحفية: ليس من الهين أن نخرج من ثورة ووضع اقتصادي وأمني صعب، ومحيط صعب خاصة في الشرق العربي، أن نصل إلى هذه النقطة أي إقرار الدستور انتخابات شفافة وديمقراطية، هذا مبعث فخر، هذا انتصار للخيار الديمقراطي في تونس، ولا أحد ينكر أن النهضة ساهمت في نجاح ما تحقق، النهضة أكبر طرف ساهم وأكبر طرف تضرر من خلال نتائج الانتخابات". كما أكد الجبالي أن لديه تخوفا من أن يكون الحكم بيد حزب واحد، معتبرا أنه من أنصار أن لا نهيمن بعد الثورة بالحكم، مضيفا: جاء تقسيم المناصب؛ الحكومة للنهضة والرئاسة للمؤتمر والبرلمان للتكتل، هذه كانت قناعة وخيارا استراتيجيا أن توزع السلطات". وأوضح قائلا: "كنت متخوفا من الهيمنة حتى هيمنة حزبي النهضة، كما أضاف، فلا يكمن بناء تجربة وحزب واحد يهيمن، خاصة وأن ثقافتنا الديمقراطية مبتدئة هذا حتى في حياتنا وليس في السياسة، المرحلة تقتضي التشارك والوفاق، لكن النتائج تجعلني أخشى هيمنة "نداء تونس". هذا في المطلق، لو أن النهضة فازت في التشريعات قلت لا نرشح من عندنا في الرئاسيات". "وتابع: نحن أمام حزب له كل مقاليد السلطة؛ البرلمان والرئاسة له، والحكومة قادمة، هذا هو الخطر، الخطر والتخوف سيكون مضاعفا عندما ننظر إلى تاريخ هذه الشخصيات الباجي أو المكوّنين لنداء تونس، أنا أقول ليس هنالك احتراز نظري بل على مستوى الواقع، لا شيء يطمئن في خطاب أو تاريخ السبسي وحتى قيادات حزب "نداء تونس". وبخصوص انتقاده للنهضة، وكان قياديا بارزا فيها، قال إن الحركة اقتنعت بالتشاركية والوفاق، ومع الأسف نتيجة لسياستها الانتخابية والإستراتجية أخلت بهذا التوازن، النهضة بنت سياستها على أساس أنها ستفوز حتماً في التشريعيات وفرّطت في ورقة الرئاسيات ولم ترشح أحدا، ليس بالضرورة ترشيح حمادي الجبالي، قلت لحركتي لست راغبا لكن أن تنسحب من الرئاسيات وتخسر البرلمان، يعني أنك فرّطت في كل عوامل التوازن في البلاد، هذا انتقادي للحركة، نتيجة لخطئها ثمة خلل في التوازن السياسي والاجتماعي وهذا خطر على الديمقراطية، النهضة سلمت بما يحدث من حولها بعدم الترشح وانطلقت بأن "الإسلام السياسي" محاصر ومنبوذ في الشرق العربي، هنالك دعاة الحسم والاستئصال، وفي الأخير فقدت التوازن وفتحت الباب للهيمنة. وتابع: إذا كان السبب الأساسي للثورة التونسية والعربية هو هذا الشرخ الاجتماعي والاقتصادي بين المناطق، زيادة على الاستبداد السياسي الذي تحول إلى مظلمة وفساد، لكن الأصل عندنا الشرخ الاجتماعي والجهوي بين الشرق والغرب، فإنه الآن يتم تكريس الشرخ بين الشمال والجنوب، للأسف وعوض أن نعالج الموضوع بالخطاب زدناه تأزّما، الخطاب الذي سمعته من نداء تونس مفاده أن الجنوب صوتوا للمرزوقي وأن هنالك تطرفا وعنفا وجهوية، وسمعت من محسن مرزوق-مدير حملة السبسي- أنه على الجنوب أن يعود إلى السياق الوطني، هذا أمر خطير، السياق الوطني عند مرزوق هم دعم الباجي وهذا خطير، وإذا أضفنا إلى ما يحصل مخاطر الجنوب التونسي على الحدود الليبية نصبح أمام وضعية مزدوجة. ومضى يقول: عوض حل المشاكل الاجتماعية بالتنمية وتوزيع الثروة بالعدل فرقنا بين هذا وبين نظرية الاستقطاب الإديولوجي الديني وهذا هو خطاب نداء تونس والسبسي بقوله إن هنالك مشروعيْ مجتمع، من صوّت للمنصف هم من "الإسلام السياسي" والرجعية والتخلف وهذه السلفية وهذه الجهادية، والأخطر أن هذا الأمر يقوله للأذن الغربية، ويقول كذلك إن الشق الآخر في المجتمع شق ديمقراطي حداثي لبيرالي، بهذا يقول للغرب نحن ندافع عنكم نحن السد المنيع، إنهم ينفخون في لعبة خطيرة وهذا هو الخطر الداهم، هذا هو الصراع الإديولوجي. وأردف:لهذا قلت إنه غير مطروح حاليا الحديث عن "إسلام سياسي" حتى التسمية لسنا بحاجة إليها، وأرفض تسمية الحزب الإسلامي، الإسلام قاسم مشترك والشعب التونسي ليس له مشكل في هذا الموضوع لا يبحث صباحا عن القبلة أو المسجد، هو مسلم، لكنه يبحث عن الشغل والحياة والكريمة. ورأى الجبالي أن الناخبين اختاروا رئيس حزب "نداء تونس بناء على ما يسمى الاقتراع العقابي وهو معروف في كل التجارب خاصة في أوروبا الشرقية، الحزب الذي يتصدر بعد الثورة فإنه سيخسر في أول انتخابات، ثانيا أن المواطن له مطالب واضحة وليس مهتما كثيرا بالقضايا الإيديولوجية، ثالثا هنالك معطى جديد وهو الإرهاب والتطرف، كرهنا أو أحببنا، حيث ذبح الناس على الشاشة مباشرة في "داعش" تحت لافتة لا إله إلا الله، هذا الأمر للتونسي مخيف، وهو يبحث عن نوع من الحماية وهيبة الدولة والحزم في ظل من اعتبر أن النهضة لم تكن حازمة. وبخصوص استقالته من حركة النهضة بعد 40 سنة من النشاط،. وأوضح قائلا: الحركة كانت دائما قوة اعتدال وتعادل في الساحة التونسية، الساحة التونسية بها ثلاث قوى، القوى الاجتماعية التي يشكلها اتحاد الشغل، النظام سواء بورقيبة أو بن علي، والقوى الإسلامية، وان كنت لا أحبذ هذه التسمية، والمعروف أنه إذا اجتمع اثنان على ثلاثة فسيسببون له حرجا كبيرا، والنهضة في غالب الوقت كانت لوحدها تعاني سواء تحالف الطرفين أو تغوّل النظام، التوازن داخل البلاد هش، والتوازن السياسي يشكله النداء والنهضة، ولكن الآن فقدت هذا الدور بسياستها وارتكبت خطأ إستراتيجيا كبيرا ومكنت طرفا واحدا من الهيمنة. وقال: قد بعثت برسالة منذ 6 أشهر إلى قيادة الحركة، قلت فيها أنتم تعرفون موقفي من الحكم، ومن علاقة الحزب بالحكم، ولم أكن موافقا عليه وخرجت واستقلت من الحكومة. ولست راغبا في الترشح، ولو أردت الحكم لبقيت في الحكومة ولا أحد كان قادرا على أن يزحزحني، لأني رئيس حكومة وفق الدستور، وكنت مدعوما من المعارضة واتحاد الشغل، وقلت لهم كذلك لست راغبا في المنصب، ولكن إذا لم أكن مرشحا للحركة قدموا أحد أبناء الحركة أو ادعموا مرشحا آخر، وحذرتهم من الحياد، وقلت حينها ستفسحون المجال لنداء تونس إذا خسرنا التشريعيات. وأضاف مستدركا: أتفهم موقف الحياد الذي تبنته الحركة انطلاقا من تجربة الإخوان ومرسي، وأن التوازنات العالمية لا تسمح ب"الإسلام السياسي"، وقلت لهم يجب أن لا نهيمن أو نخيف، يجب التحول التدريجي مع تفادي الأخطاء، لكن أن تنتقل من الأقصى إلى الأقصى بدعوى رفض الهيمنة ومنحها للآخر، فهو غير مقبول وقد يكون الطرف الآخر أكثر هيمنة،تحدثوا كثيرا عن التوازنات الإقليمية، واستقرار البلد يمر عبر التوازن في السلطة، كانت لنا محطتان تشريعية ورئاسية، وقلت لهم إذا فزنا في التشريعات نسحب ترشحنا من الرئاسة، ومما قلته كذلك لو فزنا في التشريعيات وقدمت الحركة مرشحاً في الرئاسيات سأكون ضدها.