البناء على الأخطاء لا يدوم وسيقود اليمن إلى كارثة محققة، وهذا ما يمارسه الرئيس هادي الآن بتواطؤ القوى السياسية الفاعلة للأسف، والشعب هو الضحية في الأخير.. اللبنة الأولى لما يحدث اليوم من انهيار في البلد وضعت في اللجنة الفنية للحوار التي لم تتشكل من خبراء ومتخصصين كونها ستضع حجر الأساس لخارطة اليمن الجديد، وإنما شكلها الرئيس هادي من فريقين أحدهما قيادات حزبية مشغولة، الصحيح منهم يعاني من مرضين مزمنين ويبحث عن فراش النوم بعد صلاة المغرب، وهذا الفريق كان وجوده وعدمه في اللجنة سواء لصالح الفريق الثاني وهو فريق شاب لكن بلا خبرة ولا تجربة استطاع أن يدس السم في العسل من طرح قضايا هامشية كزواج الصغيرات، وتعدد القضايا وسوء تقسيم الحصص وكثرة الأعضاء وإغراق مؤتمر الحوار بقضايا لا علاقة لها بالواقع.. انعقد مؤتمر الحوار بناء على خارطة اللجنة الفنية وهي خارطة مختلة أساسا انعكست سلبا على مؤتمر الحوار حيث تحول كل فريق إلى دولة مستقلة يأمر وينهي، ومعظم أعضاء مؤتمر الحوار غير مؤهلين وليس لهم تجارب سياسية أو مهنية، وكان هدف القيادة السياسية انتهاء المؤتمر بأي طريقة، ولم تدرك أن كل نص في مخرجات الحوار سيتحول إلى شماعة لاحقة للقوى المتربصة بالبلد.. كل فريق في مؤتمر الحوار تحول إلى حاطب ليل وكتب أعضاؤه ما يريدون ولو كانت بعيدة كل البعد عن مهمتهم، فهذا فريق صعدة يطالب بإلغاء وزارة الإعلام ولا علاقة لذلك بحل قضية صعدة ويفترض أن هذا من اختصاص فريق المؤسسات، وجاءت مواد غير منطقية فالحوثي مثلا يضع بندا لاستيعاب مليشياته في مؤسسات الدولة، ولم يتكلم أحد عن عدد هذه المليشيات وهل الاستيعاب يكون بناء على معايير الوظيفة العامة أم لا، وهل يتم توظيفهم دفعة واحدة أم على مراحل في اطار خطة زمنية تراعي إمكانية وقدرات الدولة، وغيرها من البنود مرت مرور الكرام ويفترض أنهم توقفوا أمامها لأنها تمهد لوضع كارثي.. كان يفترض أن تعرض كل مخرجات الحوار على لجنة مختصة تبدأ بالجلوس مع كل فريق، وتحذف أولا كل قرارات خارجة عن وظيفة ومهام الفريق أو متعارضة مع المبادئ العامة، فاستيعاب مليشيا مسلحة في مؤسسة الجيش والأمن يتعارض مع حيادية هذه المؤسسة مثلا، وتضع هذه اللجنة المختصة ضوابط للمواد الشائكة والمبهمة، وتفرمل كل الشطحات الغير منطقية والغير قابلة للتنفيذ واشتراط جدولة القضايا الكبيرة.. والمصيبة أيضا أنه لم يجر التصويت على مخرجات مؤتمر الحوار بحسب اللائحة الداخلية، وتم إنهاء المؤتمر بطريقة مسلوقة وسط اعتراض عدة مكونات سياسية، وخلال عام تقريبا من انتهاء مؤتمر الحوار لم يقدم الرئيس هادي على أي خطوة نحو تنفيذ بعض مخرجات الحوار، وكأن القضية مزحة ثقيلة.. الآن الخلاف على أشده حول الفيدرالية، فالحوثي يرفض التقسيم الحالي كشماعة لإكمال انقلابه على النظام الجمهوري، والاشتراكي خائف على ضياع القضية الجنوبية ويريد فيدرالية من إقليمين وهذه الفكرة ترفضها كثير من الأحزاب والقوى السياسية باعتبارها نواة للانفصال، والرئيس هادي مصر على ستة أقاليم بحجة أنها الوسيلة المثلى لتوزيع الثروة والسلطة!! هناك مئة طريقة لتوزيع الثروة والسلطة والقضاء على المركزية والحكم المحلي يفي بهذا الغرض وزيادة، والفيدرالية محفوفة بالمخاطر وتحذيرات مختلفة من اعتمادها في ظل الوضع الحالي، وعدم وجود المؤسسات ناهيك عن الكلفة المالية في بلد فقير ولم تكن مبنية على دراسة علمية، والأحزاب قدمت رؤى حول اليمن الاتحادي عبارة عن مقالات مطولة وشكوك أن من كتبها هم حراس المقرات لأنها لا ترقى لمستوى الدراسات بحيث يعتمد عليها أو يستدل بها الرئيس في خطابه الأخير أمام لجنة صياغة الدستور، فهل نتمسك بالفيدرالية من إقليمين وندع فرصة للحوثي يكمل ابتلاع الدولة؟! الرئيس لا يريد التراجع عن الستة الأقاليم كونها من مخرجات الحوار، ومخالفتها يعني فتح الباب أمام التنصل من مخرجات الحوار المقدسة لكنه يتناسى أنه خلال الأشهر الماضية قد خرق عشرات المواد من مخرجات الحوار ويكفي التعيينات العسكرية الأخيرة، فلماذا يخرق بعض مواد ويتمسك بأخرى؟! مخرجات الحوار ليست قرآنا رغم أهميتها، وطالما هناك معارضة لأهم مخرجاتها فلماذا لا يعاد النظر فيها جميعا لتلافي كل الأخطاء الماضية ومن بينها الأقاليم؟! يتم إسناد تقسيم الأقاليم إلى لجنة مختصة وبناء على دراسة علمية أو تتحول كل محافظة إلى إقليم ويتم توزيع الصلاحيات والثروة على كل المحافظات، وكل محافظة تحكم نفسها بنفسها ونرضي كل الأطراف ونقطع الطريق أمام العابثين بأمن واستقرار الوطن.. لا نريد الأقاليم أن تتحول إلى قشة لكسر ظهر اليمن، وليس عيبا أن يعاد النظر فيها بما يخدم البلد بدلا من المكابرة الغير مدروسة أو إعادة النظر فيها بعد خراب مالطا، وتكون هذه الإعادة ضمن إطار أوسع يعاد خلاله النظر في كل مخرجات الحوار لتنقيتها من الشوائب والمصائب.. شكلوا لجنة متخصصة لدراسة الفيدرالية والأقاليم تلبية لطلب الحوثي ولجنة أخرى من الخبراء والمتخصصين المستقلين الذين يحضون بإجماع الشارع اليمني تتولى مراجعة مخرجات كل فريق في مؤتمر الحوار على بند بند بالجلوس مع المسؤولين والمعنيين لتدارسها لأن كثيرا من المسؤولين يقولون إن بعض المواد المتعلقة بوزارتهم تنظير لا أساس له في الواقع، وهم يتحدثون من واقع عملهم وتجربتهم بخلاف الذين كانوا في مؤتمر الحوار أسقطوا مواد من خلال مشاهدتهم للفضائيات الأجنبية والأفلام لأن هناك مواد غير قابلة للتطبيق ومثالية، ومواد بحاجة لموازنات ضخمة لا تقدر عليها الدولة، وتقدم اللجنة تقريرا شاملا في فترة محددة تحدد فيه ماهية المواد المفيدة والضارة، وستقبل كل القوى السياسية بتقريرها اذا كانت فعلا لجنة مستقلة وتضم خبراء ومتخصصين.. لا يدمر الحوثي البلد بدعوى سوء تقسيم الأقاليم، ولا يقود الرئيس هادي اليمن إلى كارثة بالإصرار على فيدرالية غير مدروسة ويحول الوطن إلى حقل تجارب، والوضع لا يحتمل أي مغامرة جديدة.. الحل الأمثل هو لجنتان، إحداهما لدراسة الأقاليم ونظام الفيدرالية، وأخرى لمراجعة مخرجات الحوار وتحديد الممكن والغير ممكن وجدولة بعض المواد حتى لا تتحول بعض المواد إلى قميص عثمان كما هو حاصل الآن، وهذه هي الفرصة الأخيرة أمام القوى السياسية للتكفير عن ذنوبها، وتدارك الوضع ما لم فنحن مقدمون على مرحلة تاريخية سوداء سيدفع الجميع ثمنها.. وإلى جانب اللجنتين يتم إخضاع مسودة الدستور الجديد إلى دراسة شاملة وعدم سلقه لأن هذا الدستور سيؤسس لمرحلة طويلة من الزمن، وليس عقد إيجار منزل خصوصا وأن التسريبات الإعلامية حول بعض بنود الدستور الجديد تثير الفزع ولا تساوي قيمة وجبة من الوجبات التي تناولها أعضاء اللجنة في الإمارات، فالدستور قضية مصيرية لا يجب أن تتعامل معه الأحزاب بسطحية مهما كانت المبررات للخروج بدستور قوي من أجل إيقاف هرولة البلد نحو الفوضى والدمار. * رئيس تحرير أسبوعية الناس