أميل إلى الإعتقاد بأن «الغربة اللغوية» وعدم توفر خبرة حقيقية بتكوين الشخصية الأردنية تحديدا إضافة لعناصر الخلل الإجرامية المألوفة في تصرفات وأفعال وفتاوى مجموعة «داعش» من الأسباب الحقيقية التي تقرب المنطقة كثيرا من الحلقة الأخيرة في مسلسل داعش . لدي معلومات واسباب ترجح وجهة نظري في هذا السياق فقد إستفزت جريمة إعدام الطيار الشهيد معاذ الكساسبة مشاعر الأردنيين كما لم يحصل من قبل ليس فقط من جزئية الإعدام ولكن أيضا في تفصيلة طريقة الإعدام التي لا تبررها شرائع ولا أخلاقيات ولا أسس صراع ومعارك. من الواضح ان المجموعة الداعشية التي أسرت الطيار أصلا هي مجموعة «شيشانية» وأفرادها حتى حسب المنظر السلفي الشيخ أبو محمد المقدسي لا يجيدون اللغة العربية وبالتالي لا يمكنهم التواصل بصورة جيدة بالعربية لا مع قيادتهم ولا مع الأسرى والأهم أنهم لا يجيدون قراءة آيات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بصورة صحيحة . الأجانب الذين إستعان بهم تنظيم داعش أو من خلفه في مسألة الإشتباك الجهادي في العراق أولا وسوريا ثانيا لا يمكنهم فهم المنطقة وظروفها الإجتماعية وعقلية اولادها جيدا ومن الواضح أنهم معنيون برسالة القتل والعنف والدموية أكثر من اي رسالة اخرى على اساس المزاودة عبر التشدد والغلو على أبناء المنطقة حتى من الجهاديين . القيادة الأردنية نصحت قيادات داعش عبر الوسطاء الذين حاولوا تأمين صفقة للإفراج عن الطيار الأسير قبل إستشهاده بالإستفسار من شركائهم وحلفائهم الأردنيين في التنظيم عن طبيعة الشخصية الأردنية تجاه إساءة التصرف. هذه النصيحة ذهبت ادراج الرياح ومن المؤكد بأن الفارق الثقافي والحضاري وغياب التواصل اللغوي والحضاري مع اجانب داعش الذين أسروا الطيار الأردني اصلا لعب دورا اساسيا اليوم في تقريب نهاية المسلسل الداعشي الذي اتوقع له شخصيا أن يختفي فجأة كما ظهر فجأة . حتى الجهاديون السلفيون في الأردن ادركوا حجم الجرح الذي توشك دولة الخلافة على التسبب به لجميع الأردنيين من دون تفريق فإجتهدوا للفت نظر القيادة العراقية في التنظيم على أمل إيجاد حلول من اي نوع للأزمة قبل ان نشهد جميعا فصولها الحالية. منظر السلفية الجهادية أبو محمد المقدسي إجتهد داخل السجن لإدراكه بأن تفاصيل المعركة ستختلف إذا ما دخل الأردن بثقله وبغطاء شعبي واسع غير مسبوق على الخط..الرجل إستعمل هاتفه الشخصي بإشراف مسؤولين أردنيين مع جهازه الإلكتروني لإرسال رسائل بهدف الوساطة وتمكن من إيصال رسالة للبغدادي ولأبومحمد العدناني لكن الأخير لم يظهر الإهتمام الكافي بالمسألة. جهل أجانب داعش على الأغلب بالبنية العشائرية والنفسية الوطنية للأردنيين تحديدا تسبب بجريمة الإعدام البشعة التي أخرجت بسبب تفصيلاتها وطبيعة تضامن الأردنيين معا وخلف مؤسساتهم الحالة الشعبية العامة من اي مسافة يمكن ان تتعاطف مع داعش أو حتى تتفهم مسوغات حربها الجهادية على اي نحو. عمليا أخطأ شيشان داعش الذين أسروا الطيار الأردني في حساباتهم تماما فدفعوا الأردنيين جميعا للتوحد خلف مواجهتهم رغم التعاطف الشعبي الأردني المعتاد والتاريخي مع تظلمات اهل السنة في العراق وسوريا. لم يكن بالإمكان غفران اي اردني لجريمة إعدام الطيار وكان من الطبيعي جدا أن تتحرك بنية الشعب الأردني برمتها خلف المؤسسة العسكرية وهي تطالب بالثأر والإنتقام وحتى النظام لم يكن يستطيع تجاهل السيل الشعبي العارم الذي يطالب بالرد مزنرا بإحساس من القهر والألم جراء المشهد الذي إحتفلت به داعش لأغراض القصاص المفترض فأصبح الرأي العام باليوم التالي يطالب بإجتثاثها وليس فقط القصاص منها. الرسالة كانت تهدف بوضوح لزرع الفتنة بين الشعب الأردني والنظام لكن القراءة هنا تحديدا كانت مغرقة في الحسابات الخاطئة ولا تعرف هوية الأردنيين ولا تدرك بنية عشائرهم فكانت النتيجة معاكسة تماما لأن الأردن لا زال المساحة العربية الوحيدة التي يعبر فيها النظام عن الهوية السياسية والوطنية للشعب بصرف النظر عن محدودية الموارد والمشكلات الإقتصادية خلافا لما يحصل في دول الجوار. تصرف داعش الذي يقال الآن انه لم يكن مركزيا كان مغرقا في الغباء والجهل والوحشية والغرور وضع نحو سبعة ملايين أردني بلا شك في موقف عدائي جذري يتكثف في نقطة اللاعودة خلافا لأن ضعف الجيش العراقي وإنشغال السوري و»دلال» التحالف دفع الدواعش للأعتقاد بمهمة سهلة مع الأردنيين ..هنا كان الحساب المغرق في الخطيئة وليس الخطأ فقط . لذلك أتوقع شخصيا بان يعرض «الإنتقام الأردني» بعد استثماره من الجميع لنا قريبا الحلقة الأخيرة من مسلسل داعش . العسكر الأردنيون محترفون جدا و قليلو الكلام ولم نسمعهم سابقا نحن المواطنين يتحدثون في المنابر ويزاحمون على الأضواء كما يفعل جنرالات الأنظمة التي غرقت بالوحل.. لذلك نصغي لهم بجدية عندما يتحدثون عن «مسح» وإجتثاث داعش بصرف النظر عن التحالف. القدس العربي