تلك العبرات التي حبسها المستشار الجليل حسام الغرياني وهو يدعو للشهداء بأن يهنأوا, أثناء كلمته في حفل تقديم الدستور الجديد لرئيس الجمهورية، جعلتني أبكني فرحًا وفخرًا أمام أبنائي بأن بلدي قد أنجب قضاة شامخين مثل هذا الرجل العظيم الذي ظل يعمل هو ورفاقه الأبطال في الجمعية التأسيسية لكتابة أول دستور مصري تكتبه لجنة منتخبة من الشعب لأكثر من خمسة أشهر واصلوا فيها الليل بالنهار دون أن يتقاضوا أجرًا أو ينتظروا جزاء ولا شكورًا، وإن جميلهم هذا سيطوق أبناء مصر سنين طوالا قادمة، فلهم منا جميعًا كل التحية والتقدير. وسأظل أذكر لأبنائي بكل الفخر أنه كان لي الشرف أن أشارك مع آلاف المصريين الكرام وفي مقدمتهم الإخوان المسلمون، أؤلئك الذين خرجوا في مظاهرات عام 2006م، وتعرضوا للقمع الوحشي وهم يدافعون عن استقلال القضاء وقضاة الاستقلال الذي وقفوا في وجه الاستبداد الغاشم، وكان في مقدمة هؤلاء الرجال الرئيس الدكتور محمد مرسي وقد تعرض للاعتقال أكثر من 6 أشهر، ثم الآن يتهمه بعض السفهاء بعدم احترام القضاء، وهو ما يذكرنا بقول الشاعر يوسف القرضاوي: يا سيد الرسل طب نفسًا بطائفة … باعوا إلى الله أرواحًا وأبدانا أعطوا ضريبتهم للدين من دمهم … والناس تزعم نصر الدين مجانا أما مناسبة تلك المظاهرات فكانت إحالة كل من المستشار هشام البسطويسي والمستشار محمود مكي نائب رئيس محكمة النقض ورئيس لجنة متابعة الانتخابات في نادي القضاة، إلى مجلس تأديبي ظالم لرفضهما تزوير انتخابات عام 2005م، بينما غيرهما جبن عن خوض النزال ضد الديكتاتورية رغبًا أو رهبًا, وقال إن دور نادي القضاة يقتصر على توفير المصايف والسيارات والرحلات. ومن مواقف المستشار محمود مكي الشهيرة حديثه مع اللواء إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة، ومطالبته له بوقف سحل وضرب المتظاهرين، وتخويفه وتذكيره له بوفاة ابنه عمر الذي هو في سن هؤلاء الشباب. وعندما قامت ثورة 25 يناير العظيمة، قطع المستشار محمود مكي سفره خارج البلاد للمشاركة في فعاليات الثورة بمسجد القائد إبراهيم ثم اعتصم بعد ذلك بميدان التحرير، وكان قارئ البيان الأول لثورة 25 يناير من على المنصة الرئيسية فى ميدان التحرير يوم 11 فبراير عام 2011م. أما أعجب تصريحات المستشار محمود مكي نائب رئيس الجمهورية والتي يجب أن تدرّس لأولادنا، فهو حديثه الأخير لقناة الجزيرة الذي جاء فيه: إن أفضل مكسب في الدستور الجديد أنه ألغى منصب نائب الرئيس الذي يشغله هو الآن، وأنه راض ومتحمس لإقرار الدستور الذي سيفقد بموجبه منصبه بمجرد إقراره من الشعب، وكذلك الرئيس سعيد بتقلص صلاحيته الأسطورية التي يتحدث عنها البعض. قررت أن أكتفي بهذا القدر من السطور المضيئة في تاريخ مصر الحديث، وأن لا ألوث أعينكم وأسماعكم بالحديث عن النموذج الآخر للقاضي حلاوة الذي يمقت القضاة الشرفاء فتواجدهم في الصورة يظهره ضيئلًا مهينًا، لذا يحاول أن يحط من قدرهم بالغمز واللمز.