رحم الله الملك فيصل بن عبد العزيز، دفع حياته ثمنا لموقف إسلامى عربى جليل، وهو تمسكه بالقدس عربية إسلامية، وسبق ذلك موقفه النبيل من الوقوف مع مصر بعد هزيمة 67، حيث تناسى ما فعله المناضل الحنجورى المهزوم دائمًا، وقاد مؤتمر الخرطوم آنئذ ليقرر مساعدة مصر ماليًا حتى تواجه العدوان النازى اليهودى، وتجبر جناحها المهيض وتنهض مرة أخرى. ورحم الله الشيخ زايد آل نهيان الذى قام بدور مشابه مع مصر الجريحة دون منّ ولا أذى، ولم تصدر عنه كلمة معيبة فى حق مصر ولا المصريين، ولم يكن غريبًا أن يسمى المصريون تعبيرًا عن تقديرهم وشكرهم شارعًا من أكبر شوارعهم باسم الملك فيصل، وحيًا من أكبر أحياء القاهرة باسم الشيخ زايد، فضلاً عن أحياء أخرى ومدن وقرى حملت اسم الراحلين الكريمين. كانت السمة العامة لدول الخليج عدم التدخل فى شئون مصر أو تسخير الإعلام الخليجى للنيل منها، فهى تعلم أن قوة مصر قوة لها والعكس صحيح، والشعب هناك مرتبط بالشعب المصرى بأواصر وعلاقات عميقة ومصالح متبادلة، والصداقات قائمة بين الأسر والعائلات والأشخاص، والخليجيون حين يأتون إلى مصر يرونها بلدهم وربعهم الذى لم يفارقوه هناك. والمصريون بالمثل يعيشون فى أرجاء الخليج بين أهليهم وذويهم يبنون ويعمرون. حتى فى أثناء الفترات التى شهدت قلقًا فى العلاقات السياسية أو اضطرابًا ظلت الأمور فى إطارها المقبول الذى يجعلها تبقى كما هى طيبة ومتفاعلة. ولكن الفترات الأخيرة شهدت من بعض الأطراف فى بعض دول الخليج محاولات للقفز على هذا الواقع، والسعى إلى تدشين سياسة جديدة غير متسقة مع طبيعة المواطنين هنا وهناك، وكانت ثورات الربيع العربى، مناسبة لتعمل هذه الأطراف من خلال الإعلام خاصة، لبث الفرقة بين الشعب المصرى، ومناصرة فريق ضد آخر، وتحريض بعضهم ضد بعضهم الآخر! إمارة خليجية صغيرة جعلت من نفسها مأوى وملجأ للهاربين من اللصوص والجلادين والفاسدين الذين آذوا الشعب المصرى، ونهبوه، وجعلوه معرة الأمم. وليتها آوت هؤلاء المجرمين، وجعلتهم يصمتون كما يفترض فى دول الملجأ والملاذ الآمن، ولكنها تركتهم يرتعون ويلعبون، ويصنعون المؤامرات، ويوجهون التهديدات والسباب إلى الشعب المصرى وثورته العظيمة الرائعة بعد أن استقبلت أموالهم الحرام التى نهبوها من دماء المصريين، بل إن بعض المسئولين فى هذه الإمارة التى صارت بؤرة لأعمال التجسس والتآمر على العرب والمسلمين، ومكاناً للأعمال المنافية للأخلاق والآداب، قام بنفسه بعمليات هجاء رخيصة لمن يحكمون مصر، واستخدم التقنية الحديثة فى التواصل الاجتماعى ليذيع رسائل مليئة بالسباب والبذاءة والفحش ضد أشقائه، وهو الذى جعل إمارته ملعبا للموساد واليهود يتحركون فيها بمنتهى الحرية والاطمئنان، ويرتبون لمؤامراتهم واغتيالاتهم وصفقاتهم الحرام! لقد تضمنت إحدى رسائله مؤخرًا إشارة واضحة إلى احتفاظه بخطوط اتصال وترتيب مع بعض القوى التى ترتب لانقلاب على الرئيس المصرى المنتخب، وعلى سبيل المثال – أطلق رسالة عبر حسابه الشخصى فى موقع التواصل الاجتماعى "تويتر" يقول فيها إن مخطط إنهاء حكم الإخوان والرئيس محمد مرسى سينجح خلال شهرين، وقال فى تغريدات خطيرة "عناوين الصحف خلال الشهرين القادمين سوف تكون حول "الإخوان ذهبوا مع الريح". وواصل هجومه العنيف على جماعة الإخوان المسلمين قائلاً: إن العناوين المقبلة أيضًا ستكون "الإخوان ضربهم الطوفان، وفلول الإخوان ليس لهم مكان"، وفى إشارة عنيفة للرئيس المصرى محمد مرسى قال: "إن الطاغية يتمسك بالمظهر الديمقراطي، فلا يستمع إلا لصوت غروره وغطرسته، فهو لا يحس كما نحس ولا يتألم كما نتألم". من حق صاحبنا أن يختلف مع الإخوان كما شاء، ولكنه يجب أن يتذكر أن الشعب المصرى هو الذى يختار فى انتخابات حرة نزيهة من يحكمه، وحين يختار الإخوان أو غيرهم فعليه أن يحترم هذه الإرادة، ولا يتدخل فيها، وأظنه لا يقبل أن يقول أحد من خارج إمارته إن الحاكم الذى عينه مقامر، أو منحرف، أو لص يسرق أموال الإمارة. وكما لا يقبل ذلك يجب عليه أن يكف لسانه وعدوانه على الآخرين. فإذا كان يتصور أن له لساناً وعينًا، فللناس ألسن وأعين بلا حصر ولا عد. الأمر الغريب أن تتبنى بعض دول الخليج أبواقاً إعلامية وصحفية مهمتها تسفيه الثورة المصرية وإذكاء نيران الخلافات بين القوى السياسية المصرية، وللأسف فإن هذه الأبواق تتكون من مجموعات مصرية تنتمى غالبًا إلى الفكر الشيوعى والناصرى والمرتزقة الذين يرددون ما يقوله من يدفع لهم أيا كان. والمفارقة أن بعض هذه الدول يرفع راية الإسلام والدفاع عنه وفى الوقت نفسه تجد المنابر الإعلامية والثقافية والصحفية لديها تدار بوساطة هؤلاء الشيوعيين وأتباعهم من الذى لا يؤمنون بالله والناصريين الذين يقدسون الطاغية المهزوم والمرتزقة الذين لا خلاق لهم، وكلهم يتمترس فى خندق العداء للإسلام ومحاربته، والعمل على استئصاله بكل السبل والوسائل، والإصرار فى أقوالهم وكتاباتهم على السخرية من الشريعة وتشويهها واتهامها بالجمود والتخلف. لا يقتصر الأمر على الشيوعيين المصريين، ولكن وحدة الشيوعيين العالمية تجعلهم يستدعون رفاقهم من الدول العربية الأخرى ليكون العمل الإعلامى والثقافى والصحفى فى تلك الدول قاصرًَا عليهم وحدهم، فإذا فتحت قناة تليفزيونية رأيت الوجوه نفسها، وإذا فتحت صحيفة أو مجلة رأيت الأقلام ذاتها، وكله تسعى إلى استئصال الإسلام فى مصر العربية المسلمة، ووأد التجربة الديمقراطية التى تؤصل للحرية والكرامة والعدل.