قامت الثورة الإيرانية سنة 1979م فاشترك فيها السنة والشيعة على اعتبار أنها ثورة تنشد التحرر من قبضة النظام الملكي كحال كثير من الدول التي ثارت على ملوكها طلبًا للحرية، وقدر لها النجاح كما قدر لغيرها، وأجبر الشاه على أن يهيم في الأرض لا يدري أين يتجه بعد أن رفضه جميع أصدقائه لينتهي به الأمر في مصر فلم يعمر إلا قليلًا حتى أدركه الموت الذي ليس منه مفر… وخرجت البيانات والخطب من قادة الثورة التي أطلقوا عليها إسلامية لتعلن أن إيران على أبواب دولة إسلامية حديثة تتخذ كتاب الله وسنة رسوله لها دستورًا، واتخذ لها لقب "الجمهورية الإسلامية" فصفق لها وسعد بها وهلل كل قادة الصحوة الإسلامية تقريبًا الذين كانوا يحلمون بمجيء اليوم الذي يعلن فيه عن قيام الدولة الإسلامية ولو في قُطر واحد من الأٌقطار، واتخذ قادتها رموزًا يتأسى بها.. ويومًا فيوم وجدنا تلك الثورة التي صفق لها الإسلاميون تبدأ عملها بتصفية علماء وقادة أهل السنة الذين شاركوا في الثورة بالقتل والتعذيب والسجن، وصاروا يضيقون عليهم في ممارسة عبادتهم بصورة جعلتهم يترحمون على أيام الشاه رغم ما عرف عنه من قسوة وفساد.. وهذه صور لبعض ما يلاقيه أهل السنة في إيران على أيدي حكام الثورة الإيرانية.. إرهاب العلماء: فقد سلكت حكومة الثورة الإيرانية أسلوب الإرهاب مع كل عالم سني يحاول أن يظهر للناس عقيدته، ومن ذلك ما حصل لأحد العلماء الذي تناول في خطبة الجمعة الحديث عن ولاية الفقيه وكان المصلون من أهل السنة فقال: لا يجوز لنا الاعتقاد في العصمة لأحد من الناس بعد نبينا كائنًا من كان، فاقتيد إلى السجن، ولم يلبث الشيخ في السجن أقل من أسبوع حتى أعلن توبته في المذياع، وأمر بولاية الفقيه على الملأ، ثم بعد أن سأله أحد كبار العلماء عن سبب رجوعه عن رأيه فقال: والله ما رجعت عن اعتقادي، ولكنني اضطررت لذلك عندما أدخلوا السجن عشرة شبان من الحرس الخميني، ومعهم من يرتدي العمامة السوداء وهو يحثهم على اللواطة بي أو أن أرجع عن رأيي على الملأ، وهو يقول لهؤلاء الشبان أنتم في فعلكم هذا مثابون عند الله عز وجل، وليس عليكم غسل بعد اللواطة. كما قاموا بالقبض على الشيخ مولوي نذير أحمد وهو عضو في مجلس الشورى الإيراني سابقًا، ومن العلماء الصالحين، وذلك لأنه تكلم عن فضل الصحابة رضوان الله عليهم، وحكم من سبهم أو لعنهم، فقبض عليه مثل الشيخ السابق، وتحت ضغط من الإكراه الذي لا نعلم حدوده ظهر الشيخ على شاشة التلفاز بعد القبض عليه، ولمدة سبع دقائق يتحدث بأنه كان عميلًا للرئيس صدام حسين، وأنه من الاستخبارات العراقية، و…، ولم يرتضوا منه بذلك حتى لفقوا له تهمة الزنا، وقتلوه رجمًا. وقد ألقي القبض على الشيخ نظر محمد البلوشي العضو السابق في البرلمان الإيراني المنتخب من قبل سكان مدينة إيرانشهر بلوشستان بسبب احتجاجه على محاضرة ألقيت في موضوع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ومعركة الجمل التي أذيعت من إذاعة طهران وقال المحاضر فيها: إن المرافقين لعائشة في معركة الجمل أئمة الكفر فجاشت غيرة الشيخ المذكور الدينية ورد على هذه المحاضرة وذمها وقدم احتجاجه بخصوصها. والنماذج التي نالتها أيدي هؤلاء الآثمة تضيق عنها سطور المقال؛ لذا سأستعيض عنها بنقل فقرات لرجل شيعي معتدل في فكره، وكان من المقربين لقادة الثورة أنفسهم، وهو الدكتور موسى الموسوي، الذي يقول في تلك الفقرات: "وحدثني المحدث نفسه أنه عندما ذهب بصحبة الخلخالي (جلاد الثورة) إلى كردستان لقمع الحركة الكردية، أراد الشيخ الجلاد لدى وصوله إلى سنندح تنفيذ حكم الإعدام في ثلاثين شخصًا من المسجونين فورًا، وقبل التثبت من اتهامهم وهوياتهم، فقال له: اتق الله يا رجل، كيف تقتل أناسًا لم تعرف أسماءهم؟ كيف بأعمالهم؟ فأجابه الشيخ الجلاد: لإلقاء الرعب في نفوس الناس عامة.. ويقول أيضًا: أنقل هنا حديثًا متواترًا نقل من محمد الكيلاني رئيس المحاكم الثورية الإسلامية والذي أعدم من الشبان المجاهدين والشابات المجاهدات أكثر من ألفين في غضون ثلاثة أشهر، لقد ذهب الكيلاني إلى الخميني يطلب منه الموافقة بوقف أحكام الإعدام في الشباب المراهقين وإرسالهم إلى دار الأحداث لتأديبهم تربية تتلاءم مع أهداف الثورة، وترك الشيوخ رهن المحبس حتى يلاقوا حتفهم، لأن الشباب على حد زعمه يمكن إصلاحهم والشيوخ هم على قاب قوسين أو أدنى من الموت، فلا داعي إذن لإراقة دمائهم، فكان جواب الخميني "قاتلوا أئمة الكفر". إغلاق المدارس السنية بدعوى أن مؤسسيها وهابيون. العمل على إثارة علماء السنة ضد الطبقة المثقفة، زاعمين بأنهم شيوعيون، وكانت حكومة الثورة كما أشيع تقوم بتوزيع بعض المنشورات بأسماء هؤلاء فيها سب صريح للدين والإسلام ولعلماء المنطقة، ثم أصبح الجيش الإيراني يكتب على الجدران في المدن السنية الموت للإسلام وتحيا الشيوعية باسم هؤلاء الشباب؛ حتى ثار الشعب وعلماء السنة ضد هؤلاء الشباب ومكنوا الدولة من القبض على بعضهم، حيث نفذ حكم الإعدام فيهم، بل أعدم بعضهم في المدن "دهسًا" بالسيارات، وبهذه الدعوة طاردت الحكومة وتتبعت كل من يحمل شهادة الليسانس من السنة. إغراء الناس بالدخول في التشيع، وخاصة العلماء السنة، عن طريق تهيئة الوظائف المناسبة، ومنحهم بعض الامتيازات، وإعطائهم الرواتب الشهرية التي قد تصل إلى ثلاثين ألف تومان غير ما يحصله الإمام الشيعي من الهدايا والتحف، أما من يظل على مذهبه السني فيقتصر على ما يقدمه له أهل قريته من راتب متواضع في حدود خمسمائة، كما تقوم الحكومة الإيرانية بتوزيع بعض الأراضي الزراعية على من يتشيعون من أهل القرى السنية وتوفير مصادر المياه لها، وكانت النتيجة أن توغل التشيع في القبائل والقرى السنية، وبعضها وصل التشيع فيه إلى أكثر من 80% ..