لا يعرف الشاب اليمني أحمد حسين الجابري ما هو النادي الذي فاز ببطولة الدوري اليمني لكرة القدم في الموسم السابق، لكنه يعرف من هو بطل كل من الدوري الانجليزي، والاسباني، والايطالي، ودوريات أوروبية أخرى. والجابري نموذج للحالة الشائعة وسط الشباب اليمني، حيث تجد دوريات كرة القدم الأوروبية اهتماما واسعا، يصل درجة الهوس عند البعض، مقابل إهمال شبه تام للدوريات والمنافسات المحلية. وأوضح لنا شاب أخر، هو سعيد عوض مخارش: انه يتابع الدوريات: "الاسباني، والانجليزي، والايطالي، والسعودي، والقطري الى حد ما، وكذلك الإماراتي". ثم تحدث عن سبب عشقه لهذه الدوريات، وكشف عن معرفة كبيرة بالأندية التي تشارك في كل منها، ولاعبي تلك الأندية ومدربيها؛ لكن عندما سألناه "من هو بطل الموسم الأخير في الدوري اليمني؟"، فكر قليلا، وأجاب: "ممكن يكون أهلي صنعاء"، وكانت إجابته خاطئة. يقول الجابري "نهتم بالبطولات الأوربية أكثر من الدوري المحلي، لأن الكورة في الدوري اليمني غير متطورة، ومستواها ضعيف بحكم الإمكانيات المادية الشحيحة". ويتدخل شاب أخر: "الشباب يتابعون الدوريات الخارجية، لأنه ما فيش مستوى للدوري اليمني، لم يرتفع لمستوى دوري المحترفين، ما فيش معهم إمكانيات ولا ميزانيات، وهذا يعود للاتحاد العام لكرة القدم". رأي المختصين: لا يختلف هذا الرأي الذي عبر عنه الشباب، عن رأي المحللين والنقاد الرياضيين المختصين، ومن بين هؤلاء تحدث لإذاعة هولندا العالمية علي الحملي رئيس تحرير صحيفة "الرياضة" الحكومية اليمنية: "مستوى الدوري اليمني لا يشجع، ولم يصل إلى المستوى الجيد، أو المقنع، لذلك إذا وُضع الشخص أمام أحد خيارين: أن يشاهد مباراة في الدوري اليمني، أو في الدوري الاسباني، فان النتيجة معروفة". "لكن الدوريات ومستويات كرة القدم في مصر، ، والسعودية، والسودان مثلا، هي ضعيفة أيضا، مقارنه بالدوريات الأوربية التي يتابعها الشباب في اليمن، ومع ذلك فان المواطنين في تلك الدول يتابعون دورياتهم وينفعلون بها أكثر من غيرها". قلنا ذلك للحملي، فقال: "هذا يعود الى مدى احترافية ونجاح الشخصيات التي تدير الاتحادات الرياضية، وقدرتها على الترويج للدوري المحلي، وتطوير الأفكار القادرة على جذب اهتمام الجمهور وضمان حضوره لمتابعة المباريات في المدرجات والتشجيع، هذا أساس الكورة". ويضيف: "في الدوري المصري، والسوداني، والسعودي، وغيرها من الدوريات الناجحة في المنطقة، تلعب الخبرات التراكمية للقيادات الكروية دورا في استقطاب الجمهور، كما أن بعض الأندية والمنتخبات في هذه الدول لها تاريخ ومستويات عالية، وحققت بطولات على المستوى القاري في أفريقيا وآسيا" التراجع المخيف يلاحظ رئيس تحرير "الرياضة" أن اهتمام الجمهور في اليمن بكرة القدم، تراجع في المواسم في الأخيرة مقارنة بمواسم سابقة، ويقول "ذلك يمكن أن نلاحظه في المدرجات، حيث لا يوجد سوى العشرات من المتفرجين، على الرغم من أن المنشآت الرياضية متوفرة، وتم تطويرها وتحديثها، وتوفير الكثير من الاحتياجات التي كانت تنقصها فيما سبق عندما كانت المواسم الرياضية تحظى بحضور جماهير معقول، ولكن ذلك تراجع الآن بشكل مخيف" ويعزو على الحملي ذلك الى ما يصفه ب "طريقة إدارة المباريات، وفشل اتحاد كرة القدم في تنفيذ برامجه المعلنة، ومن بينها تطوير الأندية. المشاركة في بطولات الدوري والكأس. إضافة الى ظروف عدم الاستقرار التي مرت بها اليمن في العامين الماضيين". ظاهرة عامة ومع كل ذلك، يرى علي الحملي أن الاهتمام بالدوريات الأوروبية ليس حصرا على اليمن، بل "أصبح ظاهرة تشمل الشباب في دول عديدة، ومن بينها الدول العربية، بما فيها اليمن". معتبراً أن ذلك نتج عن "العولمة وثورة المعلومات والإرسال الفضائي، والبث التلفزيوني المباشر للمباريات بتقنيات عالية، واهتمام القنوات والشبكات الرياضية العربية بالبطولات الرياضية وبثها، والاستعانة بالمحليين والخبراء والنجوم السابقين في تحليل المباريات". ويضيف: "وهذا الاهتمام بالبطولات الأوروبية انسحب على الدوريات المحلية، لأنه استحوذ على اهتمام الشباب اليمني وأبعده من متابعة الدوري المحلي". نوادي المشاهدة تنتشر في العاصمة صنعاء والعديد من المدن اليمنية الأخرى، الكثير من النوادي والمقاهي والاستراحات التي تقدم مباريات كرة القدم، وخاصة المشفرة منها، عبر شاشات تلفزيونية كبيرة، أو عبر جهاز البروجكتور في البطولات العالمية والأوروبية الكبيرة. وتحتشد تلك النوادي بالشباب المتابعين. يوضح موسى حاميم الرفاعي الذي يعمل في أحد اكبر تلك النوادي بصنعاء، إن الدوري الاسباني يأتي في المرتبة الأولى من ناحية عدد الشباب الذين يتابعون مبارياته، وخاصة منها مباريات برشلونة، ثم ريال مدريد، ويأتي بعده الدوري الانجليزي، ثم الايطالي. أما الحضور الجماهيري الأكبر فيتحقق في مباريات كاس العالم، ومن بعده كاس الأندية الأوربية. ويفضل العديد من الشباب، حضور المباريات في تلك الأندية، ليس، فقط لأن معظمهم لا يملكون اشتراكا في القنوات المشفرة، التي تحتكر جل الدوريات التي يتابعونها، بل لأن الحضور وسط جمهور كبير نسبياً "يعطي المباراة طعماً ويجعلك كأنك في استاد الكورة" حسبما يقول أحمد الجابري وسعيد مخارش اللذان يؤكدان أن لديهما اشتراك في أكثر من شبكة رياضة تلفزيونية، لكنهما يفضلان حضور المباريات في النوادي وسط حشد من المشجعين.