قضت المحكمة الدستورية العليا، أعلى محكمة مصرية، أمس الأحد الحُكم ببطلان انتخابات مجلس الشورى ، ويتولى سلطة التشريع بصفة موقتة، لكن الرئاسة المصرية سارعت إلى رفض الحكم، مؤكدة أن "مجلس الشورى مستمر في ممارسة دوره التشريعي كاملاً" لحين انتقال سلطة التشريع لمجلس النواب الجديد، وهو ما يلقي بالبلاد في أزمة سياسية جديدة. وقالت المحكمة الدستورية العليا إن "القانون الذي أجريت على أساسه انتخابات مجلس الشورى غير دستوري، وهو ما ينطبق أيضاً على القانون الذي اختير على أساسه أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور التي صاغت دستور البلاد". وقال المستشار ماهر البحيري، رئيس المحكمة الدستورية العليا وقاضي تلك القضية، إن "مجلس الشورى سيظل في موقعه حتى انتخاب مجلس نواب جديد". وسارعت الرئاسة المصرية للرد على الحكم، فأكدت في بيان أن "مجلس الشورى مستمر في ممارسة دوره التشريعي كاملاً لحين استكمال مؤسسات الدولة وانتقال سلطة التشريع لمجلس النواب الجديد"، مشددة أن "رئيس الجمهورية (محمد مرسي) هو الحكم بين السلطات ويمارس مسؤوليته الدستورية والقانونية لضمان أن تقوم كل سلطة بدورها كاملاً وفقاً لأحكام الدستور". وأضاف البيان أن "الدستور الذي أُستفتي عليه الشعب وحاز الأغلبية هو المرجع الذي يحرص الجميع على العمل به والدفاع عنه"، مؤكدة أن "حمايته واحترامه واجب على جميع سلطات الدولة". وأقر الدستور المصري في استفتاء شعبي من مرحلتين في كانون الاول 2012 بموافقة 64% من الناخبين وسط نسبة مشاركة لم تتعد 31% من الناخبين. وجاء بيان الرئاسة المصرية حول استمرار مجلس الشورى في إصدار التشريعات بلغة حازمة، عقب حالة من الارتباك بخصوص تفسير الحكم الصادر من المحكمة الدستورية بشأن مجلس الشورى. ويتولى مجلس الشورى، الغرفة الأولى للبرلمان المصري سلطة التشريع في مصر بصفة موقتة حتى انتخاب مجلس نواب، لكنه يناقش قوانين ذات أهمية قصوى ومثيرة للجدل مثل قانون السلطة القضائية وقانون الجمعيات الأهلية. الأمر الذي أثار غضب المعارضة المصرية. وطالبت شخصيات تنتمي للمعارضة المصرية الأحد مجلس الشورى بالتوقف فوراً عن إصدار أي تشريعات بعد الحكم بعدم دستورية انتخابه. اعتبر المُعارض المصري البارز، محمد البرادعي، أمس أن الحُكم ببطلان انتخابات مجلس الشورى والجمعية التأسيسية للدستور في البلاد كان متوقعاً بسبب البلطجة السياسية. ونقلت «الشرق الأوسط» عن السياسي والقانوني البارز أيمن نور زعيم حزب غد الثورة قوله : إن «الأحكام الدستورية لا تحمل مفاجأة ولا تحمل تغييرا جوهريا في الحياة السياسية لكنها مؤشر لأزمة دستورية قائمة». وأضاف نور أن الأثر الأهم لحكمي الدستورية أنهما سوف يدفعان الجميع للتعجيل في إصدار قانون انتخابات البرلمان والذهاب قبل نهاية العام الحالي إلى انتخابات مجلس النواب. ولا يزال مجلس الشورى يعمل على إعداد قانوني انتخابات البرلمان ومباشرة الحقوق السياسية. وكانت قيادات في جماعة الإخوان المسلمين قد تحدثت عن إرجاء انتخابات مجلس النواب إلى ربيع العام المقبل. لكن القيادي الإخواني البارز الدكتور عصام العريان رئيس الأغلبية البرلمانية قال أمس إنه «على مجلس الشورى الإسراع في الانتهاء من القانون اللازم لإجراء انتخابات مجلس النواب». وأشار العريان إلى أن المحكمة الدستورية لم تأت بجديد، وأن مجلس الشورى باق ويمارس صلاحياته التشريعية، مضيفا: «على كل من يتحدث عن فقدان المجلس صلاحية التشريع أن يراجع معلوماته القانونية كما أن الدستور باق حتى أن المحكمة (الدستورية) قد صححت تشكيلها بناء على الدستور الجديد». وعقب الحكم قال خبراء قانونيون إن الحكم يعني فقدان مجلس الشورى صلاحية التشريع التي أوكلها له الدستور الجديد مؤقتا، إلى حين انتخاب مجلس النواب. فيما قال ممدوح إسماعيل، النائب السلفى بمجلس الشعب المنحل، إن الحكم الخاص بالشورى لا يعنى بطلان القوانين التى تصدر منه لأن الحكم لم يتضمن أى شىء بهذا الخصوص وبالتالى فإن من حقه المضى قدما فى إصدار قانون السلطة القضائية. من جانبه، قال الدكتور محمود فكرى الفقيه الدستورى إن الحكم الحالى لا يعنى إلزام مجلس الشورى بالامتناع عن إصدار أى قوانين ولا يعنى بطلان القوانين التى أصدرها لكنه يعرضها للبطلان فى حالة الطعن عليها أمام المحكمة الدستورية العليا. ومن جانبه قال أستاذ القانون محمد نور فرحات، إن محكمة القضاء الإدارى أخطأت عندما أحالت قانون معايير تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور إلى المحكمة الدستورية، لأن هذا القانون لم يطبق بالفعل وبالتالى فإن الدفع بعدم دستوريته غير منتج. وأشار فرحات إلى أن الذى يجب أن يحدث هو أن تعود الدعوى الأساسية محل الخلاف إلى محكمة القضاء الإدارى لكى تقضى فى الطلبات الأصلية لأصحاب الدعوى، وإذا كان من بين هذه الطلبات إلغاء قرار تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، فإن محكمة القضاء الإدارى عليها أن تقضى فى هذا الشق، فإذا قضت المحكمة بإلغاء قرار تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور يصبح الدستور غير موجود لأنه صدر عن غير مختص، رغم استفتاء الشعب عليه، موضحا أن الدستور وثيقة وقعت من غير مختص وبالتالى تصبح باطلة. ولا يزال من غير المعروف إذا ما كان الحكم سينهي حالة الجدل بشأن شرعية المؤسسة التشريعية ودستور البلاد الجديد أم لا. ووصف سياسيون ينتمون لأحزاب إسلامية ما توصلت إليه المحكمة الدستورية أمس ب«عدم الوضوح»، لكن المحامي البارز منتصر الزيات أعرب ل«الشرق الأوسط» عن اعتقاده بأن حكم المحكمة الدستورية كان «حكما سياسيا بامتياز»، مؤكدا أنه لا أثر ماديا لحكميها على الإطلاق. وقال الزيات إن «المحكمة الدستورية العليا هي جزء من السلطة القضائية في البلاد، وعليه أنا لا أستبعد أن يكون الحكم سياسيا.. ورغم ذلك لن يغير من الوضع السياسي أي شيء لأنه أبقى مجلس الشورى نافذا حتى انتخاب مجلس النواب.. والمحكمة لم تقيد سلطته التشريعية لأن التقييد لا يكون إلا بنص، والدستور حصن المجلس فلم يكن أمام المحكمة أي خيار لكنه تحرك سياسي في إطار الشحن ضد الرئيس مرسي وجماعة الإخوان». وقال المستشار زكريا عبدالعزيز، رئيس نادى قضاة مصر الأسبق، إن القوانين التى أصدرها مجلس الشورى بدءا من توليه مهام السلطة التشريعية فى مصر تزامنا مع إقرار الدستور الجديد للبلاد فى ديسمبر الماضى ستظل سارية استنادا لنظرية الموظف الفعلى. وأضاف أن الأحكام مستقرة على أن القوانين الصادرة عن مجلس الشورى سارية بدليل أن القوانين التى صدرت فى ظل مجلس الشعب المنحل سارية حتى الآن، كما أن القضاء فى عهدى الرئيسين السابقين أنور السادات وحسنى مبارك أقر بحل 3 مجالس مختلفة للشعب وتم العمل بالقوانين الصادرة عنها باعتبارها صحيحة وإعمالا لنظرية الموظف الفعلى. وأشار إلى أن الموظف الفعلى هو ذلك الشخص الذى تدخل خلافا للقانون فى ممارسة اختصاصات وظيفية عامة متخذا مظهر الموظف القانونى المختص، مؤكدا أن جميع تصرفاته تعتبر باطلة، لكن هناك استثناء على هذه القاعدة حرصا على دوام استمرار سير المرافق العامة فى ظروف الحروب والثورات حيث اعترف القضاء بالآثار القانونية للأعمال الصادرة منهم كموظفين فعليين لذا فإن الأعمال الصادرة عن مجلس الشورى تعتبر سليمة. وأوضح عبدالعزيز أن مجلس الشورى من حقه أن يصدر تشريعات وقوانين جديدة خلال الفترة القادمة لحين انتخاب مجلس النواب بشرط أن تكون تلك القوانين ذات ضرورة قصوى لإقرارها مؤكدا أن قانونية مباشرة الحقوق السياسية وانتخابات مجلس النواب يأتيان على رأس قائمة القوانين الضرورية. ووصف عبدالعزيز الحكم الصادر من المحكمة الدستورية بشأن مجلس الشورى بأنه متعقل ويتمخض عن قضاء يعرف حدوده. وأكد عبدالعزيز أن حكم الدستورية الصادر اليوم من الاحكام التى تستحق أن نقف لها باحترام لأنها لم تخل بسلطات الدولة أو تسقط سلطة من سلطاتها، مشيرا إلى أن ذلك دليل دامغ على أن حكم المحكمة الدستورية الصادر فى يونيو 2012 بحل مجلس الشعب أقحم على أسباب الحكم إقحاما. وتخوض السلطة القضائية في البلاد حاليا صراعا ضد السلطتين التنفيذية والتشريعية، على خلفية مناقشة مجلس الشورى قانونا من شأنه عزل نحو 3500 قاض، وهو أمر يرفضه طيف واسع من القضاة، ويصرون على إحباطه. وأعرب عدد من قيادات جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة عن اعتقادهم بأن حكمي الدستورية العليا نزعا المشروعية عن مجلس الشورى والدستور الذي صوتت الجبهة ضده في الاستفتاء الذي جرى مطلع العام الحالي،وقال رئيس حزب الدستور ومنسق جبهة الإنقاذ الوطني (تجمع للمعارضة في مصر) محمد البرادعي، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، إن "حكم المحكمة الدستورية العُليا الصادر اليوم (امس) ببطلان انتخابات مجلس الشورى وقانون الجمعية التأسيسية، جاء نتيجة مُتوقعة للفهم المتدني والبلطجة السياسية التي أطاحت بمفهوم الشرعية وسيادة القانون، وأدت إلى ما نحن فيه من انهيار وتخبُّط". ودعا البرادعي إلى "البدء بإجراءات توافق وطني حقيقي لوضع إطار دستوري وقانوني جديد يُنقذ البلاد، ويحفظ كيان الدولة ويخرجنا من المأزق الذي وضعنا أنفسنا فيه". وقال النائب البرلماني السابق عمرو حمزاوي في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي تويتر إن "الحكم بعدم دستورية التأسيسية يدلل على سلامة موقفنا حين رفضنا المشاركة بها ويؤكد ضرورة التعديل الجذري لدستور مشوه أنتجته تأسيسية باطلة". وقال الدكتور وحيد عبد المجيد المتحدث الرسمي باسم جبهة الإنقاذ إن بلاده تعيش حالة من «البطلان الدستوري مع إيقاف التنفيذ». الناطق باسم حزب الحرية والعدالة، أحمد رامي، قال إن الحزب لا يزال يدرس الآثار المترتبة على القرار، معرباً عن اعتقاده بأن مجلس الشورى لا بد أن يستمر في عمله "حتى لا يحدث فراغ تشريعي". وجرى انتخاب مجلس الشورى في بداية عام 2012 وسط نسبة مشاركة ضعيفة للغاية لم تتعد 15% من الناخبين بحسب اللجنة العليا للانتخابات. ولا تزال الأمور غير واضحة حول استمرار سلطة مجلس الشورى في إصدار التشريعات. وقالت مصادر قضائية إن مجلس الشورى لم يعد لديه سلطة التشريع. وظل مجلس الشورى الغرفة الأولى للبرلمان المصري تاريخياً بلا سلطة تذكر حتى مُنح سلطة التشريع بشكل موقت بعد حل مجلس الشعب. لكن مصادر أخرى قالت إن سلطته التشريعية ستقتصر على إصدار القانون الذي ينظم الانتخابات الجديدة. وبالنسبة للدستور، فإنه سيظل سارياً لأن إقراره في استفتاء شعبي حصنه من أي اجراء قانوني ضده. وصاغت الجمعية التأسيسية للدستور، دستور البلاد. وانسحب ممثلو بعض القوى اليسارية والعلمانية التي تناصب الاسلاميين العداء من الجمعية بحجة تعنت الاسلاميين وعدم الأخذ بمقترحاتهم. وأقر الدستور المصري في استفتاء على مرحلتين في كانون الأول الماضي. وعلى الرغم من الشكوك حول النتائج الدقيقة للأحكام الصادرة أمس الأحد، فإنها حتماً ستلقي بظلالها على شرعية مجلس الشورى والجمعية التأسيسية للدستور، والتي وصفهما الرئيس المصري محمد مرسي بأنهما نماذج مشرقة للديموقراطية الجديدة في مصر. وكان الدستور المصري بالذات سبباً لأزمة سياسية طاحنة بين الرئيس المصري محمد مرسي وانصاره وغالبيته العظمى من الاسلاميين وخصومه السياسيين الذين رفضوا وثيقة الدستور بسبب عدم تمثيلها لجموع المصريين من وجهة نظرهم. وفجرت أزمة الدستور صراعاً سياسياً عنيفاً انتقل للشارع محدثاً صدامات عنيفة في مختلف مدن البلاد في خريف العام الماضي، ومحدثة أسوأ حالة من الاستقطاب منذ الاطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك في شباط 2011.