هل تتمنى أمريكا والصهاينة سقوط نظام بشار الأسد؟ الإجابة بلا تردد: بالطبع لا. قد يندهش البعض من هذا الكلام وقد ينفعل آخرون معترضين بشدة عليه وقبل أن يثور أحدهم شاتما إياي ببعض الألفاظ التى يعاقب عليها القانون، وليس المحاكم، فتعالوا نقرأ الأحداث بهدوء ودون تعصب. الكيان الصهيوني ما زال الكيان الصهيوني يحتفظ بهضبة الجولان تحت الاحتلال منذ عام 1967 ولم يفقد منها إلاّ القليل في حرب 1973، ومنذ ذلك الوقت لم تشهد الجولان المحتلة أيّ توتر من أيّ نوع. لم يتم التحرك إطلاقا بأيّ عملية ولو محدودة لاستعادة الجولان من الاحتلال وهذا ما يريده الصهاينة وقد قام النظام السورى الأسدي (حافظ وبشار) بهذا الأمر طوال أربعين عاما كاملة. فهل يضحّي الصهاينة بمثل هذا الأمان الرائع فجأة، وخاصة أنّ هضبة الجولان تمثّل بعدا جيواستراتيجي رهيب حيث أنّه جغرافيا فإنّ هضبة الجولان مرتفعة عن باقى المناطق حولها؟! وبالتالي فمن يسيطر على الجولان فإنّه يكشف مساحة كبيرة على الجانبين، سواء داخل سوريا أو داخل فلسطينالمحتلة. وهنا نجد الأهميه الإستراتيجية والعسكرية للجولان والتي تجعل الصهاينة يصرّون على الاحتفاظ بها دوما، لكن كل ذلك الاطمئنان النوعي لن يتوفر إذا سقط نظام بشار الأسد، خاصة أنّ الغالبية العظمى، إن لم يكن كل المعارضة المسلحة على الأرض هي إسلامية مع اختلاف جزئي في أنواعها. ضرر الصهاينة للأمانة وحتى لا نظلم احدا فإنّ هناك تبعات جانبية تضرر منها الكيان الصهيوني بسبب نظام الأسد، الأب والابن، وهما تحديدا نقطتان؛ وجود قيادات المقاومة الفلسطينية الفاعلة في دمشق مثل حماس والجهاد، التحالف المعلن بين نظام الأسد وحزب الله في لبنان. بالفعل كان أمرا يسبب ضررا للصهاينة، ولكن هناك نقطتان بالغتا الأهمية: - بالنسبة لمسألة قيادات حماس والجهاد، فبالفعل قد غادرت دمشق بعد رفضها المجازر التي يقوم بها ضد شعبه، وقد أعلنها صريحة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بأنّ من ساندنا في الحق فلن نسانده في الباطل، وبالتالي فهذه النقطة قد خسرها النظام وقد جمعت له نوعا من الشعبية. بالعكس فإنّ خسارة بشار تعني إمكانية رجوع تلك القيادات مرة أخرى لدمشق. - أمّا مسألة حزب الله في لبنان، فالجميع كان يؤيد معركة حزب الله ضد الصهاينة، ولكن لا يوجد عاقل يؤيد ما يفعله حزب الله في قتاله ضد الشعب السوري. وهنا فقد شعبية كبيرة جدا، سواء داخل لبنان أو سوريا أو البلاد العربية والإسلامية، كما أنّ تلك المساعدات العسكرية الكبيرة وتدخّل مقاتليه في سوريا يشتت ويضعف حزب الله عسكريا، بحيث من الصعب عليه الدخول في حرب قبل فترة طويلة، سواء انتصر بشار أو الشعب في الثورة، وهو ما يريده الصهاينة بحيث يأمن على الجانب اللبناني أيضا، وبهذا فقد النظام الأسدي كل أوراقه التي كان يراهن عليها جماهيريا في مواجهة الصهاينة. الواقع على الأرض الواقع على الأرض يقول أنّ الكيان الصهيوني ساعد نظام بشار في استعادة أحد المواقع الحدودية بعد أن استولى عليها الجيش الحرن حيث وافق على إدخال قوات بشار إلى المناطق المحتلة للالتفاف حول النقطة الحدودية ومهاجمتها من الاتجاهين حتى تم سقوطها مرة أخرى في أيدي النظام الإجرامي. وهذا يؤكد مرة أخرى أنّ الكيان الصهيوني قد يعمل بأقصى جهده كي يبقى بشار على رأس السلطة بسوريا، قد يتحجج البعض بأنّ الكيان الصهيوني ضرب سوريا أكثر من مرّة ممّا يدلّ، حسب زعمه، على أنّ هذا يدلّ على أنّ نظام بشار هو الذي يقف في وجه العدوان الصهيوني الذي يحاول التخلص منه. طبعا كل هذا كلام سطحي وساذج، حيث أنّ في المرة الأولى ضرب الكيان الصهيوني موقعا شك أنّه قد يكون لإنتاج أسلحة متقدمة في بدايته، والمرة الأخرى كان لضرب أسلحة يعتقد أنّه قد تقع في أيدي الجيش الحر أو يتم نقلها للبنان، أيّ أنّها تتحرك لحماية أمنها العسكري بشكل رئيسي فتضرب ضربات استباقية لمجرد أيّ شك في أن ينحرف نظام بشار عن حدوده، أو يتهور كحل أخير في شنّ حرب مفتعلة على الصهاينة ليحاول أن يشغل السوريين عن ثورتهم ويظهر كأنه يحارب الصهاينة، فيستبقه الصهاينة بإخباره أنّ ردّهم سيكون قاسيا عليه حتى لا يفكّر في تلك الفكرة أبدا. فماذا كان رد فعل بشار؟ لا شيء، مجرد كلام ثم الاحتفاظ بحق الرد إلى ما لا نهاية، فهل يضحّي الصهاينة بمثل ذلك النظام في مقابل بديل إسلامي متوقع؟ أمريكا الإدارة الأمريكية تبحث عادة عن مصالحها في بحث أيّة قضية أيّاً كانت، وهنا في مسألة سوريا أو في المنطقة العربية عموما، فمصلحتها عادة تنقسم إلى ثلاثة عناوين رئيسية مع بعض العناوين الفرعية: - الكيان الصهيوني. - البترول. - المبيعات الأمريكية، المنتجات الأمريكية ومن أهمها السلاح. وفي حالة سوريا فنظام الأسد كما ذكرنا لم يضرّ الصهاينة من جهة الجولان طوال الأربعين عاما الماضية، وبالتالي فهو نظام آمن نفعه أكثر من ضرره ويمكن احتمال آثاره الجانبية الأخرى. خاصة أنّه عندما احتاجت أميركا مساعدة سوريا في محاربة ما تسميه «الإرهاب» فإنّ النظام السوري ساعدها بشكل كبير جدا، وخاصة بعد احتلال العراق. ولا تتعجب من تلك المعلومة، فلا يغرنّك التصريحات النارية في المؤتمرات الصحفية، فالواقع على الأرض مختلف تماما، وهنا يتضح لنا أنّ أمريكا لها مصالح كبيرة في بقاء النظام الأسدي، ولكن أيضا أمريكا تخشى من تكرار تجربة مصر وتونس، حيث أنّها ظلّت تساند النظام الديكتاتوري إلى أن سقط وأصبحت بلا مساند في السلطة الحاكمة، حيث أخذت وقتا طويلا كي يكون لها أعوان يحاولون تنفيذ أهدافها حتى ولو لم يكونوا موجودين في السلطة. وبالتالي فهي تتمنّى بقاء بشار الأسد ولكن تفكّر في كل الاحتمالات، فتحاول عدم معاداة النظام الجديد ببعض التصريحات أو الأفعال على استحياء، وتحاول مصادقة البعض، القريب من أفكارها، ومساندته كي يكون ضمن معادلة السلطة الجديدة، في حالة سقوط بشار، حتى ولو لم يكن له وجود على الأرض في مواجهة بطش النظام. وهكذا يفكر الأمريكان ولذلك تكون الحيرة، وتكون تصرفاتهم رد فعل على ما يحدث على الأرض فعليا وهو ما كان للأسف في الفترة الأخيرة حدث تقدم لقوى النظام واستعاد السيطرة على بعض المناطق ممّا كان الأجدى من بعض القوى المؤيدة للشعب السوري وثورته أن يقدّم له بعض الدعم، حتى ولو كان سياسيا معنويا. الإجابة أتمنى أن أكون قد فصّلت الإجابة على السؤال في البداية عن هل تتمنى أمريكا والصهاينة سقوط نظام بشار الأسد؟ فلا تنظر أيها القارئ العزيز إلى الشعارات الكبيرة التي يقولها البعض، ولكن انظر إلى التصرفات والواقع على الأرض. فلم تعد كلمات الممانعة والمقاومة التي كان يقولها نظام بشار مجديا، بل لقد احترقت الأوراق التي يلعب بها، ورأينا أنّ أول من وجّه إليه السلاح هو أبناء شعبه، وليس الصهاينة رغم أنّ السوريين هم الذين دفعوا ثمن هذا السلاح. هكذا تكون عادة الديكتاتوريات، وحسبنا الله ونعم الوكيل.