حالة الفوضى الغوغائية التي تسود ليبيا لا تحتاج دستوراً، بل لا تحتاج الى قنديل لإضاءة أي عتمة، فالمتحكمون بمقاليد الأمور في ليبيا بعد الثورة أمورهم «ماشية»، ومليشياتهم «ماشية»، ونفطهم وأموالهم «ماشية» وتنزل في حساباتهم في بنوك سويسرا على الموعد، وكلمتهم «ماشية» وأعلى من القانون وأي دستور يمكن أن يكون. الدستور يكون مطلوبا بين شعب متجانس، متفق على حدود معينة، أو على الاقل 70-95 في المئة منه، يريد أن تقوم الدولة المدنية ودولة القانون ويرتاح، فيقرر ان ينجز دستورا ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بين الدولة ورعاياها، أما في الحالة الليبية، فلا يكاد 100 شخص يتفقون على شيء، واذا اتفقوا نتيجة لضغوط، لا يلبث أن يقفز من المركب من يقفز، إذا استماله دولار أو ريال أو درهم. هذا التشظي والتشرذم الليبي لم يكن في حسبان أحد، فلطالما تغنى المتغنون بأن الشعب الليبي متجانس، ليس فيه لا طوائف ولا أعراق، فإذا الفرقة على أساس القبيلة والمنطقة ومصدر التمويل والنهب اخطر من الفرقة المذهبية والعرقية، بل أدى استمرارها الى ما لم يكن في حسبان احد، فها هي أقليات التبو والامازيغ والطوارق باتت تطالب بحقوقها، بل أعلنوا مقاطعتهم التصويت لانتخاب هيئة تأسيسية لصياغة الدستور، وليس مستبعدا طبعا أن يقاطع التصويت باقتحام مجموعة مسلحة للمؤتمر الوطني، كما حدث في مرات سابقة، لتفرض شروطها في دولة اللاقانون والانفلات الذي ليس له مثيل تحت الشعار الغوغائي» ليبيا حرة». يريدون صياغة دستور في حين ان ليبيا بعد القذافي لم تعد ليبيا واحدة، فالشرق دولة ومصراته دولة، وسبها دولة بل طرابلس العاصمة عدة دول، تتقاسمها مليشيات ما أنزل بها الله من سلطان. يريدون صياغة الدستور وأهل مصراتة يكرهون اهل بني وليد، وأهل طرابلس يحقدون على الزنتان، وأهل سبها يلعنون اهل الشمال، وأهل الشرق يمقتون اهل الغرب.. وهكذا دواليك. وفي الاثناء، تغوص ليبيا في مشاكلها، فالبنية التحتية مهترئة او غير موجودة، ومعظم مياه المدن الليبية ملوثة، والمدن نفسها ملوثة، والامراض متفشية، والمخدرات متفشية اكثر.. و»هات حل يا ابو الحلول». الذين ارتقوا عرش الثورة التي نزف فيها وضحى البسطاء والمساكين، وصاروا مكان القذافي، لم يعبّدوا شارعا حتى الآن ولم يبنوا مدرسة ولم يحلوا مشكلة. حسبهم انهم جالسون في ابراجهم العاجية وفي فنادق خمس نجوم «ريكسوس او غيره»، وامورهم «ماشية» كما اسلفت. مع كل ذلك.. مع سيادة الفوضى، لماذا لا يثور التبو والطوارق والامازيغ ويطالبون ليس فقط بحقهم في التمثيل، وانما حتى في دول مستقلة.. هل السنوسي الذي يطالب بالفيدرالية احسن منهم؟. حقا.. ما حاجة الليبيين الى الدستور.. ابقوا كما انتم، فالدستور كما قال غوار الطوشة «أكله الحمار».