رديئة، عكرة، مرة.. ومضت مثقلة بالهموم، وغبار المعارك، وصرخات الأمهات الثكالى، ودم أخضر لم يجف، ودم آخر ينتظر أن يراق، وضحية توسلت القاتل سَتْر عورتها، وأسرار غائرة لا يعرفها إلا الشهداء. والقاتل ينتظر أمراً من مكان بعيد ليستر فيه بقايا الفضيحة، وليعلن أن هناك مؤيدين له من بلاد تحترم حقوق الضحايا، وترفع من شأن الانسان لأنه إنسان. سنوات تدان فيها الضحية، ليس لأنها قاومت الجلاد، بل لأن دمها لوث الشارع! أو لأنها رفضت الموت بصمت ودون ضجيج! أو لأنها اختارت بحرية المكان الذي ستقتل فيه، أو لأنها توسلت للقاتل أن يتقي حرمة الأشهر الحرم، وأن يراعي حرمة الدم الأكثر قيمة عند الله من ستار الكعبة. أما الغالبون على أمرنا فأعلنوا أنهم دعاة إنسانية؛ لأنهم تجاهلوا أحد أنواع القنابل والرصاص الحارق في قمعهم الجماهير قبل أسبوع من بدء المجزرة، وحاولوا إيجاد نمط جديد من الضحايا؛ بحيث يصبح المصري والسوري والعراقي والفلسطيني مطّية لهذا او ذاك من أصحاب الأطروحات والأجندات التي تستثمر الدم، وتحوله الى خوف و»إرهاب». أما نحن -المواطنين- فقد اعترفنا بكل صراحة ووضوح أننا مواطنون فارغون من الحنين، واعترفنا دون ضغط من أحد او إكراه وصراحة أننا لسنا مشتاقين للانخراط في السحجة القومية التي ما تزال تتغنى بأمجاد العرب الكاذبة، ولكننا مجبرون على ذلك! جميعنا نحن -المواطنين- نحتاج إلى تحليل معمق لدمنا؛ لتفسير ما يحدث في مصر وفي سوريا، وقلبها في فلسطين. فالدم العربي الذي لم نعد نعرف كم هي نسبة الماء فيه مقارنة بالصدأ، ونسبة كريات الدم البيضاء، بعد أن أوشكت المناعة على الانتهاء بات باردا أكثر من اللازم. فالمشهد في مصر يبدو حزيناً بعد أن بدأ العسكر بقضمها قطعة قطعة، وأوشكت «الدولة العميقة» على امتصاص دمها قطرة قطرة! حتى باتت تتآكل، ويُجهز فيه المرضى على الجرحى! والجرحى على الاموات! فيما الاطماع الصهيونية تخترقها من الخاصرة الى الخاصرة، ومن الوريد الى الوريد، ولا تجد بعض الاطراف فيها غضاضة في عض بعضها؛ بحيث يبدو رهان الحرب الاهلية الذي استخدمته «إسرائيل» سلاحا استراتيجيا مرشحا للفوز.