نحتاج في "الربیع العربي" إلى قراءة معمقة، لیس لمنطقتنا وتاريخنا، بل لتاريخ الثورات في العالم؛ علنا لا نكرر الأخطاء بإعادة التاريخ، ويتعلم الناس من الدم الذي جف في شوارع بلدان بعیدة، لا من دم أبنائھم وأحبابھم الساخن، فتتكرر مقولة ماركس في كتابه عن الثورة الفرنسیة "18 برومییر لويس نابلیون" بأن التاريخ يعید نفسه مرة على شكل مأساة، وثانیة على شكل ملھاة. في مصر، يحاول وزير الدفاع عبدالفتاح السیسي (خصوصا بعد دعوة هدى بنت جمال عبدالناصر له بالترشح!) إعادة مأساة عبدالناصر على شكل مسخرة تجلت خلال الحقبة القصیرة الماضیة، ولن يكون آخرها رواية مسخرة-مأساة الطائرات الإسرائیلیة التي قتلت مصريین، وبعد إنكار يُعلن في الیوم التالي أن القاصف طائرات مصرية! في كتابه يتناول ماركس الردة الفرنسیة عن مطالب الثورة، من خلال انقلاب لويس نابلیون، وهو ابن أخت الإمبراطور نابولیون بونابیرت؛ إذ انقلب على الطبقة العاملة متحالفا مع الجیش والفلاحین. ومما يؤثر عنه أنه رشا العسكر بالنبیذ والنقانق. انتھت تلك المسخرة بثورة ديمقراطیة استعادت مطالب الثورة الفرنسیة وقیمھا. بغیاب النبیذ والنقانق، قدم السیسي امتیازات جديدة للعسكر في الرواتب، رغم الوضع الاقتصادي الكارثي. ولكن من سوء حظه أن الفلاحین في الصعید، والبدو في سیناء، ضده؛ ما يقلل من أوجه الشبه بین مسخرته ومسخرة لويس نابلیون. وهو ما ذهبت إلیه أستاذة العلوم السیاسیة بجامعة بارنارد الأمیركیة، شیري بیرمان، في مقال لھا بصحیفة "نیويورك تايمز"، قارن بین الثورة الفرنسیة والثورة المصرية، وخاصة دور اللیبرالیین. إذ قالت إن الثورتین قامتا ضد الحكم الاستبدادي في البلدين. وعلى الرغم من ذلك، مرت كل منھما بمرحلة دكتاتورية؛ فالثورة الفرنسیة تحولت إلى الدكتاتورية النابلیونیة تماما، فیما الثورة المصرية استعان فیھا اللیبرالیون بقوات الجیش تخوفا من استبداد الإسلامیین. بدأت بیرمان مقالھا أنه في العام 1848 انضم العمال إلى اللیبرالیین لإسقاط النظام الملكي الفرنسي. ثم تقھقرت المعارضة مع تزايد تخوف اللیبرالیین من مطالب الطبقة العاملة، خاصة مع اقتراب الأحزاب الاشتراكیة والشیوعیة من الطبقة العاملة (الممثلة للأغلبیة)، وبُعدها عن اللیبرالیین، ما اعتبره اللیبرالیون في حینھا إعادة للدكتاتورية بشكل جديد، ممثل في الأحزاب الاشتراكیة وتحالفھا مع العاملین. وفي العام 1848، استعاد السلطويون السیطرة على مقالید الحكم عقب الثورة الفرنسیة. وإذا استمر الجیش في مصر في حملته للسعي للوصول إلى السلطة والاحتفاظ بھا، وواصل اللیبرالیون دعمه، فسوف يكون اللاعب الرئیس على الساحة السیاسیة المصرية في أيدي الإسلامیین، وستتحول مقولة ماركس إلى "يا إسلامیي العالم اتحدوا.. لیس لدينا شيء لنخسره غیر القیود التي تقیدنا" بدلا من "يا اشتراكیي العالم اتحدوا". وعلقت الكاتبة: "وللأسف، سوف يكون للإسلامیین الحق حین يقولون ذلك. والصحیح أن تقول يا ثوار مصر اتحدوا، بدون حصرهم بالإسلامیین". المأمول أن تنتھي مسخرة الانقلاب في أشھر على الأكثر، في ظل الصمود في المیادين للشھر الثاني، وتقديم تضحیات هائلة في ظل انكشاف إعلامي. وما يختصر الوقت هو أن يستمع الإسلامیون بخاصة والثوار بعامة، هذه المرة، لنصیحة ماركس؛ فلا يخسرون غیر قیودهم. ولیس لدى السیسي في ظل الكارثة الاقتصادية مزيد من النبیذ والنقانق.