إلهام حبيبتي .. كل يوم اكتشف ان جزءا من حياتي قد رحل معك، يتبدى لي حجم الفراغ الذي أحاول التصبر عليه ب "إنا لله وإنا إليه راجعون". كنت ابتسم لأنك تصنعين المرح، واتفاءل لان قلبك لا يعرف اليأس. تعرف كل صديقاتك كم كنت مرحة وقادرة على كسر الرتابة والملل، كنت جذابة حتي في الصداقات، أتذكر عندما كنا في بيروت وعقدت صداقة عاجلة مع المنظفة الفلبينية كبيرة السن في الفندق الذي كنا نقطنه، وهي لا تتحدث العربية إلا بضع كلمات، بعد عامين ما زالت رسائلها تصلك وأتذكر انك قلت لها قبل أسابيع " لا تناديني يامدام ناديني باسمي الهام" تري كيف ابلغها انك رحلت إلى العالم الآخر. كنت شغوفة بكبار السن حد الهوس، جارتنا التي كنت تسميها " أمي آمنة " كنت تخافين عليها من الموت فأقول لك هي كبيرة في السن، تقولين " احب كبار السن ولا أريد ان يموت أحدهم اعرفه". قد تبكيني شهادة أمي آمنة فيك لكنني شغوف لسماعها. أتذكر آمنيتك المحببة في أيام كثيرة " مصطفي أريد ان اضحك " وعندما لا اجد نكتة كنت تقولين " خلاص أني سأحكي لك نكته" ونضحك معا. كنت شغوفة بكل شيء وكأن الله يريد ان يهب لك حياة كاملة في عشرة أعوام. اعرف ان حياتي قد تغيرت كليا كإبتلاء عظيم يفوق كل كوابيسي السيئة التي كانت تراودني في الحياة، لكنني أعدك بالوفاء لك. لقد تركت لي جزءا منك لأبرك من خلاله، أولادك " ماريا وعبدالله و نصر "، أطمئني فهم مقتنعون بان روحك في الجنة. وسيواصلون حياتهم التي كنت تتمنينها لهم ان شاء الله، اعرف انه ستكون لديهم أسئلة محيرة عنك في المستقبل، لكن هذا قدري في الابتلاء بعدك حتى يبلغوا رشدهم. حنانيك يا ماريا علي أبيك، تثيرين أحزاني عندما تصرين على ارتداء جلابية أمك، اما نصر " 5 اعوام" فقد فجرني بكاء اليوم حين قال لي " احنا معاناش ام ، مامه ماته؟ ". قلت له معك جده بدلها، قال متسائلا : الله يرجع مامه ؟ عجزت عن الاجابة وقلت في نفسي بدأت رحلتي المؤلمة. قرارتي هي ثمرة رشدك وتنقيحك، كنت مستشارتي الأولى في الحياة، انظر من زاوية فتتلمسين الزوايا الأخرى. كنت كل صباح جمعة تسألين هل اتصلت لامك وأخواتك؟ وعندما انشغل تعيدين التذكير، فاسأل الله ان يكون أجر ذلك في ميزان حسناتك. لو اعرف ان الموت سيخطفك مني باكرا لكنت معك كظلك على الدوام، لكنها أقدار الله ومشيئته، وكلمة "لو" من عمل الشيطان والعياذ بالله. عشنا اثنا عشر عاما مرت كحلم، أتذكر اول رسالة مكتوبة إليك في عيد زواجنا الأول 21 أغسطس 2004م قلت لك " حبيبتي إليك أهدي نبض القلب المتدفق بالحب والحنان، اشهر مرت بسرعة الطيف لأنك شعلة من حنان تتجدد . مزيدا من الحب الذي لا ينتهي ان شاء الله " . لم أتمكن من ان اكتب لك في عيدنا العاشر لان ألمك بدأ يومها، وكأن الله يريد ان يعطينا إشارة بأن حديث الدنيا لم يعد مجديا، انها مؤشرات القدر الذي نحمد الله عليه خيره وشره. حتى الأطباء عميت بصيرتهم عن الكشف عن انهزام رئتيك، قالوا ليس هناك سبب ! يالله كم هو حجم الغباء واللامبالاة بحياة الناس لدي أطباءنا ومستشفياتنا؟!. وقرب رحيلك عقب يومين فقط قالوا لقد وصلت في حالة متأخره وان الرئتين والقلب وصلتا حالة التوقف ! حبيبتي : الكتابة كالبكاء. الأولى بالمداد والثانية بالدموع، وفيهما اجد بعض التنفيس عما يختلج في النفس من حزن كبير. إنا لله وأنا إليه راجعون.