الثورة لابد أن تتحلى بالحب والتسامح لأنها تهدف إلى الإصلاح والبناء وهذه الأهداف لا يمكن ان تحقيق إلا في ظل الحب والتسامح , عندما تتجه الثورة إلى الانتقام وتصفية الحسابات تفشل ولا تسطيع تحقيق أهدافها وتتحول إلى فوضى ..الثورة تعنى طي صفحة الماضي بكل أحزانها ومآسيها و فتح صفحة جديدة وفق قوانين وأنظمة جديدة تقطع الصلة بالماضي وتبني المستقبل وهذا يتطلب قلوب محبة ونفسيات متسامحة تؤمن بأن المستقبل هو الحياة القادمة والماضي أيام قد ذهبت ولن تعود. لقد غير الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا واقع جنوب أفريقيا وتمكن من إنهاء نظام الفصل العنصري إلى الأبد وأقام نظاماً جديداً لأنه تحلى بكل قيم ومبادئ الثورة وفرض على العالم احترامه لقد ناضل وكافح وتعرض للسجن وكان يعرف جيداً الهدف الذى يناضل من أجله والقضية التي يكافح من أجلها , وعندما انتصر لم يقم بالانتقام من سجانه لأنه كان يعلم جيداً ان إنصاف المظلومين يكون في بناء وطن يحقق له العدالة ليس في الانتقام وتصفية الحسابات. لقد فكر ببناء المستقل ونسى جراحات الماضي وعمل على بناء وطن يحتضن الجميع الظالم والمظلوم تحت مظلة الحب والتسامح لذلك صار زمراً من رموز الثورة والحرية في العالم كله … قبل ثلاث سنوات كان انطلاق ثورات الربيع العربي وخرجت الجماهير الغاضبة إلى الساحات والميادين كان لها هدف واحد هو إسقاط منظومة الحكم المستبد والفاسد القائم على هيمنة الفرد والعائلة وبناء نظام جديد يحقق العدل والحرية في ظل دولة حديثة تحكمها المؤسسات المنتخبة , لقد كانوا يعرفون هدفهم جيدا لذلك ظلوا برغم القمع والعنف الذى تعرضوا له متمسكين بخيارهم السلمى لذلك تمكنوا في فترة وجيزة من هز عروش الطغاة والمستبدين وإسقاط أنظمة ظلت عقوداً من الزمن تعيث في الأرض فساداً وتنشر الخوف والرعب.. لقد فرضت هذه الثورات على العالم كله واقعا جديداً أجبرته على الرضا به لأن سلاحها الوحيد هو الحب والتسامح والسلام. هذه الثورات تعثر مسارها للأسف الشديد والسبب هو أن الساسة الذين ركبوا موجتها لم يلتزموا بقيمها ومبادئها ولم يتحلوا بالحب والتسامح مصرين على تصفية صراعات الماضي قبل الشروع في بناء المستقبل.. فبدلاً من ان يهتموا بوضع أسس وأنظمة بناء الدولة الحديثة فتحوا جراحات وألم الماضي وصاروا يضعون أنظمة وقوانين للإنتقام غير مدركين أن جراحات وآلام الماضي سوف تشفى وتطيب عندما تشعر بعدل وإنصاف المستقبل.