حاولت أن أستوعب الخبر بدون فائدة ، كان أكبر من قدرتي على الاستيعاب ، والخبر يقول أن محكمة الأمور المستعجلة في عابدين قضت بمنع تظاهر الطلاب في الجامعات إلا بإذن من رؤساء الجامعات ، وبطبيعة الحال السؤال الأول الذي يطرأ على ذهن أي مستمع لهذا الخبر أن هناك قانونا صدر قبل أسابيع ، والمفروض أن القاضي يعرف به ، وأن هذا القانون يحظر التظاهر أصلا ، سواء داخل الجامعات أو خارجها إلا بإذن من وزير الداخلية ، فالمسألة لا تحتاج حكم ولا محكمة ، هذا قانون أصلا ، شيء يحير ، أيضا الدعوى أقامها محام محتجا على أن الجامعات ليست مكانا لممارسة السياسة وأنها مكان لتلقي العلم ، المحكمة قبلت تدخله دون أي سؤال عن القاعدة البديهية "وجود المصلحة أو انتفائها لصاحب الدعوى" ، والمهم أن المحكمة صدقت على كلامه ، وهو خاطئ جملة وتفصيلا ، حاضرا وتاريخا ، مصريا وعالميا ، فالجامعات في الدنيا كلها هي محاضن العمل السياسي الشعبي الأساسية ، والطلبة دائما في قلب الحراك السياسي على مدار التاريخ والنظم المختلفة ، وكل الحركات السياسية التي غيرت وجه التاريخ ومجتمعاتها كانت شراراتها من الجامعات ، وكل الأحزاب السياسية لها نشاطاتها داخل الجامعات ، وحتى أنصار السيسي يتظاهرون داخل الجامعات ، فهل يأتي لنا قاض أو سياسي أو أي شخص لكي يحدد لنا ما يجوز وما لا يجوز عمله من الشأن العام داخل الجامعات ، هذا غريب جدا وإقحام للقضاء فيما لا شأن له به . قانون التظاهر نفسه ثبت أنه عبء ثقيل على الدولة والحكومة وأجهزتها الأمنية والقضائية ، القوانين التي تصدر بدافع من العصبية والتشنج كأدوات تأديب للمعارضين في صراع سياسي مفتوح تهين فكرة القانون نفسه ، كما تورط القضاء في خصومات سياسية هو غني عنها ، وعندما تصدر مثل هذه القوانين في مجتمعات تشهد حراكا ثوريا ضخما كما هو الحال في مصر فهي مجازفة ، لأن مثل هذا القانون غير قابل للتطبيق أساسا ، وأول من خرقه في مصر وزارة الداخلية نفسها ، حيث تظاهر الضباط والجنود وأمناء الشرطة في سوهاج وفي طنطا وفي القاهرة وفي غيرها من المدن في أكثر من موقف بعد صدام بعض الضباط مع وكلاء نيابة أو غضب الأمناء من قرارات وزارية ، وظلت تظاهراتهم واعتصاماتهم عدة أيام على مرأى ومسمع من الجميع ، دون أن يسألهم أحد عن خرق قانون التظاهر ، والنيابة أدانتهم فقط في خصومتها معهم ، اعتدائهم على رئيس نيابة وكلبشته ، ولكن أحدا لم يلتفت إلى أنهم خرقوا قانون التظاهر ، هم لا يرونه من الناحية العملية ، هو غير موجود فعليا من الناحية العملية ، والقائمون على تطبيقه يعرفون ذلك ، لذلك هم يخرقونه ، كما يخرقه غيرهم من التيارات السياسية ، وقد رأى العالم كله أن هذا القانون تحول إلى حبر على ورق بعد استخدامه لتأديب وتهديد عدد من نشطاء ثورة يناير مثل حركة 6 أبريل بسجنهم عدة سنوات بدعوى خرقهم قانون التظاهر ، في الوقت الذي تخرقه مئات المظاهرات في طول البلاد وعرضها يوميا ، سواء من أنصار الرئيس المعزول أو من أنصار الفريق السيسي نفسه ، الذين يخرجون بتظاهرات مضادة لمظاهرات أنصار مرسي في الاسكندرية وفي القاهرة وفي المحلة وفي دمياط وفي المنصورة وفي مدن أخرى كثيرة ، وهو خرق واضح وضوح الشمس لقانون التظاهر ودوسا له بالأقدام ، ومع ذلك يحدث وسط احتفاليات واسعة وترحيب من الإعلام الرسمي للدولة والإعلام الخاص الموالي للمؤسسة العسكرية ، كما يحدث هذا الخرق وسط مباركة مستمرة من وزارة الداخلية ذاتها التي تتحدث بصفة مستمرة عن تصدي مظاهرات الأهالي لمظاهرات الإخوان . العصبية والتشنج في إدارة شؤون البلاد ليس فقط يثير الاضطراب ويعزز الفوضى ، وإنما أيضا يهدم قواعد أساسية في بناء الدولة ، ويهين فكرة القانون في الضمير العام ويضعف من قيمته ورسالته ، وهذا ما ينبغي أن يتوقف فورا لأنه أقرب إلى التخريب العمدي لفكرة الدولة .