ظنا منها أن موقفا أخلاقيا ستبديه القيادة الإماراتية يفضي إلى اقناع مؤسسة موانئ دبي العالمية بتنفيذ التزاماتها في تطوير ميناء الحاويات بعدن او الانسحاب الهادئ من الاتفاقية ، إلا أن محاولات حكومة الوفاق بائت جميعها بالفشل رغم طرح القضية في أكثر من لقاء جمع مسئولين يمنيين واماراتيين منذ تشكيل حكومة باسندوة. خيبة الأمل الحكومية دفعتها للإيعاز لمؤسسة موانئ خليج عدن إلى اتخاذ قرار منفرد قضى بالغاء اتفاقية التشغيل مع موانئ دبي العالمية مؤخرا ، لتعلن وزارة النقل بصورة غير مباشرة عن تأييدها للقرار رغم القلق من لجوء الجانب الاماراتي لمقاضاة اليمن في المحاكم الدولية وهو أمر شبه مؤكد . ومبعث القلق الحكومي فوز موانئ دبي بالحكم ، ما سيترتب عليه دفع اليمن تعويضات قد تتراوح بين 150 300 مليون دولار للمؤسسة الإماراتية التي قد تقدم حجج قوية تفسر عدم التزامها بضخ اموال لتطوير الميناء اليمني بحسب الاتفاقية الموقعة بين الجانبين. وفي مقدمة تلك الحجج عدم استقرار الاوضاع السياسية والأمنية في اليمن منذ تسلمها تشغيل ميناء الحاويات في نوفمبر 2008م ومنها تصاعد التوتر في عدة محافظات جنوبية منها ابين والضالع بفعل اشتداد المواجهات بين القوات الحكومية والحراك الجنوبي المسلح المطالب بالانفصال واندلاع الحرب السادسة بمحافظة صعدة والخلافات بين فرقاء السياسة بصنعاء التي افضت الى تملص الرئيس صالح عام 2010م من تنفيذ اتفاقية إصلاح النظام السياسي والعملية الانتخابية التي وقعها حزبه مع المعارضة ممثلة باللقاء المشترك وصولا الى اندلاع الثورة الشبابية مطلع 2011م. بالاضافة إلى أن موانئ دبي قد ترجع اسباب تدني مناولة الحاويات في الميناء اليمني إلى ارتفاع وتيرة القرصنة البحرية قبالة السواحل اليمنية والذي تسبب في دفع شركات التأمين العالمية لرفع بوليصات التأمين على السفن القادمة الى الميناء . ويفسر قلق الحكومة من خسارته للجولة التحكيمية ، لجوئها إلى تكليف مكتب قانوني بريطاني وفريق أخر يمني استعدادا للمواجهة المرتقبة مع موانئ دبي العالمية في ساحات القضاء الدولي للمرة الثانية في تاريخ ميناء عدن اجبرت اليمن في أولها دفع اليمن تعويضات قدرها 200 مليون دولار لأول شركة شغلت الميناء . ورغم أن الاتفاقية قضت بإستثمار ما يقارب 220 مليون دولار لتطوير البنية التحتية للميناء منها بناء رصيف جديد بطول 400 م لتوسيع محطة حاويات عدن في غضون خمس سنوات، وتنفيذ حملة ترويج دولية لجذب خطوط ملاحة عالمية للميناء اليمني ، لكن شيئ لم يحدث منذ استلامها تشغيل الميناء في نوفمبر 2008م بل وصل وضع الميناء الى حالة من الشلل التام كما ذكر ذلك تقارير رسمية وبرلمانية عدة. ورغم احتمالية تحمل اليمن مبالغ تعويضيه لمؤسسة موانئ دبي العالمية إلا أنه سيكون أهون نوعا ما من حجم الخسائر اليومية الذي تتكبده اليمن في ظل بقاء الميناء تحت إدارة موانئ دبي كما اوضح مسئول رفيع بوزارة النقل لصحيفة الناس. وكانت اليمن اعلنت عام 2004م عن مناقصة دولية لتأجير وتشغيل ميناء الحاويات بمحافظة عدن وتقدمت عدت شركات دولية بعروضها للحكومة اليمنية وكانت افضل العروض للشركة الكويتية تلاها عرض مؤسسة موانئ دبي العالمية ومن ثم شركة فلبينية وأخرى صينية. إلا أن قرار الحكومة انذاك بإرساء المناقصة على موانئ دبي العالمية رغم أن العرض الكويتي هو الأفضل ، قد أثار انتقادات واسعة على مختلف الاوساط السياسية والاعلامية واعتبرها برلمانيون بالفضيحة الكبرى خاصة ما دفع الرئيس صالح انذاك الى ايقاف الصفقة قبل أن يتراجع بصورة غريبة ويتم ارسائها على مؤسسة موانئ دبي العالمية. وحملت الاتفاقية سيئة الصيت فضائح عدة ومنها أن المادة 37 من الاتفاقية تنص على تأجير ميناء المعلا كاملا بمبلغ 225 ألف دولار أمريكي سنوياً وهو ما يشير الى أن تمرير الصفقة تمت برشاوى كبيرة حصلت عليها شخصيات بارزة في عهد صالح كون هذا المبلغ البخس لا يغطي نفقة استئجار جناح خاص في احد فنادق ضواحي العاصمة باريس. أما محطة الحاويات في منطقة كالتكس فقد تم تأجيرها هي الأخرى بمبلغ مليون و500 الف دولار سنويا فقط في وقت بالامكان أن تدر المحطة عشرات الملايين من الدولارات سنويا فيما لو تم تشغيلها بصورة فعالة. والأسوء ، أنه في نهاية فترة ال35 عاما كما تنص الاتفاقية سيكون الحد الأعلى لعدد الحاويات التي تمت مناولتها بواسطة موانئ دبي في ميناء كالتكس ثلاثة ملايين و440 ألف حاوية فقط، وفي نفس الفترة الزمنية كما تقول معلومات مؤكدة سيكون ميناء دبي في الإمارات العربية المتحدة قد قفز إلى حوالي 12 ضعف الرقم المذكور أعلاه أما ميناء جيبوتي فسيكون قد قفز الى أربعة أضعاف ميناء عدن الذي سيكون في أسفل سلم موانئ المنطقة. والكارثة الأخرى أن أسعار المناولة في الموانئ الإقليمية القريبة من ميناء عدن انذاك كانت تبلغ قرابة 70 دولارا للحاوية غير أن عقد تأجير الميناء اليمني لموانئ دبي ينص في الفقرة الثالثة من المادة رقم 38 أن المشغل ( موانئ دبي ) يدفع للدولة ( المقصود بها اليمن ) ستة دولارات فقط كحد أقصى للحاوية الواحدة وعلى أن يخفض إلى ثلاثة دولارات و75 سنتاً إذا وصل عدد الحاويات إلى اثنين مليون حاوية . كما نصت الاتفاقية على فضيحة أخرى وهي تثبيت سعر الكليو وات الكهرباء بسعر ثابت طيلة مدة ال35 عاما وهو بند لم يسبق أن وجد في أي عقد تأجير في العالم نظرا لطبيعة تغير أسعار الكهرباء من فترة لأخرى. ومن البنود المجحفة التي وردت في الاتفاقية أن المادة السادسة تنص على شراء كامل الأصول في المينائين من رافعات جسرية بمختلف أنواعها ومعدات رفع ومعدات تنزيل و30 قارب قطر و45 قاطرة حاويات ومنصة جوية بمبلغ 35 مليون دولار امريكي وهو رقم يضاهي قيمة رافعتين فقط ، في وقت أن قيمة هذه الأصول (المعدات والتجهيزات ) تزيد عن 100 مليون دولار باسعار عام 2008م .