تمكن رئيس مجلس النواب يحيى علي الراعي ورئيس كتلة المؤتمر الشعبي العام سلطان البركاني أمس من احتواء الموقف وإعادة نواب حضرموت إلى القاعة من جديد. وكان الأخير قد تواصل بنواب حضرموت المقاطعين الذين أعلنوا تعليق عضويتهم، وأقنعهم بالعودة إلى البرلمان، وخصصت جلسة أمس لمناقشة القضية. وفي جلسة أمس ناقش البرلمان تقرير لجنة العدل والأوقاف الخاص بدراسة المذكرة المقدمة من كتلة حضرموت بخصوص أرضية مشروع "درة المكلا" التابعة لرجال أعمال ومستثمرين "حضارم" والتي تقول المذكرة إن كهلان مجاهد أبو شواب، محافظ عمران، ومعصار سلاب، القائد العسكري المعروف، باسطين عليها. ووقفت لجنة العدل والأوقاف، كما جاء في تقريرها العاجل، على عدد من الأحكام القضائية الصادرة من مختلف الدرجات القضائية والتي قضت بأحقية امتلاك عبدالله بقشان وشركاه من رجال الأعمال لأرضية درة المكلا، غير أن تلك الأحكام القضائية المعززة بأوامر رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب لم تنفذ. وطالب الشيخ سلطان البركاني بإلزام الحكومة تنفيذ الأحكام القضائية إزاء هذه القضية خلال عشرة أيام، واستغرب رئيس كتلة الأغلبية كيف إن هذه السلطة المحلية في حضرموت وقيادات الأجهزة الأمنية لم تنفذ أوامر وقرارات القضاء.. تساءل البركاني متعجباً: "إذاً ما قيمة الأحكام القضائية إذا لم تنفذ؟!". كما طالب سلطان البركاني بمحاسبة محافظ المحافظة والتحقيق مع القيادات الأمنية التي لم تقم بواجبها. نواب حضرموت الذين عادوا إلى القاعة بدت عليهم أسارير الفرحة والاطمئنان وهم يستمعون للمناقشات والمداخلات التي كانت تقف إلى جانبهم بقوة. وجاء في تقرير لجنة العدل والأوقاف، الذي قرأه الدكتور محمد الشرفي، عضو اللجنة، إن "كهلان أبو شوارب ومعصار سلاب قاما بالاعتداء على جزء من الأرض وأقاما عليها سوراً، وصدرت توجيهات من رئيس محكمة الاستئناف بتاريخ 20 مايو 2009 إلى محافظ المحافظة ومدير الأمن لوقف البناء والاستحداثات في أرض درة المكلا المملوكة للشركة، إلا أنها لم تنفذ، واستمر العمل وتم بناء السور ولا زال الاعتداء مستمراً بوضع أحجار في الموقع واستخدامه كمخزن لقطع الحديد المستخدم". إلى ذلك يذكر التقرير بأن توجيهات صدرت من رئيس الاستئناف السابق إلى المحافظ بتاريخ 21 يونيو 2004 و4 ديسمبر من العام نفسه لتنفيذ الحكم الصادر في الدائرة الإدارية والمدنية بالمحكمة العليا برقم 328 وتاريخ 20 أغسطس 2003 لصالح ورثة محمد أحمد بن شابط الحيقي وآخرين ضد مصلحة أراضي وعقارات الدولة.. وكان التوجيه الأخير "من قبل فخامة رئيس الجمهورية برقم (4549) وتاريخ 15 مارس العام الماضي إلى رئيس مجلس القضاء ومحافظ حضرموت ورئيس الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني تضمن "إذا ثبت بأن الأرض المتنازع عليها بين الأخ عبدالله بقشان ومجموعته والأخ كهلان أبو شوارب هي ملك للأخ عبدالله بقشان ومجموعته بالأحكام الشرعية فتسلم له ويتم تعويض الأخ كهلان أبو شوارب بأرضية في المكلا من أملاك الدولة".. ثم لحق هذا التوجيه الصريح من أعلى هرم السلطة، توجيه آخر من رئيس مجلس الوزراء في 22 يونيو الماضي "عطفاً على مذكرة رئيس مجلس النواب لمحافظ حضرموت (التي صدرت قبلها بأسبوع) ورئيس الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني للتوجيه بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بشأن الموضوع". ولاحظت لجنة العدل والأوقاف، التي أحيلت إليها مذكرة نواب حضرموت التي هددوا فيها بتعليق عضويتهم من البرلمان قبل أسبوعين، لاحظت أن القضية كانت قد انتهت قبل سنوات بعد صدور الأحكام النهائية القاطعة.. لكن اتضح أن الاعتداء تم في شهر فبراير 2009، أي بعد صدور آخر حكم قضائي من المحكمة العليا بأكثر من خمس سنوات "وصدرت عدة قرارات تنفيذية للحكم القضائي البات لكنها لم تنفذ". وخصص البرلمان أمس جلسة كاملة لمناقشة هذه القضية، وقد خلص في النهاية إلى اتخاذ عدة قرارات.. أهمها؛ إرسال مذكرة ملزمة وعاجلة إلى المحكمة لتنفيذ الأحكام القضائية والتوجيهات العليا، كما أوصى مجلس النواب بأن تتضمن المذكرة إلى الحكومة إلزامها بتنفيذ كافة الأحكام القضائية بشأن الأراضي "وإلزام كافة الجهات المعنية بإزالة كافة الاستحداثات في مشروع درة المكلا وإيفاء المجلس بالنتائج خلال 10 أيام". وألزم البرلمان الحكومة بأن تكلف الوزراء المعنيين بالإشراف المباشر على إزالة الاستحداث في المشروع وتنفيذ أحكام القضاء. وإذ تمنى رئيس مجلس النواب على نواب حضرموت أن يقفوا أيضاً مع قضايا الوطن كافة وأن لا يتحمسوا مع قضايا محافظتهم فقط باعتبارهم ممثلي الشعب اليمني قاطبة، نبه سلطان البركاني: "إلى أن هذه الوقفة التي وقف فيها البرلمان اليوم وهذه التوصيات ليست من أجل عبدالله بقشان وإنما من أجل الانتصار للقضاء ولقيمة الدولة ومعناها". وكان نواب هذه المحافظة المنضوون تحت مسمى مجلس تنسيق نواب حضرموت" قد أعلنوا انسحابهم من جلسة قبل أمس وتعليق عضويتهم البرلمانية بسبب هذه القضية، في هذا التوقيت الحساس، إلا أن الشيخ سلطان البركاني لحق بهم بتكليف من رئيس المجلس، وقد تمكن الأخير من استعادتهم بعد أن تأكد لهم أن تقرير لجنة العدل على رأس جدول أعمال الجلسة (جلسة أمس). .. أو كتلة بقشان استخدم نواب حضرموت وسيلة ضغط فاعلة في هذا التوقيت الحساس؛ إعلان الانسحاب من البرلمان.. لكن هذه الوسيلة، التي اعتمدها 18 نائباً حضرمياً لم تعفهم من النقد واللوم داخل قاعة البرلمان لسبب واحد؛ لكونهم انتصروا لبقشان وأهملوا مشاكل الأراضي الباقية. وتزخر محافظة حضرموت بمشاكل أراضي كثيرة مشابهة لمشكلة بقشان وأصحابه، غير أن نواب هذه المحافظة أظهروا أنفسهم كوكلاء لرجل أعمال ونسوا أنهم يمثلون مئات الآلاف من الناخبين الذين فيهم -وهم بالعشرات- من يناشد الدولة بمختلف مستوياتها تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة. نواب محافظة حضرموت مسالمون وهادئون وكلمتهم مسموعة إذا ما تكلموا بصوتٍ موحد، لكن لماذا لا يكترثون لقضايا بقية المحافظات؟ قبل 3 أشهر تقريباً ناقش البرلمان تقريراً من أخطر التقارير في اليمن؛ تقرير لجنة أراضي الحديدة، وتقافز النواب من كل محافظة يضغطون باتجاه إنقاذ تهامة من النهب.. غير أن نواب حضرموت بالذات لم يكونوا حاضرين، ووحده فيهم النائب عن مدينة سيئون سعيد مبارك دومان كان موجوداً ويناقش الموضوع كأي نائب مسؤول! يتكاتف نواب حضرموت مع بعضهم بصورة لافتة، كما ويجلسون إلى جوار بعض. وهي ليست مشكلة، ولكن هي ظاهرة تستدعي الانتباه، خصوصاً عندما تطرح قضايا مثل صعدة وحبيل جبر والمعجلة والجعاشن ولا تتحرك "حارة الحضارم". في هذه القضية بالذات، الخاصة ببقشان ومن إليه من رجال الأعمال الحضارم، وقفت "حضرموت" البرلمانية تناضل في سبيل تنفيذ قرارات القضاء، وهي مطالب ملحة ويتوجب على البرلمان أن يتخذ قراراً حاسماً بشأنها، لكن ينبغي على نواب حضرموت وهم يؤدون واجبهم، أن لا يظهروا أنفسهم على أنهم "مناطقيين". وقد استغرب أحمد سيف حاشد نفسه، وهو نائب مستقل، هذا النهوض الموحد لكتلة حضرموت مع رجل أعمال وتركوا قضايا الناس الآخرين في تلك المحافظة، وعندما صادفهم أمس في ساحة البرلمان مغادرين دفعة واحدة، وهو واصل لتوه شجعهم على هذه الخطوة وقدم لهم هذه النصحية: لا تحصروا أنفسكم في قضية واحدة وإنما قدموا كشفاً بعددٍ من قضايا مشاكل الأراضي في حضرموت.. غير أن أحداً منهم لم يكترث لهذه النصيحة. وكان بافضل يجري هارباً من الصحفيين ومكركراً كعادته. أمس أثناء المناقشة، وجه عدد من النواب إلى زملائهم في كتلة حضرموت اللوم لعدم تبنيهم ملف الأراضي كلها، وخاطبهم رئيس البرلمان ناصحاً برفق: "يجب أن نقف مع قضايا الناس كلها سواءً كانت في حضرموت أو في الحديدة أو في عدن أو في صعدة أو في غيرها". وكانت لهذه النصيحة وقعها في نفوسهم.