إعداد وترجمة: عبدالفتاح شمسان «بكثير من الصبر، على مر الأيام، كان سكان الجعاشن يتهيأون للخروج، وفي ليلة من الليالي غادروا الجعاشن هاربين من الشيخ منصور، سيدهم المولع بالشعر. ولإعادتهم قام مدّعي الشعر بإرسال مليشياته المدججة بالأسلحة. في العام التالي عاودوا الكرّة، ثم العام الذي يليه ولكن دون جدوى». بهذه المقدمة استهل الصحفي الفرنسي فرانسوا تريجان تقريره المنشور في مجلة «21» الفرنسية عن معاناة أبناء الجعاشن، وعن محاولته الوصول إلى الشيخ منصور. بدأ التقرير – الذي نشر بالفرنسية تحت عنوان أباة الظلم في اليمن- بوصف ظروف خروج أبناء الجعاشن من مملكة الشيخ منصور، كما يسميها «كانوا خائفين. غادروا منازلهم سراً في جنح الليل تاركين نساءهم وأطفالهم. إنهم على وشك التجاسر على محظورات كثيرة». وأضاف «... في الجعاشن تعلم الجميع كلمة "نعم" أمام سيدهم، لكنهم اليوم في صنعاء ليقولوا "لا"؛ لا لسجون الشيخ، لمرافقيه المدججين بالسلاح، لا للجباية، لا للطرد، لا للتخويف، لا للعنف...». «.... هاهم الآن يقفون شبه صامتين أمام البرلمان ليعودوا مثل العام الماضي ببعض الوعود بتحقيق العدالة..». وتحدث كاتب التقرير عن زيارته لجمعية «الإخاء والتضامن مع أبناء الجعاشن»، ويبدي اندهاشه للملفات المحفوظة هناك التي توثق الخروقات والاعتداءات وشهادات الشهود. أحد هذه الملفات مكون من سبعمائة صفحة، كما يقول. لفتت نظرة وثيقة هي عبارة عن رسالة موجهة من الرئيس الحمدي إلى محافظ إب بتاريخ 5 أبريل 1977 أوردها بالنص: «الأخ المحافظ.. بناءً على شكاوى ضد الشيخ محمد أحمد منصور قاضوا الجميع بعدالة وأعيدوا للمواطنين حقوقهم. نفذ الأوامر واهتم لجميع أحوالهم». ويقول الصحفي انه عندما أبدى رغبته في زيارة الجعاشن، تلقى من الجميع تحذيرات بخطورة ما سيقدم عليه. وأورد الكاتب بكثير من الإعجاب قصة أول صحفي أثار قضية الجعاشن عام 2004 الصحفي هاجع الجحافي، وما تعرض له من ترغيب وترهيب، ما يعني أن جرعة التحذيرات كانت مفصلة وكافية لتثنيه عن عزمه. لكن عوضاً عن التراجع قرر أن يبدأ الأمر بالتلفون. وبعد محاولات كثيرة باءت بالفشل- بحسب التقرير- حصل أخيراً على مكالمة مباشرة مع الشيخ: «- الصحفي: لقد تحدث الجميع إليّ عن شيخ قوي. أتمنى لو أستطيع مقابلتك. - الشيخ: لا فائدة من ذلك. أبحث عن مشائخ غيري. لماذا أنا بالذات؟ - الصحفي: أنت أيضاً شاعر قدير كما يقال. - الشيخ: سأرسل لك قصائدي». انتهت المكالمة. قرر بعدها أن يذهب بنفسه إلى إب ليتحين فرصة للقاء الشيخ. وهناك وهو يترقب مقابلة الشيخ ظل يسمع ويشاهد قصص الاستسلام للشيخ وقصص المواجهة والرفض لأوامر الشيخ وعساكره. وبعد أيام تلقى اتصالاً هاتفياً من شخص كان يسهل له المهمة أنبأه أن الشيخ كان في منطقة من مناطق الجعاشن ثم عاد مسرعاً إلى تعز إثر ثورة المواطنين ضده. قرر الصحفي اللحاق به إلى تعز. هناك من كان يساعد الصحفي فقد استطاع الحصول على رقم أحد أبناء الشيخ وبواسطته أمكن تحديد مكان الشيخ حيث أبدوا له أنهم يريدون أن يسلموا على الشيخ. لم يكن تحديد المكان سهلاً، فالشيخ، كما جاء في التقرير «يمتلك أربعة بيوت في تعز مثلها مثل إب، ويمتلك أيضاً اثنين في صنعاء وواحداً في مصر..». وعندما كان كل شيء جاهزاً "رفض السائق أن يصطحبني؛ قائلاً: «لست مستعداً للمخاطرة خطوة واحدة باتجاه مكان إقامته. لا أريد الذهاب إليه، سوف يحرقون سيارتي». هكذا كان السائق مرعوباً. وأخيراً «وتحت الرعد والمطر تخلى عني لأواصل مشياً على الأقدام إلى منطقة المجلية المطلة على تعز». وصل تريجان أخيراً إلى محل إقامة الشيخ في المجلية. «المجلس ممتد ومفروش بسجاد سميك مطرز بالورود. صور كبيرة معلقة على الجدران؛ الرئيس العراقي السابق صدام حسين، أسرة الشيخ، الشيخ مع الرئيس اليمني، ومع الملك السعودي فهد..».
«بدون أي كلمة دخل الشيخ، مد يده للمصافحة ثم أخذ مكانه.. أحد الرجال يقبل مسرعاً ويسر له بعض الكلمات في أذنه.. أمام كل شخص من الضيوف توضع طفاية السجائر، متفل، ولاعة، قطعة حلوى.. بدأ النقاش. الشيخ منصور يرحب ويدير الحديث. لقد بدأ مع المدعوين بالكلام حول قضية مصنع الاسمنت الجديد في المدينة، ثم أثار مشكلة الجنوب، ثم أحداث المنطقة الشرقية من البلاد، ثم تطرق إلى الخليجي الذي سيقام في عدن. وحوله كان الحاضرون يستمعون، ويدلون ويثيرون النقاط. ابن الشيخ الذي كان يضع في يده خاتماً من الألماس وساعة مثل التي يلبسها أبوه اقترح جلسة قات، ذلك النبات الذي يؤخذ طوال النهار في البلد. قدم لي الشيخ عصير فواكه. - أحد الضيوف للشيخ: أسمعه إذاً شعرك الآن. - الشيخ: ليس الآن. مرة ثانية.. - الصحفي للشيخ: لكن نحن ذاهبون إلى صنعاء. - تجاهل الشيخ ولم يرد». وهكذا انتهى اللقاء وانصرف الصحفي.