هنا في منطقة "بني حُشَيٌش" و"شبام الغَراس" حيث تمتد مزارع العنب على مد النظر، على بعد قرابة 40 كيلو مترا إلى الشرق من مدينة صنعاء العاصمة اليمنية، تنام قرى بني حشيش وشبام الغراس والحتارش، وهي أشهر مناطق إنتاج العنب في اليمن، بأصنافه المتعددة. غمدان اليوسفي من صنعاء: يعمل الناس في هذه المناطق بزراعة العنب والزبيب، حيث يبدأ الموسم في نهاية شهر "تموز" وبدية "آب" وفقا لحسابات الزراع.
هذه المنطقة إلى جانب مناطق محافظة صعدة هي الأغنى بهذه الفاكهة.. صعدة التي فتكت الحرب بمزارعها لم تكن الوحيدة، فكأن العنب تلحقه الحرب أينما غرس في اليمن، حيث دارت المعارك هنا في بني حشيش على مدى أشهر عديدة بين قوات الجيش والحوثيين وانتهى الأمر بتوقفها بدون نتائج محسومة.
موسم من أربعة أشهر يعمل محمد صالح سوار في زراعة العنب ويملك 3 مزارع كبيرة قادنا إلى اثنتين منهن، إحداهن تزرع العنب بصنفه الصغير "الرازقي" وأخرى أحد الأصناف الكبيرة ويدعى العنب "العاصمي".
وجدنا العم محمد وعائلته في المزرعة، يجنيان عناقيد العنب، كان المشهد مغريا لكن الصيام كان سدا منيعا أمام هذا المشهد اللذيذ، لكنا شبعناه نظرا كما يقولون.
لابد من الانحناء تحت هذه الغابات من العناقيد، والشجر المسترخي على أعمدة حجرية طويلة خصصت لرفع أشجار العنب.
الناس طيبون هنا، ويحمدون الله هذا العام على نعمة المطر التي وفرت عليهم عناء الوقوف أمام محطات تعبئة الديزل للحصول على هذه المادة التي يعتمدون عليها في تشغيل مضخات المياه، ودوما ما يتعبون في الحصول عليها لانعدامها المتكرر من الأسواق.
يقول سوار ل إيلاف: موسم العنب من أفضل مواسم الفاكهة لأنه يطول ويمتد لأربعة أشهر، موردا مثلا شعبيا يقول "أربع حطب، وأربع عجب، وأربع عنب".. لم أفهم معنى المثل لكن ما فهمته أنه تقسيم ثلاثي لأشهر السنة بينها أربعة أشهر لإنتاج العنب. جلسنا سوية تحت العناقيد في مزرعة عنب رازقي مع العم محمد، ويبدوا مرتاحا لهذا الموسم لكنه يتألم لوضع التسويق، فالعنب حاليا أسعاره رخيصة للغاية لعدم وجود سوق يستهلكه، وعدم وجود إدارة لتسويقه خارج اليمن بطريقة عصرية.
حاليا تباع سلة العنب في المزرعة بما يقارب ال 8 دولارات فقط، والسلة تحوي مابين 10 إلى 15 كيلو جرام.
في بداية موسم العنب يكون العنب الصغير "الرازقي" هو المتقدم على جميع الأصناف، وبعده يأتي متزامنا العنب "الأسود" و"العاصمي"، وفقا لحديث العم علي.. يبدأون بجمع الناضج من كل صنف وتسويقه أولا بأول.
هناك بعض الأوبئة التي تصيب العنب، غير أن العم محمد سوار وأقرانه من المزارعين يعملون على مكافحتها بالمبيدات، والمبيدات هذه أصبحت دخيلة على مزارع العنب بعد أن كانت الأتربة هي المبيد الوحيد المساعد في تنضيج العنب وغيره من الفاكهة.
ويشير إلى أن حشرة تداهم العنب لكنها تنتهي مع الأمطار، فإذا نزل المطر اختفت وإلا فإن الحشرة تصيب محصولا كبيرا وتتلفه حيث تصيبه ببقع سوداء.
يتمنى العم محمد لو يتم تصدير العنب لكون السوق اليمني مكتظ به حاليا، مشيرا إلى عدم إمكانية التصدير حيث يحتاجون إلى ثلاجات عملاقة لنقله إلى دول الجوار، إضافة إلى فحوصات الجودة التي كثيرا ما تفشل في اختباراتها الفواكه اليمنية إلا القليل منها.
ويشتكي من الكساد الذي يحصل حاليا لفاكهة الخوخ حيث تباع السلة الواحدة بما لا يزيد على 5 دولارات.
يتوفر في بني حشيش عدة أصناف من العنب أبرزها "الرازقي"، "العاصمي"، "الأسود"، "العرقي"، "الحاتمي"، "أطراف"، "عذار"، "عيون"، "جوفي" وغيرها من الأصناف التي لم يتذكرها العم محمد في هذه اللحظة، لكن أصناف العنب تتراوح بين عشرين وأربعين صنفاً، بحسب المصادر الرسمية.
يعلمنا العم محمد كيفية قص أغصان العنب في كل موسم لكي تحمل الثمار حيث يقول إن العنب الأسود والرازقي يتم قطف ثلاث فقرات من الغصن بيما يتم قطف خمس فقرات من غصن العنب العاصمي الكبير.. تفاصيل زراعية يفهمها هو وأصحاب العنب أما نحن فنكتفي بالاستمتاع بلذتها.
أكثر من 200 ألف طن تشير التقديرات الأخيرة إلى أن إنتاج اليمن من العنب يصل إلى أكثر من 200 ألف طن سنويا حيث تحتل المركز الأول بين مختلف أصناف الفاكهة في اليمن ويبلغ المتوسط الإجمالي للمساحة المزروعة ب 23 ألف هكتار، أي ما يوازي 35% من إجمالي المتوسط للمساحة المزروعة للفاكهة، و تستحوذ صنعاء لوحدها على ما نسبته 80 % من زراعة العنب.
على استحياء بدأ تصدير العنب إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج في السنوات الأخيرة، إضافة إلى الدول المطلة على القرن الإفريقي كجيبوتي وإريتريا. وتتراوح كمية تصدير هذه الفاكهة إلى السعودية بين 2000 إلى 2500 طن في العام فقط، وهي النسبة الأكبر من الكمية المصدرة.
ويحقق القطاع الزراعي في اليمن اكتفاءً ذاتياً من الخضروات وشبه اكتفاء ذاتي من الفواكه ومحاصيل الحبوب، باستثناء القمح، الذي لا يغطي إنتاجه سوى ما يراوح بين 7 ، 8 % من إجمالي الاستهلاك.
مايعانيه المزارعون في اليمن هو المياه التي تتناقص من كثير من مناطق الزراعة أبرزها محافظة صعدة التي نضبت فيها آبار كثيرة وتوقفت فيها كثير من المزارع عن العمل، إضافة إلى الحرب التي دارت هناك، لكن المعضلة الأبرز هي مادة الديزل التي يعتمد عليه المزارعين في تشغيل مضخات المياه.
مادة الديزل تنعدم بشكل متكرر من الأسواق بسبب تهريب هذه المادة إلى الأسواق المجاورة بالدرجة الأولى. عن إيلاف