صنعاء أصل ومقصد العرب على مر العصور، لابد منها وإن طال السفر، وهي قاعدة اليمن الأولى وأهم مدنها وأشهرها وأكثرها استقطاباً للزوار والرحالة منذ القدم. ويذكر المؤرخون أن صنعاء كان اسمها “أزال” فلما نزل بها الأحباش ونظروا إلى مبانيها المشيدة بالحجارة قالوا هذه صنعة ومعناها بلسانهم حصينة فسميت “صنعا” أو صنعاء كما تعرف اليوم. والاسم الذي اتخذته المدينة بعد اسمها الأقدم عربي المبنى والمعنى، وإن كان ذلك لا يحول دون تصديق المؤرخين ذلك أن لغة أهل الحبشة واحدة من لهجات اليمن القديمة. فالمهاجرون من اليمن كان لهم النصيب الأوفى من بناء حضارة الحبشة القديمة.
وإلى اليوم تبنى منازل صنعاء التقليدية وأغلبها يتجاوز الطوابق الخمسة بأحجار في الطابقين الأول والأرضي لمكافحة السيول، بينما تشيد الطوابق العليا بالطابوق. كانت المدينة تقع على نهر صغير يأتي إليها من جبل في شمالها فيمر بها نازلاً إلى مدينة ذمار ويصب في البحر، ونظراً لارتفاعها الكبير عن سطح البحر “2150 متراً” فإن مناخها يتميز بالاعتدال طوال أيام السنة وتسقط بها الأمطار في فصل الصيف. وظلت عبر تاريخها كثيرة الخيرات متصلة العمارات معتدلة الهواء طيبة الثرى. ومن أهم العناصر في البيت اليمني ما يعرف باسم المفرج، وهو قاعة فسيحة أشبه بالمنظرة يوجد في قمة المنزل من أعلى وفيه فتحات للتهوية والإضاءة ويستخدم كقاعة استقبال للزوّار، حيث يمكن مشاهدة حقول وبساتين صنعاء.
حرق الجص
تتشابه البيوت اليمنية في هيئاتها العامة وارتفاعها وكسوتها من الخارج بمادة “النورة”، وهي مادة جيرية بيضاء يتم حرقها لوقت أطول من الذي يستغرقه حرق الجص، بينما يستخدم الجص في تغشية الجدران الداخلية للمنازل.
والحقيقة أن المظهر المتواضع لمنازل صنعاء لا ينبئ بحال من الأحوال عن الثراء الزخرفي بداخلها، ذلك أن هذه المنازل كانت تزين من الداخل بأشرطة من الجص تزدان بالكتابات والزخارف المختلفة وتكثر بها الشمسيات والقمريات، وهي نوافذ مستديرة من الجص المعشق بالزجاج الملون، فضلاً عن المشربيات التي كانت تصنع من الخشب أو من الأحجار.
وبالمدينة حوالي 14 ألفاً من المنازل القديمة يصل عمر بعضها إلى أكثر من 500 عام ومنها ما يعتقد أن أساساته شيدت قبل ألف عام. ونظراً لاحتفاظ صنعاء بطابعها القديم حتى ليخيل لزائرها أن الزمن قد عاد به إلى العصور الوسطى، فقد اعتبرتها اليونسكو محمية طبيعية، وهي بالفعل أقرب ما تكون إلى متحف مفتوح.
وكان لمدينة صنعاء منذ عصورها القديمة سور يحيط بها وأعيد تجديده غير مرة خلال العهود الإسلامية المختلفة التي مر بها اليمن، وما زالت بقايا من سور صنعاء ماثلة للعيان وفيها بعض بقايا أبراج السور الدفاعية، والسور كان مشيداً من كتل كبيرة من قوالب الطوب اللبن فوق كتل من الأحجار غير المشذبة. وكان بسور صنعاء اثنا عشر مدخلاً، هي باب اليمن “الجنوب” والخندق وخزيمة والنزيلي والبلقة والقمع والعبيلة والروم والشهاري والشعارديف وشعوب وباب المستشفى، إضافة إلى أبواب داخلية منها باب القصر وباب السلام وباب شرارة.
وباب اليمن هو كل ما تبقى من أبواب سور صنعاء، وهو يشمل أكبر الأسواق التقليدية في العاصمة اليمنية وأكثرها ازدحاماً على مدار الساعة، وقد اشتهرت صنعاء عبر تاريخها بجودة منتجاتها النسيجية من الأقمشة والبرد التي يضرب بجمالها وجودتها المثل، إضافة إلى صناعة السيوف والخناجر المرصعة بالجواهر، وصناعة الجلود.
قبائل صنعاء تتميز صنعاء بين مدن اليمن بالتنوع الكبير في القبائل النازلة بها لأنها كانت حاضرة لليمن في أغلب الفترات التاريخية ورغم ذلك فإن قبيلة بكيل تظل الأكبر بين قبائل صنعاء، وهي كبرى قبائل اليمن وأحد فرعي قبيلة همدان الكبرى وتضم قبائل أخرى منها أرحب الحداء وأنس والحميتين وبنو مطر وبرط وذو محمد وذو حسين. أما الفرع الآخر من همدان، فهي قبائل حاشد التي تقيم جزئياً في صنعاء ومن قبائلها خارف وبني صريم وعذر والعصيمات.
أسواق صنعاء الأسواق تنتشر في طرقات المدينة القديمة وفقا لقاعدة التخصص، حيث تتجمع الحوانيت التي تعرض سلعاً متشابهة في حيز واحد على جانبي الطريق. ومن أهم المنشآت التجارية بصنعاء السماسر وهي خانات مخصصة لإيواء التجار أو الصناع ولعرض وتخزين السلع المختلفة وبقي بعض السماسر بحالة جيدة مثل “سمسرة النحاس” عند مدخل سوق الملح من طريق باب اليمن، وهي اليوم مركز لتدريب الحرفيين وعرض منتجاتهم وعلى مقربة منها سمسرة المنصور، وهي حاليا مركز لعرض أعمال الفنانين التشكيليين.
وارتبط تاريخ صنعاء في بداية العصر الإسلامي بظهور الأسود العنسي الكذاب فيها، إذ ادعى النبوة ولكن فيروز الديلمي وداذويه قتلا الأسود. ونظراً لكونها مركز الحكم في اليمن أغلب فترات العصور الوسطى فإن صنعاء تحتشد بالعديد من العمائر الدينية والمدنية التي حرص الأمراء والسلاطين على تزويد المدينة بها وبقي منها حوالي 50 مسجداً قديماً. ومن أقدم العمائر الجامع الكبير الذي تأسس في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين بعث بالصحابي “وبر بن يحنس” الأنصاري والياً على صنعاء في العام السادس للهجرة وأمره ببناء هذا المسجد وقد تجددت عمارته على مر العصور. ومن أخريات المنشآت المعمارية التاريخية بصنعاء المدرسة البكيرية التي شيدها الوزير العثماني حسن باشا في عام 1005 ه وأنفق على عمارتها أموالاً طائلة وسماها بالبكيرية نسبة إلى بكيربك مولى الوزير حسن الذي وقع من فوق فرسه ومات على الفور، وكان بكير مقرباً من الوزير الذي حزن عليه واختار أن يسميَ المدرسة باسمه.
وتبقى صنعاء واحدة من أقدم حواضر الإسلام، ولكنها تحتل المقدمة بينها بوصفها الأكثر أصالة واحتفاظا بشخصيتها التاريخية التي لم تشوهها عمائر الأسمنت الحديثة. عن الاتحاد الإماراتية